أكد المنسق العام للهيئة العليا للمفاوضات الدكتور رياض حجاب أن مواقف السعودية تعتبر الأكثر ثباتا ودعما للشعب السوري، واستطاعت من خلال جهودها الدبلوماسية توحيد المواقف الإقليمية حول سورية لرفع معاناته. وقال الدكتور رياض حجاب في حوار أجرته «عكاظ» إن المملكة كانت سباقة على الصعيد الإقليمي والدولي في وقوفها إلى جانب الشعب السوري لتحقيق تطلعاته وتخفيف معاناته والوقوف بحزم ضد مشاريع الفرس التوسعية. ولفت إلى أن التصعيد الروسي - الإيراني - الأسدي لن يفضي إلى شيء سوى المزيد من الدمار والخراب وسفك الدم السوري، مشيرا إلى أن هناك مبالغات بدور «فتح الشام» (النصرة سابقا) في معركة حلب. واعترف حجاب أن الصف المعارض منقسم، وأن الهيئة قامت برص صفوف المعارضة وتوحيد كلمتها. وأشار إلى أن إدارة أوباما ضيعت العديد من الفرص لحل الأزمة، وأنها أفقدت الدبلوماسية الأمريكية مصداقيتها بسبب الفشل المتكرر في احتواء الروس من جهة، أو وضع حد لمشروع التوسع الإيراني وكبح جماح النظام السوري من جهة ثانية.. فإلى تفاصيل الحوار: • جاء لقاؤكم مع خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز في وقت تعاني سورية من هجوم شرس، فماذا كان الموقف السعودي؟ •• مواقف السعودية تتسم بالثبات والوضوح منذ بداية الأحداث في سورية، فقد كانت سباقة على الصعيد الإقليمي والدولي في وقوفها إلى جانب الشعب السوري في سبيل تحقيق تطلعاته وتخفيف معاناته، كما أكدت على دعمها الحل السياسي في سورية وفقاً لبيان جنيف 1، والقرارات الأممية التي تنص على البدء بعملية سياسية تفضي إلى مرحلة انتقالية تلبي التطلعات المشروعة للشعب وتمكنه من تحديد مستقبله بصورة مستقلة، وذلك من خلال إقامة هيئة حكم انتقالية كاملة الصلاحيات باستطاعتها أن تُهيّئ بيئة محايدة تتحرك في ظلها العملية الانتقالية. وفي مقابل هذه المواقف السياسية الرصينة، فإن التصعيد الروسي - الإيراني - الأسدي لن يفضي إلى شيء سوى المزيد من الدمار والخراب وسفك الدم السوري، وكان موقف المملكة منه واضحاً، إذ دعت إلى وقف عمليات القصف الهمجية والانخراط في العملية السياسية، لكن الحكم في إيران ينطلق من مشروع طائفي - شعوبي لا يريد الخير بالأمة العربية، في حين تعمل روسيا على تأجيج الموقف في سورية لتوسيع نفوذها واستعراض قدراتها العسكرية واختبار أسلحتها الفتاكة في المناطق السكنية. • في ظل التراجع والعجز الدولي حيال ما يجري في سورية.. هل هذا ينطبق أيضا على الموقف السعودي؟ •• لا بد من الإشادة بالمواقف السعودية المشرفة في مختلف المسارات، فعلى الصعيد الدبلوماسي دفعت المملكة منذ البداية باتجاه العملية السياسية، ولا تزال تعتبر أحد أعمدة الدبلوماسية الدولية في المفاوضات حول سورية، كما أنها تبذل جهوداً موازية في إطار تنسيق المواقف الإقليمية والدولية للخروج بموقف موحد يرفع المعاناة عن الشعب السوري، وكان لجهودها الإقليمية الدور الأكبر في توحيد المواقف الإقليمية إزاء الوضع في سورية، وفي مطالبة إيرانوروسيا بوقف عملياتهم ضد الشعب السوري، ومن ذلك دعوتها إلى تشكيل قوة حفظ سلام عربية أممية مشتركة للمراقبة وحماية المدنيين السوريين، ووقف كافة أشكال التعامل الدبلوماسي مع الأسد. ولا تزال المملكة تقف بحزم ضد مشاريع التوسع الفارسية، وتنبذ سياسة إذكاء الفتن الطائفية التي تذكيها حكومة طهران والميليشيات التابعة لها في حربهم القذرة ضد الشعب السوري. • بكل تأكيد كان لكم مطالب خلال لقائكم مع الملك سلمان، تمكنكم من مواصلة دوركم، فما هي أبرز هذه المطالب؟ •• منذ تأسيس الهيئة العليا للمفاوضات بالرياض في ديسمبر 2015، والمملكة تقدم مختلف وسائل الدعم لتوحيد المعارضة السورية والدفع بالعملية السياسية، وجاء تدشين رؤية الهيئة لعملية الانتقال السياسي في سورية ضمن هذا الإطار. وحديثنا مع خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز تركز على الدور التاريخي للمملكة في حفظ التوازنات الإقليمية في المنطقة، وما تمتلكه من سجل ناصع في إطفاء الحرائق الإقليمية ووأد الفتن في مختلف البؤر المتوترة بالمنطقة. وفي ظل تعليق المفاوضات الأمريكية - الروسية إزاء سورية، وفشل مشروع إنشاء غرفة موحدة بين القوتين؛ وما تبع ذلك من تصعيد روسي - إيراني؛ تبذل الهيئة العليا جهدها للدعوة إلى تبني رؤية جديدة تستفيد من التجارب الماضية وتدفع باتجاه إجراءات حاسمة ضد من ينتهك حقوق السوريين، ومقاضاة جميع المتورطين في سفك الدم السوري، والاستناد إلى الشرعية الدولية في محاسبتهم وضمان عدم إفلاتهم من العقاب، ولا يتحقق ذلك إلا من خلال أدوات فاعلة وتحالفات إقليمية يمكن أن تأخذ بزمام المبادرة في تعاملها مع الملف السوري. وقد وجدنا كامل التفهم والانسجام من قبل خادم الحرمين الشريفين إزاء ما تقدمنا به من رؤى ومقترحات. • هل الموقف السعودي يرقى لمستوى الأزمة؟ •• نعم الموقف السعودي يرقى إلى مستوى الأزمة، ونتمنى أن ترقى المواقف الدولية بدورها إلى مستوى الموقف السعودي من سورية. • اقتصرت الأزمة السورية على ملاسنات واشتباكات في مجلس الأمن بين روسياوأمريكا.. ما هو تقييمك لإدارة أوباما للأزمة، وهل أنتم مقتنعون بحدود القوة الأمريكية؟ •• لم تقتصر الأزمة السورية على ملاسنات واشتباكات في مجلس الأمن بين أمريكاوروسيا، بل اتسمت الأشهر السبعة الماضية بدبلوماسية أمريكية - روسية مكثفة قامت على أساس توافقات كبرى، وتنازلات أمريكية لصالح الطرح الروسي، ومن المؤسف أن الإدارة الأمريكية قد تخلت عن العديد من مصادر القوة المتاحة لديها في المنطقة مقابل ترضية نزوات بوتين، ما ساعده على تكرار السيناريو الأوكراني في سورية، وشجعه على الاستمرار في ارتكاب المجازر بحق الشعب السوري دون أي رادع. هناك قناعة كبيرة لدى المسؤولين وصناع القرار في أمريكا بأن إدارة أوباما قد ضيعت العديد من الفرص، وأنها تتحمل مسؤولية كبيرة لدى تغاضيها عن تجاوز الخطوط الحمراء، وأنها أفقدت الدبلوماسية الأمريكية مصداقيتها بسبب الفشل المتكرر في احتواء الروس من جهة، أو وضع حد لمشروع التوسع الإيراني من جهة ثانية، أو كبح جماح النظام في انتهاك الحقوق الأساسية للشعب السوري من جهة ثالثة. وهنا، لا بد من التأكيد على أن القوة في السياسة الدولية تقوم على أساسين رئيسيين هما: القدرة والرغبة، ومن الواضح أن الإدارة الأمريكية في عهد أوباما كانت تمتلك القدرة لكنها لم تكن تمتلك الرغبة في اتخاذ مواقف تتسم بالحزم إزاء الجرائم التي ارتكبها التحالف الروسي - الإيراني - الأسدي، ونتج عن ذلك أزمة في علاقاتها مع حلفائها نتيجة انعدام الشفافية في المفاوضات مع الروس والإيرانيين، ما يدفع للأمل وجود وعي متنام في دوائر اتخاذ القرار الأمريكي بضرورة تبني نهج جديد في التعامل مع الملف السوري. وقد أسهمت زيارتنا الأخيرة إلى الولاياتالمتحدة في تعزيز علاقاتنا مع مختلف القوى السياسية التي كانت واضحة في انتقادها لمواقف الإدارة الأمريكية، وتوجهها لتبني مواقف أكثر وضوحاً وحزماً في الفترة القادمة. • البعض يلومكم على تعويلكم المفرط على الجانب الدولي ويلقي باللائمة عليكم بسبب عدم قدرتكم على توحيد الداخل والخارج مبكرا وضعف حالكم.. فماذا تقول؟ •• نحن لا نعول كثيراً على الجانب الدولي في فن إدارة الصراعات، يجب امتلاك أكبر قدر من الأدوات المتاحة، ونحن نعتبر أن الدبلوماسية هي واحدة من الأدوات الأخرى المتاحة وليست الأداة الوحيدة، ومن ضمن هذه الأدوات وحدة الصف المعارض، وقوة الخطاب الإعلامي، وتحقيق التمثيل الشعبي، والقوة العسكرية وغيرها من المصادر الأخرى. أما فيما يتعلق بالانتقادات الموجهة إلينا؛ فنحن لا نستطيع إرضاء الجميع، وخاصة من تنقصهم التجربة والممارسة في مجالات العمل السياسي، فعندما نعزز الخطاب الإعلامي يتهمنا البعض بالسعي إلى تحقيق الشهرة، وعندما نهتم بالجانب السياسي يتهمنا البعض بإهمال القوة العسكرية، وعندما نطالب بتسليح المعارضة واتخاذ مواقف حازمة إزاء الانتهاكات الروسية - الإيرانية يتهمنا البعض بعدم الرغبة في التفاوض، وفي ظل المشهد المعقد والمنفلت في جميع الاتجاهات يصعب إقناع الجهات المختلفة التي تتباين رؤاها وأولوياتها بجدوى ما نقوم به، يكفينا أننا نعمل وفق أسس احترافية تسعى إلى الارتقاء في مجال التنسيق بين مختلف مكونات المعارضة بصورة خاصة. وفي هذا الإطار، لا بد أن نعترف أن الصف المعارض منقسم، وأن هذا الانقسام قد أدى إلى تفويت العديد من الفرص المهمة، وهو الأمر الذي أخذنا على عاتقنا مواجهته منذ الأيام الأولى لتأسيس الهيئة العليا للمفاوضات. لقد قامت الهيئة على أساس رص صفوف المعارضة وتوحيد كلمتها، ويعزى الفضل في ذلك إلى السعودية التي بادرت إلى تبني الهيئة منذ الأيام الأولى للتأسيس، وإلى تسهيل أعمالها، وقد حققنا نجاحاً طيباً في هذا المجال، حيث حازت رؤية الهيئة للعملية السياسية على إجماع سائر مكوناتها، وحظيت بإجماع إقليمي ودولي منقطع النظير، ونعمل في الوقت الحالي على إنتاج المزيد من الوثائق الحاكمة للعملية الانتقالية على أسس من الكفاءة والاحتراف. • مرة أخرى تعود المعارضة تتقدم في حلب وسط ضعف موازين القوى السياسية والعسكرية.. ألا ترى أن الحل العسكري يصعب الرهان عليه؟ •• نعمل على دمج العمل الدبلوماسي مع العسكري، لا نقلل من أهمية القوة العسكرية، ودورها المحوري في تحقيق أهداف الثورة، إلا أننا في الوقت ذاته لا نراهن على الحل العسكري منفرداً، بل نعمل على الدمج بين الجهود الدبلوماسية والعمل السياسي والعمل المسلح وغيرها من المجالات كالمحافل القانونية والإعلامية بهدف تحقيق المطالب الشعبية بإسقاط نظام بشار الأسد وتدشين مرحلة انتقالية تستند إلى بيان جنيف والقرارات الأممية ذات الصلة. • مازالت فتح الشام (النصرة) تتقدم المشهد العسكري في حلب.. فهل تباركون هذه المعركة رغم وجودها؟ ولماذا لا تتقبلون المقترح الروسي بفصل فتح الشام عن المعارضة المعتدلة؟ •• جبهة فتح الشام لا تتقدم المشهد العسكري في حلب، هذه مغالطة يتكرر ورودها في وسائل الإعلام، ففي حلب ترابط فصائل كبيرة يبلغ تعدادها عشرات الآلاف في حين لا يوجد في المدينة سوى 200 عنصر من جبهة النصرة، وهنا تقع وسائل الإعلام بكل أسف في خطأ تكرار الدعاية الروسية التي تهول من حجم ودور هذه الجبهة لتعزيز ادعائها بأنها تحارب الإرهاب في حلب، واستخدام هذه الحجة لقصف المدنيين. ليست المشكلة في خروج عناصر جبهة فتح الشام بل تكمن المعضلة في رغبة الروس والنظام باتخاذهم ذريعة لإخراج جميع الفصائل من حلب، إذ تدعي موسكو أن هنالك نحو 3000 مقاتل من جبهة فتح الشام، وهذا غير صحيح، بل هي مغالطة ترغب روسيا من خلالها إخلاء حلب الشرقية من فصائل المعارضة وإتاحة مجال دخول قوات النظام للمدينة دون أية مقاومة، في حين تنشر إيران آلاف المقاتلين من الميليشيات الطائفية لتنفيذ سياسة التطهير التي يمارسها النظام وحلفاؤه في العديد من المناطق والبلدات السورية، ولا شك في أن الاستجابة لهذه السياسات الطائشة خطأ كبير.