هذه الكلمة الحجازية الجميلة تصف أحد أوجه «البهدلة». تأملت في فحواها عندما اكتشفت أن سيارتي مصابة بالصدأ في أحد أجزائها. أثر ذلك التغير على لونها الأبيض الجميل، وعلى سطحها الأملس اللامع فأصيبت بما يشبه الفقاقيع الحمراء الصغيرة جدا. الطريف هنا هو بالرغم من الأثر السلبي على سطح السيارة، إلا أنني وجدت أحد الجوانب الجمالية في بقعة الصدأ، فصورت المنظر بالكاميرا عن قرب. وهمست زوجتي في أذني أنني تماديت في النظر في الجانب الجمالي... قالت لي بأسلوبها المهذب إن السيارة «مصدية» يا أبو العيال، فما الجوانب الجمالية في ذلك... طبعا تحملتني وصبرت على طوال هذه السنوات ولله الحمد... الشاهد أن هذا الهجوم العنيف من الأكسجين يمثل تناقضا عجيبا لأن هذا الغاز من الضروريات الأساسية جدا للحياة، ولكنه أيضا من المواد «الشرسة» العنيفة التي تهجم على العناصر المختلفة هجوما ضاريا. وتحديدا، فذرات الأوكسجين في حاجة دائمة وماسة للحصول على إلكترونات ناقصة في تركيبتها، وبالتالي فتتصرف بعنف للحصول على ذلك النقص فيما يشبه السرقة... يعني الأوكسجين «حرامي» و «جائع» بشكل مخيف. وهذه الخصائص تجعله مسؤولا عن أحد الظواهر الطبيعية المكلفة جدا للعالم بأكمله. تكلفة الصيانة والتشغيل الهائلة اليوم وكل يوم تشمل مقاومة «الجربدة» التي تتعرض لها المعادن المختلفة بسبب هجوم الأوكسجين: بإرادة الله يتحول الحديد من اللون الفضي اللامع القوي إلى اللون الأحمر الهش... ولو رأيت الصورة الحقيقية لكوكب المريخ بأكمله، ستجد أن سطحه أحمر بسبب ذلك الهجوم... يعنى المريخ كوكب «مصدي» لا مؤاخذة... ويحول هذا الهجوم الكيميائي ألوان وخصائص مجموعات من المعادن ومنها على سبيل المثال لون النحاس من الذهبي الجميل إلى الأخضر، والكالسيوم من اللون الفضي اللامع إلى اللون الأبيض القاتم. ولا تسلم من هذه التأثيرات القوية إلا مجموعة مميزة من العناصر وتسمى المعادن النبيلة وأشهرها الذهب، والبلاتين. وكل هذه المعادن ثمينة لمقاومتها للعديد من المؤثرات وفي مقدمتها الأوكسجين. ونجد اليوم ألطاف الله التي لا تعد في إبداعات الهندسة في ملايين النعم حولنا من السيارات والطائرات والمولدات الكهربائية والأدوات الطبية. ومن الطرائف في هذا المجال نجد تصميم وتصنيع «الأحقاق» ، أي العلب المعدنية التي تحتوي على المشروبات، فهي تقاوم «الجربدة» بأنواعها وأشكالها من الداخل والخارج سواء كان الضغط، أو الحرارة، أو الحموضة الشديدة، أو «التخبيط» من الجهات المختلفة. ويبقى المشروب بعد سنوات كما هو... «الفيمتو» يبقى «فيمتو»، و «البيبسي» يبقى «بيبسي». شكلا ونكهة وطعما. طبعا هناك ما هو أهم من كل هذا وهو تحدى صراعات التآكل بداخلنا... يؤكد علينا الأطباء ضرورة المواد المضادة للأكسدة... وهذا يؤكد على شراسة الهجوم الذي تشنه ذرات الأوكسجين بداخلنا والتي تتطلب وضع الحد لذلك... وطبعا قمة مقاومة الأكسدة أن نمتنع عن التنفس بالكامل!. أمنية تكاليف مكافحة الصدأ وتآكل المعادن المختلفة حول العالم خيالية، فهي تفوق ميزانيات بعض الدول الأوروبية. ولكن الأضرار المذهلة هي «الجربدة» الحضارية تلك التي تصيب ثقافات بعض الشعوب فتعطل حضاراتها، وتقتل مكاسبها التنموية.. وللأسف أن بعض المجموعات تمارس التخريب الحضاري المتعمد كما نشهد أعمال المجموعات الحوثية ومن وراءها.. أتمنى أن يدركوا أن الله عز وجل شاهد على ذلك وأن لا مفر من حسابه. وهو من وراء القصد.