قبل يومين تداخلت سيدة تدعي أنها ناشطة اجتماعية في برنامج الثامنة مع داوود، مداخلة أعتقد أن فيها من الغرابة الشيء الكثير، السيدة المتداخلة تجاهلت الموضوع الرئيس للحلقة وهو النقل العام في السعودية، وذهبت إلى أن المشكلة الأساسية في هذا الموضوع الهام هي عدم السماح للمرأة بقيادة السيارة. بصراحة وقفت متعجباً أمام هذا التسطيح للقضايا، فقضية مهمة مثل أزمة النقل في السعودية الذي يخدم الصغير قبل الكبير، والسعودي قبل الأجنبي، والرجل والمرأة بنفس الدرجة، حلها فقط في السماح للمرأة بقيادة السيارة، وكأن الدول المتقدمة في مجال النقل سمحت للنساء بالقيادة وتوقفت عندهم القطارات والمترو والباصات، وكأننا عندما نسمح للمرأة بقيادة السيارة، ستنتهي أزمة النقل وتصبح أمراً منسياً. إن قضية قيادة المرأة للسيارة حق مشروع أن تطالب به السيدات السعوديات، ولكن لي عنق الحقيقة، وإدخال هذا الموضوع في كل شاردة وواردة، سيصغر من كِبر القضية وسيجعلها سطحية، بل إن القضية الأهم تتمثل في عدم قناعة حتى من يتحمسون للقيادة بوجود من يدخل هذه القضية في كل صغيرة وواردة. ما زلت مؤمناً أن آفة أي قضية هم ممثلوها، وحتى أكون أكثر صراحة فإن من ينهي أي قضية مهمة ويسطحها هم الأشخاص السطحيون غير الواعين بأهمية ما يطرحونه، وعدم وجود معيار واضح جعل (من هب ودب) يتبنى قضايا المجتمع ، رغم وجود الأكفأ والأفضل والأكثر علماً وإقناعاً وقدرة على الدفاع عن موقفه. أعود هنا للقضية الأهم وهي النقل العام، فالمشكلة من وجهة نظر خاصة هي أنه لا وجود لِبنية تحتية تدعم أي توجه لإنشاء شبكة نقل عام حقيقية، ويضاف للبنية عدم التخطيط للمدن خصوصاً أن هذا الأمر مازال دون المأمول بل على العكس أضحى الانفجار السكاني يصعَّب وجود قنوات نقل جيدة، مما يعني أن المشروع بأكمله قد يذهب إلى النسيان. إن المتتبع للتخطيط في مشروع النقل يجد أن جميع المشروعات توضع بعد تخطيط المدن، ومثال ذلك قطار الحرمين الذي سيضطر القائمون عليه إلى تقديم مليارات الريالات كتعويض لأصحاب المباني التي سيتم هدمها بينما كان الأوفر اقتصادياً أن يتم التفكير بالقطار أثناء تخطيط أحياء شرق الخط السريع في جدة، لا أن يأتي بعدها. إنني أحلم مثلي مثل أي مواطن بأن أجد وسائل نقل حديثة، أستقلها في أي مدينة، لا أن أنتظر مافيا الليموزينات التي خلفت البؤس لراكبيها.