كتب اثنان من الزملاء مقالين حول موقف الغرب من فهم قضية المرأة وقيادتها السيارة. أحدهما يستغرب من فهم كاتبة أميركية في ال»واشنطن بوست» وحماستها لأن تقود المرأة السعودية السيارة، ويتندر على جهل الكاتبة بالواقع السعودي الذي لا تمثل فيه قيادةُ المرأةِ السيارةَ أولويةً، ويصرّ على تسطيح هذه القضية ولو بمعلومات خاطئة مثل أن عدد اللاتي خرجن في 17 حزيران (يونيو) أقل من عدد اللاتي خرجن في عام 90. تفاصيل كثيرة لا يتسع المقال للرد عليها، لكنه في الأخير يحمد للسعوديات عدم مشاركتهن في الخطاب الذي وجهته 10 آلاف سيدة للسيدة كلينتون لأن هذا يعمل على «تسييس» القضية ويوقِع من يشارك فيه من السعوديات في الخيانة الوطنية، ويلمح في النهاية إلى وجه شبه بين حملة النساء الإلكترونية وحملات مشبوهة مثل ثورة حنين. أما الزميل الآخر فيبدو احتوى معلومة خاطئة تعجَّل في تمريرها لتخوين 10 آلاف سيدة سعودية زعم أنهنَّ وراء ذلك الخطاب الذي بعث للسيدة كلينتون لتناصر حق المرأة السعودية في قيادتها السيارة. لا أظن أن ذلك الكاتب عاجزٌ عن الاطلاع على الموقع الذي نشر خطاب مناشدة السيدة هيلاري كلينتون، ليعرف أن ال10 آلاف سيدة هنَّ نساء من كل أنحاء العالم ولسن من السعودية، وجهن نداء للسيدة كلينتون لا إلى موقعها السياسي بل إلى موقعها الشخصي والنسوي، كونها امرأة مثلهن وصاحبة قرار، ولو كنَّ هؤلاء النساء يردن الاستعانة بالحكومة الأميركية لوجهنَّ الخطاب للرجل الأول فيها الرئيس أوباما، وليس لشخصية جوهر عملها هو الديبلوماسية. ولو سمع الزميلُ خطاب وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون جيداً لعرف وهي الديبلوماسية الحذرة - وقيل إنها تحدثت مع وزير الخارجية السعودي قبل أن تلقيه - قد قالت «إنني لا أتحدث باسم الحكومة الأميركية، بل أعبر عن شخصي ومن موقعي كامرأة»، ثم أكدت أن رغبة قيادة المرأة سيارتَها هي رغبة داخلية صرفة تخص النساء السعوديات وحدهن، وأن خطابها هذا لا يعتبر تدخلاً في شؤون بلادهن إنما هي تدعم وتقف مع مطالبتهن بهذا الحق. ما أستغربه أن يقف زميلان، من منطلق وجودهما في منبر إعلامي ذي مسؤولية تتعلق بالحقيقة ونشرها، ويستخدما لغة التخوين تجاه حق طبيعي تقف وراءه مواطنات يلتزمن التزاماً كاملاً بجميع القوانين، ويسلكن المسالك النظامية المتاحة التي لم تجدِ نفعاً حتى الآن، ويوغلان في تقريعهن، ويغيرا الحقائق المقدمة للناس، وليت المسألة التي -لو افترضناها جهلاً غير متعمد- كانت لهدف نبيل، بل ما كان واضحاً أنهما سنَّا أقلامهما من أجل تسفيه وتخوين مواطنات سعوديات، ولماذا؟ لأنهن طالبن بقيادة سيارة، واتهماهنَّ بأنهن يتخذنَ من الغرب عوناً على حكومتهن. وبمناسبة تهم التخوين التي لا تخرج إلا عند مطالبة الناس بحقوقهم أتمنى من الزميلين وهما مطّلعان على مجريات الأمور السياسية والعربية أن يبينا لنا متى يكون التعاون مع الغرب جريمة ومتى يكون فضيلة؟ لا سيما أن بعض العرب مازالوا يعيشون على المساعدات والمشاورات والتبادلات مع دول الغرب.