أحزن كثيرا حين تفشل إحدى محاولاتي لإقناع شخص ما بأن القراءة ليست أمرا مملا كما يعتقد، ويخيب أملي حين أرى انطباعا يرتسم على ملامح وجهه بعبوس أو صمت أو تملص! رغم أني أحاول جاهدة تحقيق أي تقدم فيما كنت أراه دوما مهمة، وأستخدم ما كنت أظنه أسلوبا سحريا في الإقناع! فكنت أشبه القراءة تارة بالباخرة التي تأخذنا بهدوء فاتن وترف إلى عوالم جديدة وغامضة لم يسبق لنا زيارتها لنستكشفها دون أن نتكبد أي عناء، وتارة بالممسحة التي تزيل جزيئات الغبار الجاثمة على عقولنا؛ كي نستطيع التفكير بشكل أنقى وأوضح، وتارة بالقطار السريع الذي يسير بنا بشكل موازٍ للحياة وتغييراتها اللحظية السريعة! لكني لا أذكر أني استسلمت يوما لذلك الفشل، حتى وإن اضطررت لتشبيهها بالدواء المر الذي لا نحبه، ونرغم أنفسنا على تناوله كي نطرد شبح المرض! فالقراءة حاجة ومتطلب مهم جدا في حياتنا، ولو أيقن الكثير بأنها أحد أهم المكونات لتحضير طبق النجاح الشهي الذي يزين موائد غيرهم، وبأن استراق النظر إليها ليس كافيا، لما ترددوا في التهام ما يتناثر على أرفف المكتبات التهام الجائع لأيام! لكني أتعاطف مع من يعاني من «فوبيا الحروف»؛ لأني وفي مرحلة ما من حياتي عانيت من عوارضها المزعجة، خصوصا بعد أن أنهيت المرحلة الثانوية. ففي تلك الفترة لم أكن أطيق رؤية صفحة تمتلئ بالحروف، بل كان ذلك بمثابة محرض على الضجر أو الهرب وإغلاق ما كنت أحاول الإطلاع عليه. مع ذلك، كنت أشعر بالأسى لأني لم أكن أفهم السبب الخفي وراء ذلك الجفاء الذي أصاب علاقتي بالقراءة التي أعشقها، إلا أني اكتشفت بعد سنوات لاحقة أن ما كنا نتعرض له من ضغوط نفسية في العملية التعليمية، والمناهج الضخمة التي كنا نحفظها ثم ننقشها على الأوراق نهاية كل عام، في ظل اعتماد الكثير من المعلمات على التلقين كسياسة تعليمية، تلك كانت مسببات مباشرة لحدوث فوبيا الحروف. أخيرا أقول: إن فوبيا الحروف هو عارض نستطيع التخلص منه تدريجيا بإيقاد شرارة الحب لتلك الحروف التي وجدت لنحياها وتحيانا، فأجمل ما نتميز به كبشر هو إدراكنا بأننا نستطيع.. إن أردنا ذلك.