نشرت صحيفة ال«واشنطن بوست» أمس مقالا عن قيادة المرأة للسيارة في السعودية، واستهلت الكاتبة مقالها متعجبة من أنه رغم التغطية الإعلامية الواسعة، والضجة الكبيرة، حول موضوع قيادة المرأة، فإن تجاوب السعوديات كان قليلا! تقول الكاتبة: «كان تعبير نساء سعوديات عن احتجاجهن في قيادة السيارات خلال الشهر الحالي بعيدا كل البعد عن المظاهرات الضخمة التي هزت دولا عربية أخرى خلال الموسم الثوري الحالي، على الرغم مما أثاره الأمر من ضجة كبيرة وتغطية إعلامية واسعة»! فهل ما قالته جديد، أو مفاجئ؟ الحقيقة أن المفاجأة هي من تفاجئها، ومن هنا تبدأ القصة.. فتفاجؤ الكاتبة حيال عدم تجاوب السعوديات، رغم الزخم الإعلامي، لا يختلف عن تفاجؤ كثيرين يوم ما سمي زورا «ثورة حنين»، بل قد تتفاجأ الكاتبة أكثر لو علمت أن عدد من قدن سياراتهن هذه الأيام، ورغم الإعلام الجديد، بكل أنواعه، لم يصل حتى لعدد من قدن سياراتهن في التسعينات بالرياض أيام حرب تحرير الكويت، يوم كان ل«الفاكس» مكان مرموق! وهذه الملاحظة، وغيرها، بمثابة جرس لتعيد وسائل الإعلام التقليدية النظر في جدية تأثير الإعلام الجديد، وعدم الاندفاع خلفه. وأبسط مثال هنا ما سمي زورا ب«ثورة قطر»، وقت التحريض على السعودية، حيث بلغ عدد المؤيدين على ال«فيس بوك» قرابة 36 ألفا، ولم يحدث شيء في قطر، حيث كانت حملة تشويش فقط. القصة هنا ليست التبرير لمنع قيادة المرأة للسيارة، فقد كتبت في 26 مايو (أيار) الماضي: «السعودية.. لا تسيسوا قيادة المرأة للسيارة»، مؤيدا لقيادة المرأة، لكن محذرا من تسييس القضية، لكي لا تتلكأ مرة أخرى، مثلما حدث من قبل يوم تحولت معركة تيارات في السعودية. وللأسف، يبدو أن هذا هو الحاصل الآن، لأن القضية سيست بشكل مجحف، ولذا، فإن كثيرا من السيدات السعوديات العاقلات تجنبن الخوض فيها. كيف لا، وقد قرأنا أن 10 آلاف رسالة أرسلت تطالب وزيرة الخارجية الأميركية بالتدخل، لنكتشف أن معظم المرسلين أميركيون، وعبر موقع أميركي؟ فهل بعد ذلك تسطيح؟! نقول تسطيح لأن القضية ليست أولوية ملحة الآن، رغم أنها مطلب مشروع، وأقره، لكن هناك قضايا للمرأة بالسعودية أكثر إلحاحا.. وتسطيح لأن أسلوب المعالجة كان خاطئا ومبالغا فيه، ونفر منه حتى العقلاء الذين يدركون الأولويات، ويخشون العواقب! لذا، فإن تعجب الكاتبة الأميركية يدل على نقص معرفة بمجتمعاتنا، وقائمة أولوياتها، كما يدل على أن الإعلام الجديد بات يكتسي طابع التطرف أحيانا، والبروباغندا كثيرا، ويتشابه مع الإعلام الرسمي الذي يتطرف بالنفي، بينما الإعلام الجديد يتطرف بالتأجيج. ولي مع هذا الأمر تجارب، خصوصا من بعض المدونين العرب في الصحف الغربية، فهذه كاتبة من جنسية عربية كتبت على موقع صحيفة بريطانية عن قيادة المرأة للسيارة في السعودية، تقول بأن مقالي، المشار إليه أعلاه، كان «اعتذاريا»، بتجن واضح على ما كتبت، فما رأي هؤلاء اليوم؟ بكل تأكيد إنهم إما متعجبون مثل الكاتبة الأميركية، أو محبطون، والسبب يعود لقلة المعرفة بمجتمعاتنا، التي يتصور البعض أنها متشابهة، وهذا غير صحيح. المصدر الشرق الاوسط