في بيت العجوز التي أقيم عندها عصفور مزعج يوقظني كل صباح، لا أعرف كيف استلطفتُ وجوده في المنزل أول الأمر، ولكنني كنت مضطرا الى ذلك .. فالشقق السكنية التي يستأجرها الطلاب باهظة الثمن، والغرفة التي سآخذها في منزل هذه العجوز مريحة وأقل تكلفة، وهي عندما سألتني عن رأيي بتغريدات تويتي أخبرتها بأنها «تأخذني الى عالم الغابات الاستوائية الماطرة».. هذا ما خطر في ذهني وقتها وما قلته حرفيا عن تغريدات «تويتي» الذي أتمنى أن يموت!! لا أخفيكم.. بأنني فكرت كثيرا بطريقة تخلصني من هذا المزعج الصغير.. فكرت بأن أتسلل في الليل عندما تكون العجوز نائمة لأفتح باب قفصه خفية و اطلق سراحه نحو السماء .. لن ارتكب في حقه ذنباً بل العكس تماماً.. سأقوم بعمل بطولي عظيم «فهذه الأقفاص البلاستيكية ليست سوى سجون موحشة لهذه الكائنات المجنحة التي يفترض بها التحليق في السماوات الفسيحة» ولكنني خفت من أن يُقذف بي في السجن مدى الحياة أو تنتف العجوز ريشي ما إذا اكتشفت أمري.. تلك السليطة اللسان تبدو غير متسامحة على الإطلاق.. ولا سيما عندما يكون الأمر متعلقا بهذا «التويتي» الذي يسلّيها بإزعاجنا منذ الصباح الباكر.. انا لا أعرف لما يزيد الناس لؤما كلما كبروا في السن..؟! ولما علينا ان نلجأ للكذب حتى على الفتيات الأكثر ذكاء..؟! فقد حدث ذات يوم و في لحظة غضب عارم أنني أخبرت فتاة كنت أنوي الزواج بها أنني أتمنى لهذا العصفور أن يموت.. ولكنها لم تعد تكلمني بعد ذلك اليوم وقد وصفتني بالوحشية مؤكدة لي في رسالة نصية كانت قد بعثتها لي انه «من التفاصيل الصغيرة نجنب أنفسنا الوقوع في الورطات الكبيرة» ويبدو بأنني كنت مشروع ورطة ينبغي الحذر من الوقوع فيها. ولكن هذا لا يهم.. المهم هو انني تعلمت الدرس جيدا، لأنه ففي أحد المساءات الرائقة زارتني إحدى الزميلات لكي نعد بحثا مشتركا حول الأدب الرومانسي، وكنت أشعر بانجذاب قوي نحوها، انجذابها لأشعار غوتة وحبها للوحات ويليام بليك.. وكان ذلك الخبيث الصغير يصفر مزعجا كالعادة، مفسدا علي تخيلاتي وأحلامي الكيوبيدية.. قالت لي بخجل: - يبدو بأن عصفورك سعيد للغاية .. - آه تقصدين تويتي.. لو تعلمين كم أعشق هذا الطائر الحزي .. هو يغرد بحثا عن أنثى لتشاركه قفصه،، و تبدد وحشته.. هذا الطائر الغريد يذكرني بالغابات الاستوائية الماطرة.. - لطيف جدا،، ولكن هل لديك حبة مسكنة للألم؟ - هل أنت بخير؟ - في الواقع لا أعرف ماذا أقول.. ولكن رأسي يؤلمني.. - مم؟ أجابتني وقد أمسكت بحقيبتها متحفزة للخروج: - تويتي.. اعذرني.. ولكني لا أستطيع المجيء الى هنا بعد الآن.. فأنا أكره العصافير.. وعندي حساسية من الطيور..! لكم أن تتخيلوا منظري المثير للشفقة.. لم أعرف تماما كيف بإمكاني التصرف وقتها ولكنني وبحركة آلية توجهت نحوها، واضعا يدي على كتفيها وقد قلت كلاما أشبه ما يكون بالاعتذار: اسمعي.. لأكن صريحا معك.. أنا أيضا أكره هذا العصافير.. وهذا المزعج الصغير قد أفسد علي حياتي.. وتلك العجوز العنيدة.. أتمنى أن يموتا سويا.. وفي أسرع وقت! ويبدو بأن كلامي قد وقع عليها كالصاعقة.. فقالت هاربة: يالك من مريض!! في اليوم التالي.. استيقظت على صوت ذلك المزعج، لم أنم جيدا لأني كنت أشعر بالخزي والخجل.. لقد قررت في تلك الليلة أن أوضح لها الأمر.. ولكنني عندما وصلت الى القاعة لمحتها تتحدث الى البروفيسور الذي استدعاني فور انتهاء المحاضرة. ليخبرني أنه علي أن أقوم بإعداد المشروع وحدي.. وأنني مضطر لمراجعة المستشار النفسي في نهاية اليوم..