لانهضة إلا بالصناعة ” الصناعة روح الاقتصاد “ البروفيسور / محمد احمد بصنوي
في هذه المرحلة التي تسعى فيها المملكة للحاق بركب الدول المتقدمة من خلال التنمية وتنويع مصادر الداخل، فإن الصناعة هي روح الاقتصاد، ولن يكون هناك اقتصاد بلا صناعة، وتظل هي الخيار الأمثل والاستراتيجي لتحقيق هذا الهدف، خاصة أنها تتميز بتوفير فرص عمل ذات دخل مرتفع، على خلاف غيرها من القطاعات التي توفر فرص عمل بدخل لا يناسب إلا العمالة الوافدة، ولكن للأسف الصناعة في بلادنا تواجه الكثير من التحديات والمعوقات التي تقف أمام انطلاقها. ومن أبرز هذه التحديات والمعوقات التي تواجه الصناعة الروتين الحكومي والإجراءات التعسفية التي أدت إلى هجرة بعض الصناعات إلى الخارج، وترك الباب مفتوحا على مصراعيه أمام المنتجات المستوردة دون وضع إجراءات لحماية المنتج المحلي، وتنوع الجهات المرتبطة بالصناعة وكثرة تداخلاتها وتدخلها، وارتفاع تكلفة المنتج المحلي عن مثيله المستورد فضلا عن قلة جودته، وهذا يرجع لقدم التقنيات المستخدمة محليا في إنتاج السلع، واتباع بعض الدول لسياسة الإغراق من خلال دعمها لبعض المنتجات حتى تباع بقيمة أقل من قيمتها الحقيقية لتصبح غير قابلة للمنافسة، وبالتالي يتم تدمير الصناعة الوطنية، والاستحواذ على السوق من قبل الدولة التي تتبع هذه السياسة. ولك أن تعلم أن مصنعي الحديد في المملكة اشتكوا من اتباع الصين سياسة الإغراق للحديد، حيث يباع في بلادنا بأسعار أقل من موطنه الأصلي في الصين بنسبة تتراوح ما بين 40 – 60% وفقا لصحيفة الاقتصادية، ومؤخرا اشتعلت حرب الإغراق الصينية الأوروبية، ففي الوقت الذي أعلن فيه الاتحاد الأوروبي فرض رسوم إغراق على الحديد الصيني بنسبة تتراوح ما بين 18.4 – 22.5% لمدة 5 سنوات لحماية صناعة الصلب الأوروبية من الانهيار، قامت الصين بفرض رسوم إغراق على منتجات الفولاذ الأوروبية التي تستخدم في المحولات والمحركات الكهربائية، بنسبة تتراوح ما بين 37% و46.3%. وعلى رأس معوقات الصناعة الأمور المتناقضة الحاصلة، فعلى سبيل المثال كيف لنا أن نطالب بجذب المستثمرين الأجانب من الخارج، في حين أن المستثمرين من المواطنين يهاجرون بسبب البيروقراطية والروتين القاتل، كيف نجلب الشركات الخارجية ونسلم إليها مشاريع بالمليارات ومنها التعدين، ونحن لم نؤهل وندرب شبابنا لهذا العمل، وتأتي الشركات بعمالتها وتأخذ الخيرات كلها، ولا يستفيد أبناؤنا، لماذا لا تقام المصانع لتحمي البلاد من الاستهلاك الذي تجاوز ال95% من الخارج، لماذا ينظر إلى الصناعة على أنها مكمل اقتصادي، وليست هي روح الاقتصاد كما هي في دول العالم أجمع وهذه سنة الله في الأرض، كيف نتحدث على تطوير الاقتصاد ولا نُعلِم وندرب الفنيين بما يتناسب مع احتياجات المصانع وننهي البيروقراطية والروتين الذي آذى الاقتصاد والعباد. بالطبع الصورة ليست سوداوية، فلم نصل إلى نفق مسدود، فإيجاد حلول لمعوقات الصناعة أمر ممكن من خلال اللقاءات المباشرة بين المسؤولين وأصحاب المصانع لإعداد تصور شامل لتطوير القطاع الصناعي، وإعادة هيكلة الاقتصاد من نافذة الصناعة، وإنشاء دورات مجانية لأصحاب المصانع عن كيفية تطوير الاستراتيجيات التصنيعية، واستغلال العلاقات التجارية والاقتصادية بين المملكة والعديد من دول العالم للمساهمة في نقل الخبرات التكنولوجية اللازمة لتنمية القطاع الصناعي الوطني، وإعطاء أولوية لاستخدام التكنولوجيا الصناعية الحديثة لضمان تقليل تكاليف الإنتاج وزيادة الجودة، (وإنشاء مرجعية موحدة لحل جميع مشاكل الصناعة والتصدير). والسؤال الذي يطرح نفسه الآن ماذا سيحدث إذا قمنا بإزالة المعوقات والتحديات التي تواجه الصناعة؟ سأرد على هذا السؤال من خلال الواقع العملي حتى أبعد عن النظريات التي قد يصفها البعض بالكلام الإنشائي البعيد عن الواقع، ولذلك سأستشهد بتجربة دولة فيتنام التي وصفت بالمعجزة، حيث تمكنت من التحول من الفقر إلى عالم الحداثة خلال أقل من 15 عاما لتكون بذلك الأسرع في تحقيق التقدم الاقتصادي والصناعي بين النمور الآسيوية بما فيها الصين. جاءت نقطة انطلاق فيتنام إلى التقدم والازدهار بتبني خطة إصلاحات واسعة أطلق عليها خطة «DoiMoi» أزالت بمقتضاها كل المعوقات أمام تدفق الاستثمارات الأجنبية المباشرة والتجارة، ويسرت إجراءات بدء أي نشاط صناعي أمام المستثمرين بصورة أكبر من المعمول بها في الصينوالهند، وأصبح من السهل للغاية تأسيس الشركات الخاصة، وفتحت القطاعات الاقتصادية على مصاريعها أمام أي نشاط صناعي، وهكذا تحولت فيتنام بصورة مذهلة إلى ما وصفها الخبراء بال»مغناطيس» الذي يجذب الاستثمارات الأجنبية، وتدفقت الشركات من اليابان والولايات المتحدة، حتى هونج كونج وتايوان عملا على تأسيس مصانع لها وتشييد فروع في هذه البلاد الواعدة. ولك أن تعلم أن القطاع الزراعي كان يساهم بأكثر من 60% من اقتصاد فيتنام في 1990، ولكن خلال الأعوام ال15 الأولى من خطة الإصلاح تراجعت حصة الزراعة ل20%، وكما تقول مجلة «الإيكونيميست»، فإن مثل هذا التحول استغرق في الصين 29 عاما، وفى الهند 41 عاما، وتشير العديد من الدراسات إلى أن فيتنام خلال العقود الثلاثة الأخيرة كانت أهم مقصد للمستثمرين الأجانب، بعد الصين والبرازيل والهند وروسيا، ففي عام 2003 على سبيل المثال كان حجم الاستثمارات الأجنبية نحو 3.2 مليارات دولار فقط، قفز في عام 2008 إلى 71.7 مليار دولار، ويقدره الخبراء في عام 2016 بنحو 103.24 مليارات دولار. وأخيرا يجب علينا أن نأخذ بأسباب التقدم إذا أردنا أن نلحق بركب الدول المتقدمة، ولذلك علينا الاهتمام أولا وثانيا بالصناعة، فكما أن الإنسان لا يتنفس إلا الهواء فكذلك الاقتصاد لا ينهض إلا بالصناعة.