عرف التاريخ الإنساني الزينة والتزين منذ أزمان سحيقة، ولم يتوقف الإنسان في بحثه عن الصورة التي ترضيه وتظهره جميلا أمام الآخرين. وقد حملت لنا الحفريات -عبر العصور السحيقة- أنواعا مختلفة من وسائل الزينة وفي أغلبها الأعم كانت أدوات تخص المرأة. وهذه الإشارة لا تعني بتاتا أن الرجل لم يكن باحثا عما يظهره جميلا، وإن كان ثمة فرق فإن وسائل التجمل عند الرجل تكون تعزيزا لمظاهر مقياس الرجولة في نوع السلاح أو المركب أو الملبس أو الخواتم وفي حالات الحروب كجدع الأنف أو تركيب أدوات خشبية للأطراف السفلية، وكانت أنواع الطيب محدودة، بينما كانت أدوات الزينة عند المرأة في أغلبها مؤلمة إذ تتعرض إلى معاملة صارمة بحيث تكون هيئتها متسقة مع مقياس الجمال الذي يرنو إليه الرجل، وقد عانت المرأة كثيرا من أجل اكتساب إعجاب الرجل فأخضعت نفسها لعمليات الوخز والخرم والنقش في وجهها والضغط على قدميها أو وسطها وحملت طيوب الأرض على رأسها وأفنت جبال الكحل في عينيها، أما أدوات التجمل المساندة لم تقف عند حد في ملابسها وطيبها ومجوهراتها حتى إذا تطورت عمليات التجميل لم تعد هناك امرأة إلا شاغلتها نفسها أن تقوم بتغيير جزء أو أجزاء من شكلها العام، فراجت عمليات التجميل حتى بلغت ذروتها في الآونة الأخير وتحولت إلى مجال استثماري، إذ تخبرنا الإحصاءات أن السعودية تحتل مركزا متقدما في كل ما يتعلق بأدوات التجميل، وجاءت عمليات التجميل لتضاعف من استحواذ هذه السوق على جزء كبير من الإنفاق ليمثل ضغطا على دخل الفرد، ولأن هذا الإنفاق حرية شخصية لم يرافق هذا الاستهلاك الطاغي أي نوع من أنواع الترشيد أو التوعية، وكان من الضروري جدا أن تتحرك الجهات المعنية بوضع إستراتيجية لهذا الإنفاق الباذخ، وكذلك التحذير مما يحدث من استغلال للسيدات الباحثات عن الجمال وهن يقدمن على عمليات تجميلية لها آثار سلبية على حياتهن على المدى المتوسط. ولجميع السيدات التنبه بأن عملية تجميلية بعشرة أو عشرين ألفا لن تكون محصلتها الجمالية كعملية بمليون ريال. فلا تغركن شفتا هيفاء أو صدر أليسا أو قوام علانة وزعطانة. وهناك ملاحظة جوهرية تتمثل في أن النساء أصبحنا نسخة واحدة من جمال مزيف. أخيرا، إن كانت هذه المقالة يبدو تحركها في الهامش إلا أنني أشعر أنها في قلب مجتمعنا المغرم بالتجمل الشكلي بينما ينسى التجمل في أمور أخرى. [email protected]