الاهتمام بالجمال يشكل جزءًا من تركيبة المرأة وقد قال الله تعالى في كتابه الحكيم: »أومن ينشؤا في الحلية وهو في الخصام غير مبين»، لكن يختلف اهتمام المرأة بالجمال من امرأة إلى أخرى، فبعضهن تهتم بجمالها في إطار من الاعتدال، في حين تبالغ أخريات في الاهتمام به إلى درجة الهوس والمرض النفسي..! «الرسالة» ناقشت أبعاد اهتمام النساء بالجمال وكيفية ضبطه بعيدًا عن الإسراف والهوس في ثنايا التحقيق التالي: شددت الاختصاصية الاجتماعية د. نوف بن علي المطيري أن من أهم أسباب، الهوس الشديد بالمظهر الخارجي وشراء أدوات الزينة عشق المرأة للجمال فكل امرأة تهوى الزينة وكذلك حب المديح ولفت نظر الآخرين وإثارة غيرتهم خصوصًا النساء، فالمرأة تهوى أن تكون محط أنظار الجميع بجمالها وأناقتها، وهناك فئة تعاني من مشكلات نفسية نتيجة نقص الثقة في النفس وترى في المكياج وسيلة لمنحها الجمال والثقة الداخلية في نفسها فلا تبقى بدون زينة حتى لو كانت النتيجة تبديد جزء كبير من راتبها أو راتب زوجها، وللأسف مفهوم الجمال غير واضح عند كثير من السيدات بسبب وسائل الإعلام التي تسوق لتلك المنتجات وتلك الكريمات وتبث رسائل للمرأة العاشقة للتزيين والتي تعاني غالبًا من غياب الثقافة الاستهلاكية والركض خلف الموضة والتقليد الأعمى تلك الرسائل تدفعها نحو الأسواق ونحو الإسراف وتبديد المال على أدوات الزينة والملابس التي تحلم بأن تجعلها حديث المجالس والحفلات! دون الاهتمام بمدى التأثير السلبي لتلك الكريمات في بشرتها وهذا الهوس بمظهرها على ميزانيتها وعلاقاتها، وبعض السيدات والفتيات تتعذر بأنها تعمل وبحاجة للظهور بمظهر لائق والمكياج يشكل جزءًا اساسيًا من مظهرها ولكن يغيب عن بالها أن الهدف من العمل هو تحقيق اهداف المنشأة وارتفاع الإنتاجية وليس عمل مباريات جمال واستعراض الأزياء كما يحدث في كثير من الأماكن. الثقة والاعتدال وأضافت المطيري أنه يجب على المرأة أن تتعرف على مواطن الجمال فيها فتهتم بها دون مبالغة والقناعة بذاتها وبشكلها الخارجي والجمال أمر نسبي ويختلف من شخص لآخر فلا تركض وراء مديح الآخرين أو إغراءات وسائل الإعلام وتتعرف على طبيعة بشرتها وتتعلم كيفية العناية بها وكل امرأة مهووسة بجمالها وبشرتها ولكن الأمر يجب أن يتم باعتدال وبدون الاضرار بالميزانية ودون هدر للأموال، ونصيحتي لكل امرأة أن تثق بنفسها وتتخلص من تلك البرمجة وتلك الرسائل السلبية التي تبثها وسائل الإعلام عن الجمال والموضة وتحاول أن تتغلب على هوسها ببشرتها وشراء المنتجات التي جعلت من المرأة العربية المستهلك الأولى في العالم لأدوات التجميل والمكياج والكريمات حسب إحصائيات الشركات العالمية وتبدأ بالاهتمام بالجمال الداخلي دون تجاهل مظهرها الخارجي اي أنها تتعامل باعتدال مع شكلها ومظهرها الخارجي. علاقة فطرية وأكدت الكاتبة السعودية أ. ليلى الشهراني على وجود علاقة فطرية طبيعية تنشأ بين حب النساء للتجمل والزينة والتسوق والبحث عما هو جديد في عالم التجميل، فالطفلة الصغيرة تنجذب تلقائيًا لطاولة الزينة فما أن تقع يدها على الأصباغ إلا وتصنع عالمًا من الفوضى في محاولة لتقليد والدتها، وعندما تكبر قليلًا تقضي الوقت في تسريح شعرها وتزيينه بشرائط وتحاول أن تكون الأجمل في عيون والديها وقريناتها، ثم تصبح فتاة ويبدأ هوسها بكل ما هو جديد، ومع مرور الوقت يصبح عالم الجمال عالمًا مخيفًا بسبب المبالغة في الزينة ومستحضرات التجميل، ثم تصبح سيدة ويزداد خوفها من غزو التجاعيد أو أن ينظر لها الزوج بأنها لم تعد جميلة كما كانت في فترة الخطوبة وقبل إنجاب الأطفال فما يكون منها إلا أن تصرف وببذخ مبالغ كبير في شراء تلك المستحضرات التي تملأ أرفف المحلات. ثم تصبح عجوزًا فتطرق محلات العطارة والتجارة على أمل أن تجد ما يخفي شيبها ويشد من تجاعيدها، وتكمن الخطورة في تحول البحث عن الزينة إلى الهوس بالجمال، فكثير من النساء اليوم أصبحن أسيرات لما تفعله نجمات الغناء أو التمثيل، وضاعت هوية المرأة وذابت في التقليد الأعمى، فلم تعد المرأة راضية عن نفسها أو مقتنعة بما وهبها الله من جمال أو راضية عن وضعها وسنها، فمن عمليات النفخ والشد إلى جلسات توحيد اللون أو تغييره، وأصبحت تنفق ببذخ على العيادات التجميلية، والمراكز التي تعتني بالجمال والموضة. حدود المعقول وأضافت الشهراني: الزينة مطلوبة في المرأة وليس هناك امرأة لا تحب أن تكون جميلة، ولكن يجب أن تكون في حدود المعقول فلا ضرر ولا ضرار، وكل امرأة تستطيع أن تكون جميلة بقليل من الزينة الخارجية وكثير من زينة اللسان والجسد والصحة، فليس بالضرورة أن يكون وجه المرأة لوحة بها كل الألوان، بل يكفيها أن تبرز ما فيها من جمال بقليل من الزينة، ثم ان لكل مكانًا زينته وبعض النساء لا يفرقن بين السوق وحفلات الزواج، أو بين البيت والمستشفى، بل ان بعض النساء من شدة تعلقها بمساحيق الزينة والتجمل لا تفرق بين مجالس العزاء ومجالس الأعياد، فتأتي لبيت العزاء وهي في كامل أناقتها وزينتها ولا تراعي المكان والظرف، وبعض النساء تنزل للأسواق والمستشفيات وهي بكامل زينتها وتفوح منها روائح العطور ويظهر منها الزينة التي حرمها الله إلا على محارمها. أتمنى أن تكون زينة كل امرأة في عقلها ودينها وحيائها فهي الزينة التي لا تزول بغسل الوجه أو نزع الملبس بل هي الزينة الحقيقية التي أعطاها الله للمرأة بالمجان وبدون أي أضرار جانبية. ولا نتائج عكسية. ظاهرة سلبية من جانبه أوضح المستشار الأسري د. خليفة المحرزي أن ظاهرة التجمل المبالغ فيه هي إحدى الظواهر السلبية الدخيلة على المجتمع، وللأسف وصل تأثير تلك السلوكيات التي يمارسها الكثير من الجاليات الأجنبية إلى بعض أبناء المجتمع، والتساءل هنا لماذا كل هذا الإسراف «التزييني وبماذا نفسر تلطخ وجوه العديد من نسائنا العربيات بالمكياج وتفوح منهن روائح العطور، وما هي يا ترى مبررات هذا التبرج والاستعراض الصارخ وما الفائدة التي سوف تجنيها من ذلك؟ نرى بعض النساء متجردة من عباءتها الضيقة من أجل إبراز مواطن جاذبيتها، كاشفة عن وجهها وشعرها، محسرة عن يديها ورجليها، يوحي بأنها ضلت الطريق إلى حفل زفاف وليس إلى مركز تسوق، وهذا السلوك يسلبها أخص خصائصها من الحياء والشرف ويهبط عن مستواها الإنساني إلى المستوى المتدني رافعة شعار الفساد الخلقي، الذي يمثل مصدر سلسلة من الأوبئة الاجتماعية الفتاكة، ورأس خيط لقائمة من المفاسد والأضرار التي تردي بالمرأة وتردي بالرجل حيث السفالة واللا إنسانية، ونعزو سبب هذه الظاهرة إلى الجهل السلوكي والتقليد الأعمى لأزياء الممثلات وعارضات الأزياء ومتطلبات الموضة العالمية والاستجابة لبيوت التشكيلات من الماركات العالمية التي تلقى رواجا كبيرا لدى النساء في المنطقة العربية وللمجلات مجالًا واسعًا في تشجيع هذه السخافات والتغرير بالمرأة للوصول إلى المستوى. إنفاق الخليجيات وأضاف المحرزي أن مصادر صناعة مستحضرات التجميل تؤكد أن دول الخليج تقوم سنويا باستيراد منتجات قيمتها ما يفوق الأربعة مليارات دولار تتوزع بين دول مجلس التعاون تنفق على التزين والزينة ومستحضرات التجميل وهذه المبالغ تفوق ميزانيات دول كثيرة تعاني شعوبها من الفقر المدقع فمعدل واردات الدول العربية وحدها من مستحضرات التجميل ارتفع بشكل كبير من سنة 2002 حيث بلغ 2.7 مليار دولار إلى أكثر من 4،6 مليار دولار سنة 2009، وعلى الرغم من التزام الكثير من نساء المجتمع بلبس العباءة السوداء والغطاء على الرأس نجد هذا الإقبال الرهيب للاعتناء بالمظهر الخارجي، ولكن اللافت للنظر في هذه المسألة أن إنفاق الخليجيات ينحصر على مستحضرات التجميل والعطور في زينة ما يكشف، أي العينين والأظفار، بالإضافة إلى إخفاء بعض عيوب الوجه وتجاعيده، ليس المقصود من هذا الكلام أننا نبغض الجمال، فمن لا يعشق الجمال هو حتمًا غير سوي ولكن الجمال بالنسبة لنا ليس سلعة تباع بسوق النخاسة، وليس ذوقًا استهلاكيًا ليتم إخضاعه لقوانين الحداثة، واعتماد ما تبثه الفضائيات كمقياس للجمال. فأي امرأة تعيش في زماننا لا يمكن محاكمتها وفقًا لموديل عارضة الأزياء أو ملكة جمال دولة ما أو حتى مقارنة خدودها بخدود عارضات الأزياء، فالمقاييس الجمالية متغيرة ومختلفة بتغير المجتمعات والثقافات.