أنتم محاصرون، أستطيع أن ألمح علامات الاشمئزاز الصغيرة على أطراف شفاهكم، لكنكم تستمرون في السير والتدافع مع الحشود، تواصلون السريان مع التيار كالأسماك الميتة، أنتم مزعجون للغاية، وأنا أستطيع أن أستمع إلى الضجيج الذي يملأ رؤوسكم، الكثير من الصراخ والعويل، والجدالات التي لا تنتهي بقذف الأطباق أو تكسير المرايا.. أنتم كائنات تافهة ومرعبة، لا شيء أكثر إرعاباً بالنسبة لي سوى أن أعيش بينكم أريد أن أنفذ بجلدي. يقول لي زوجي: أنه علينا الذهاب إلى مصحات العلاج بمياه الينابيع الساخنة، لأنني بحاجة إلى الهدوء والاسترخاء.. لم يكن يعرف بأنني لم أستطع النوم في تلك الليلة لأني كنت أستمع إلى طنين أفكاره المزعج، لم أشعر في يوم من الأيام بهذه الرغبة الجارفة للتخلّص منه كما أشعر الآن.. في الواقع أرغب بالتخلّص من كل شيء حتى نفسي..! في صباح ذلك اليوم، كنت أنظر في عينيه المتعبتين وابتسامته الرقيقة، كان يجهد في الحديث معي، يختار كلماته بعناية ملحوظة، لقد تدفق في قلبي شعور غريب جداً، نحن نكره من نحبهم عندما نكره أنفسنا، نكره من نحبهم لأنه لم يعد في مقدورنا مجاراتهم، نكره من نحبهم لأنهم ينتظرون منا أن نكافئهم، لأننا نخجل من أنفسنا عندما نكون مُفلسين، نخجل عندما نخيّب آمالهم، نخجل عندما نريد أن نتخلّص منهم دون جدوى. لقد كانت مشاعره الرقيقة وعيناه اللتان تفيضان بحنان غامر تخنقني بنعومة، أشعر بأنني بحاجة ماسة للتحرر، للتبلّد، للتخفف من كل عبء حتى نفسي!! إن هذه الكرة الأرضيّة تدور ببطء، أكاد أشعر بهذا الدوران السئم الذي يجترّ كل القصص المعادة في تاريخ البشرية يثقل رأسي، إن كل تلك الرؤوس بما فيها من أصوات تزعجني، إن كل هذه الأحقاد والضغائن والأمراض تدفعني لكي أضع حداً لهذه المهزلة.. لقد قررت في هذه اللحظة المنعشة في هذا الصباح المهجور، وأنا أكتب رسالتي هذه، أنني سأهرب هذه المرة وإلى الأبد.. سأهرب هذه المرة ولن يجدني أحد!!. *قاصة سعودية