اتسمت سياسة الديموقراطيين، بزعامة باراك أوباما ونائبه جوزيف بايدن، والتي حكمت أمريكا على مدار ثماني سنوات (2009 - 2017م، تولت خلالها السلطة التنفيذية) بسمات إيجابية وسلبية، بالنسبة لأمريكا والعالم. فهذه الإدارة تسلمت حكم أمريكا وهي في أوج ضعفها المعاصر وتدهورها الاقتصادي النسبي، وترحل وأمريكا تتمتع بدرجة مقبولة من الاستقرار والازدهار النسبي، مقارنة بأعوام إدارة جورج بوش الابن الثمانية العجاف، والذي يعتبره كثيرون أسوأ رئيس مر على أمريكا حتى الآن. عملت إدارة أوباما على وقف التمدد الإمبريالي.. مع المحافظة على استمرار الصدارة الأمريكية. وأفلحت في تحقيق ذلك إلى حد كبير، بسبب ما اتبعته من سياسات، اتسمت بالامتناع عن استخدام القوة المسلحة قدر الإمكان، وبعض الاحترام للقوانين والأعراف الدولية والإنسانية (المقدرة على الساحة الدولية) وعدم ارتكاب الأخطاء الإستراتيجية الفادحة. ولعل أبرز أمثلة السياسات الإمبريالية الحمقاء والكريهة التي اتبعتها قبله إدارة بوش الابن هي: غزو واحتلال وتدمير العراق، رغم المعارضة الحكومية والشعبية لغالبية دول العالم. لفقت تلك الإدارة عدداً من الأكاذيب الصارخة المعروفة.. واتخذتها ك«ذرائع» لغزو واحتلال وتدمير دولة عضو مؤسس بمنظمة الأممالمتحدة. وسرعان ما انكشفت تلك الخدع، وتأكدت للعالم الأسباب العدوانية الحقيقية لقيام بوش الابن وإدارته بغزو واحتلال العراق. وقد نجم عن هذا العدوان الكثير من الخسائر المادية والمعنوية التي لحقت بأمريكا. كما تمخضت عنه عدة كوارث بالمنطقة. وسبق لأوباما أن عارض الحرب على العراق، ووعد بسحب القوات الأمريكية منه. وهذا ما فعله بعد توليه الرئاسة. وقد أسهمت سياسات بوش تلك في فقدان الحزب الجمهوري رئاسة أمريكا، وتمهيد الطريق لفوز أول «ملون» بهذا المنصب. *** تفاءل العرب كثيرا بمقدم الرئيس «باراك حسين أوباما»، ورجوا أن يسهم أخيرا في حل معضلات منطقتهم، بحلول مناسبة وعادلة. وأبدى الرجل، في بداية ولايته، اهتماما ملحوظا بالمنطقة العربية، ورغبة في حلحلة أخطر إشكالاتها. ولكنه فشل فشلا ذريعا في تحقيق أي تطلع عربي إيجابي تجاه المرحلة الأوبامية، لأسباب قد نتحدث عنها لاحقا. بل أنه فاجأ العرب بإدارة ظهره لهم. فشهدت المنطقة في عهده تدهورا غير مسبوق في أمنها واستقرارها، كرس وضعها كأكثر مناطق العالم اضطرابا. إذ في عهد أوباما: تزايدت عربدة إسرائيل بالمنطقة، وتواصلت السياسات التوسعية العدوانية الإيرانية، وقويت شوكة إيران، وقام «داعش» وعدة تنظيمات إرهابية بشعة. إضافة إلى تفاقم الأوضاع السياسية واضطرابها في كل من: العراق وسورية واليمن وليبيا، وغيرها. ولعل أكبر حسناته للمنطقة هي امتناع أمريكا مؤخرا عن استخدام حق النقض (الفيتو) ضد القرار العالمي الرائع بإدانة الاستيطان الإجرامي الإسرائيلي بفلسطين. *** وعلى المستوى الداخلي، والاقتصادي بخاصة، كانت أغلب الأفعال والسياسات التي قامت بها إدارة بوش الابن، أو إدارة المحافظين الجدد المؤدلجة، تؤدي إلى: تدهور المكانة العالمية لأمريكا، وبدء تداعي نظام القطبية الأحادية العالمي (الذهبي، بالنسبة لأمريكا)... والذي قد يتحول قريبا إلى نظام الأقطاب المتعددة. ومثلت تلك السياسات تركة ثقيلة... ظلت إدارة «باراك اوباما» تنوء بحملها. وتمكنت هذه الإدارة خلال فترتها الأولى من التخفيف من وقعها، وتجاوز أكثر آثارها المدمرة. حيث أصلحت كثيرا مما أفسده المحافظون الجدد. انخفض الدين العام، وانخفضت نسبة البطالة، ونجت عدة شركات كبرى من إفلاس وشيك. كما أجرى أوباما إصلاحات في مجال العقارات والرعاية الصحية والاجتماعية. بالغت إدارة أوباما قليلا في التأكيد على ضرورة التدخل الحكومي (المنظم) في الاقتصاد، وتطرفت في رفض التمسك ب«الريجانية»، التي تمعن في ترك الاقتصاد حراً مطلقاً، وتحظر أي «ضوابط» حكومية موسعة.. تنظم حركته وتضبط إيقاعه. فأسهمت بسياساتها الاقتصادية هذه في تجاوز أمريكا لأكبر أزمة اقتصادية مرت بها منذ فترة «الكساد الكبير» الذي بدأ في العام 1929م. وسبق أن أوقفت إدارة بوش الابن أغلب برامج إعانة المحتاجين من الشعب الأمريكي، وخفضت الضرائب على الأغنياء، ومنعت التدخل الحكومي المناسب في النشاط الاقتصادي الهادف لتنظيم سير العملية الاقتصادية، وفق ضوابط ضرورية، للحيلولة دون قيام رأسمالية مطلقة، قد تؤدي إلى فوضى مطلقة، وإلى انفراد قلة من الشعب بالمال والنفوذ، ورضوخ الغالبية للفقر والعوز المضاعف، كما كاد يحصل بالفعل. ومرة أخرى، أثبتت الرأسمالية المطلقة فشلها، ومآلها إلى الفوضى الكارثية الاقتصادية.. وهذا ما حدث بأمريكا إبان حكم بوش الابن، وتأثرت به غالبية بقاع العالم. وتسارع الاقتصاديون خلال حكم أوباما لوضع الحلول للنظام الموشك على الانهيار.. ومرة أخرى، تمحورت كل الحلول حول إقامة رأسمالية ذات ضوابط... وبحيث تضع الحكومة الضوابط وتشرف على إنفاذها بدقة وصرامة، عبر «إجراء اشتراكي» يتمثل في: التدخل الحكومي المدروس والرشيد والنزيه، والمكافحة الجادة للفساد والاحتكار. في ظني أن الرئيس أوباما يحصل -بصفة عامة- على تقدير «مقبول» كرئيس لأمريكا خلال السنوات الثماني الماضية. لم يكن الأسوأ. فما زال الرئيس بوش الابن يحتفظ بمركزه، ك«أسوأ» رئيس مر على أمريكا حتى الآن. ويتطلع العالم الآن إلى الرئيس المنتخب «دونالد ترمب»... راجيا أن لا ينافس بوش الابن على ذلك المركز، ويتراجع عن بعض وعوده «الانتخابية» المفزعة.