في ندوة عن "الغرب والاسلاموفوبيا" عقدت يوم الخميس الماضي في الرياض، ضمن الفعاليات الثقافية للمهرجان الوطني للتراث والثقافة السعودي "الجنادرية" أدليت برأيي حول الموضوع بمداخلة قلت فيها ان الفكر المتشدد الذي ساد العالم العربي والاسلامي منذ مطلع ثمانينات القرن الماضي- باسم الصحوة الاسلامية – هو الذي خلق التطرف الاسلامي، خصوصا التطرف الجهادي الذي وجد في افغانستان قاعدة له بدأت بمحاربة التواجد السوفياتي، وانتهى كإرهاب يحارب العالم.
هذا الفكر والتطرف الذي ولّد الارهاب، هو الذي يسيء للإسلام ويعطي للغرب الحجج والاسباب لما صار يعرف برهاب الإسلام "الاسلاموفوبيا ".
يجد المحافظون المتطرفون في الولاياتالمتحدة والغرب في هذا التطرف مبررات لتطرفهم المقابل ضدنا وضد الاسلام. فالمتطرف، خصوصا صاحب المصلحة، يريد تطرفا مضادا يبرر تطرفه، ولذا لا استبعد ان المتطرفين في الولاياتالمتحدة يسعون (ان لم نقل يخلقون) الى تغذية التطرف الديني والجهادي وحتى السياسي في عالمنا العربي والاسلامي.
فالمتطرفون العسكريون الاميركيون قاموا بمجزرة الفلوجة في العراق عام 2006، وهم الذين كانوا يمارسون ابشع انواع التعذيب في سجن ابو غريب، وهم – أي العسكريون المتطرفون- منْ سرب لوسائل الاعلام الاميركية صور المجزرة والتعذيب، من اجل ان يستثيروا العرب والمسلمين ويستثيروا رجال تنظيم القاعدة في العراق، وليعطوا مبررا لابي مصعب الزرقاوي وأمثاله ليمارسوا قتلهم الجماعي وتفجيراتهم الانتحارية في العراق.
وللأسف، ننساق نحن في العالم الاسلامي وراء هذه الهجمة المتطرفة على الإسلام والتي تربط الارهاب بالدين الحنيف وتصبح مهمتنا تبرئة الإسلام، بل وتبرئة انفسنا من الارهاب، قبل ان ننتبه الى انه من الأولى ان نعالج الخلل عندنا، والخلل هو في الفكر المتشدد الذي يخلق التطرف.
ثمة ممارسات يقوم بها اتباع الفكر المتشدد من المتطرفين تسيء الينا كمسلمين وتخلق لدينا نوعا من الفوبيا قبل ان تخلق فوبيا ضد الاسلام في الغرب.
لعل أخر أمثلة هذا التطرف هي تلك التظاهرات لاصحاب التيار السلفي في الاردن وتصرفاتهم الجاهلية يالتصدي لرجال الامن بالسيوف. وقبل ذلك ما قام به اصحاب التيار السلفي في مصر، بعد نجاح الثورة هناك، من مهاجمة الاضرحة والمسيحيين، وكذلك تسرب عناصر من تنظيم القاعدة في المغرب العربي الى ليبيا للانضمام الى الثوار هناك ولسرقة الاسلحة وتهريبها الى اوكارهم في صحراء شمال افريقيا.
ففي الاردن لا نرى اعتصامات التيار السلفي واعتداءاته على رجال الامن إلا اساءات لوقفات الاحتجاج الوطنية المطالبة بالاصلاح. وفي مصر لا نرى تصرفات السلفيين هناك إلا لإثارة مخاوف الناس من نتائج اعظم ثورة شعبية عربية. وبالطبع لا يمكن النظر إلى تسلل بعض اعضاء تنظيم القاعدة إلى ليبيا إلا بما يجعل الغرب مترددا في دعم ثوار ليبيا وجعل ديكتاتور ليبيا معمر القذافي يصرح بانه يحارب رجال تنظيم القاعدة وانه اذا سقط نظامه فان ليبيا ستتحول الى قاعدة لتنظيم القاعدة.
ثمة مبالغة في العالم الاسلامي في الحديث كثيرا عن "الاسلاموفوبيا "في الغرب، وان هذا يصعد مشاعر العداء للغرب، وهو امر يعطي المبرر للمتطرفين لمحاربة الآخر. لا شك أن أحدا لا يستطيع ان ينكر ان ثمة انواع من العداء السياسي الغربي لعالمنا العربي. ولكن العداء والصراع السياسي امر اهون كثيرا من تأجيج العداء الديني المتطرف.
اعتقد ان التصدي ل"الاسلاموفوبيا" في الغرب يكون بابراز عدالة ووسطية ديننا الاسلامي الحنيف، وليس بإثارة نقاط الخلاف والعداء مع الأخر في الغرب وغير الغرب.
وفي النهاية اعتقد انه في الوقت الذي يشهد فيه عالمنا العربي متغيرات هامة، حيث يخرج المواطن العربي في غير دولة مطالبا بحقوقه التي سلبها منه حكامهم وانظمتهم القمعية، كان من الاولى لندوة فكرية وثقافية مثل هذه ان تبحث في المتغيرات ومستقبل العالم العربي على ضوء تلك المتغيرات والتي ستعطي او لا تعطي الشرعية لبعض انظمتنا العربية.
ومهرجان "الجنادرية"، وهو مهرجان للتراث والثقافة الذي يجري في السعودية سنويا ومنذ 26 عاما وينظمه الحرس الوطني السعودي هو الملتقى السنوي للمفكرين والادباء والاعلاميين العرب. كان من وراء فكرته الاديب والمفكر السعودي الراحل الشيخ الجليل عبدالعزيز التويجري الذي كان من اهم مستشاري العاهل السعودي الملك عبد الله بن عبد العزيز منذ ان كان رئيسا للحرس الوطني ثم وليا للعهد فملكا.
لكن الفعاليات الثقافية المصاحبة للمهرجان بدت هذا العام من دون جمهور، بل واصبحت هذه الندوات، ومنذ عامين، للنخبة من المعنيين، تعقد بعيدا عن الاهتمام الثقافي الجماهيري، والذي كان يجعل مئات السعوديين يتشوقون لحضور محاضراته وندواته.
حتى ان المدعويين للمهرجان من المفكرين والادباء والاعلاميين العرب اصبحوا قلة، ولم تعد اروقة المهرجان تشهد تلك الجلسات واللقاءات بين هؤلاء ومحبيهم والمعجبين بهم.
ويجب على ادارة المهرجان ان تبحث عن الاسباب التي قادت إلى هذا التراجع في الجمهور وفي الحضور من الضيوف العرب والعمل على تجديد دماء هذه الفعاليات التي لا يبخل راعي المهرجان ومنظمه - واقصد الحرس الوطني - عليها بالعطاء.