أكد عدد من المثقفين والأدباء والإعلاميين على أهمية ملتقى (الثقافة والإعلام .. توافق .. تضاد .. تكامل ) الذي ينظمه نادي مكة الثقافي الأدبي خلال الفترة من الخامس حتى السابع من شهر صفر للعام الهجري الجاري. وأشاروا إلى أن الملتقى ينبع من إهتمام النادي كمؤسسة ثقافية مجتعمية بالحراك الإعلامي الثقافي في المجتمع وعدم إنعزاله عنه مما سيجعل الملتقى أكثر جذبا وإهتمام لكافة شرائح المجتمع . وشدد المشاركون في الملتقى على أن أوراق عملهم راعت كافة الجوانب المطروحة في المحاور ، مؤكدين على أنهم اهتموا بالجانب التطبيقي والعملي إضافة للنظري أخذين في الاعتبار التحولات الاجتماعية في المجتمع وكيفية التعامل معها بالشكل الأمثل . ويشير الأستاذ بكلية الآداب في جامعة عين شمس ووكيل اللغة العربية بجامعة أم القرى الدكتور طارق شلبي إلى أن المؤسسات الثقافية تتهم دائما بالانعزال عن الواقع، والاهتمام بقضايا لا تشغل إلا المتخصصين وحدهم؛ مما أدى إلى عزلة هذه المؤسسات، وعزوف المثقفين عن متابعة انشطتها. وأضاف " أزعم أن نادي مكة الثقافي قد واجه هذا الجانب السلبي حين أراد أن يكون ملتقاه السنوي الخامس ملتحمًا بالواقع، منصبًّا على قضايا مهمة لا تشغل المتخصصين وحدهم بل تمثل بحق تساؤلات ملحة لجموع المنشغلين بالشأن الثقافي". وقال " جمعت محاور المتلقي – بذكاء – بين مساءلة اللحظة الراهنة واستشراف المستقبل وتحري تأثيرات الماضي والتماس مقومات النهوض، والاهتمام الواعي بالشأن المحلي رصدًا وتقييمًا وانفتاح على آفاق العالمي تتبعًا لشواغله واهتماماته". وأكد شلبي على أن الملتقى يرصد منابع التأثير الثقافي المحلي من أندية أدبية، ودور ثقافية، وصحافة وتليفزيون وإذاعة، ويواجه بالرصد والمساءلة أثر الإعلام الجديد في تشكيل الوعي المجتمعي ومستجدات التهديدات التي صاحبت هذا الإعلام الجديد. واستدرك بقوله " ولم يغفل الملتقي ما شهده عصرنا المعيش من تطور في تقنيات الاتصال، وما نتج عنها من ظهور أشكال جديدة للإعلام والتثقيف والحصول على المعلومة، ومن ذلك الصحافة الالكترونية ومواقع التواصل الاجتماعي". وأضاف " إن كثيرًا من الدارسين يقعون في تناقض معيب، حين تجدهم يترفعون عن الالتفات إلى هذه المستجدات التي واكبت تطور تقنيات الاتصال، بدعوى فوضويتها وعدم تبلورها في أنساق محددة في الوقت الذي يقومون فيه هم أنفسهم بالتواصل معها والإفادة منها!، وكانت النتيجة أن ترك الدارسون – أصحاب أدوات الرصد والتحليل والدرس – الساحة خالية لأن تُحْدث هذه المستجدات تأثيرها السلبي منه والإيجابي بلا ضوابط ينتظر المجتمع تحديدها على يد هؤلاء الدارسين". وأبدى شلبي سعادته بالملتقى الذي التفت لمثل هذه الموضوعات، وقال " أرجو أن يكون بداية لملتقيات وندوات ومؤتمرات أخرى تنظمها المؤسسات الثقافية بالمملكة وخارجها، حتى لا تنقطع صلة الثقافة العربية بالشواغل العالمية بما فيها من مستجدات وما ينتج عنها من تأثيرات". وحيا القائمين على النادي على ذكاء اختيار الموضوع والمحاور، وكذا على هذا التنظيم المحكم في التواصل مع الباحثين الذين حرصوا على المشاركة. وقت مهم أما الباحث والكاتب الدكتور زيد الفضيل الذي يشارك في الملتقى بورقة عمل فقال " يأتي الملتقى الخامس لنادي مكة الثقافي والأدبي الذي جعل من موضوع الثقافة والإعلام عنوانا له ، في وقت مهم على الصعيد المحلي والعربي ، فالثقافة والإعلام شيئان متلازمان لأي مجتمع يرغب في التقدم والنهوض ، فإذا سار أحدهما بمنأى عن الآخر عاش المجتمع في حالة كسيحة متردية ". وأضاف " الثقافة تعد بمثابة العقل ، والإعلام بمثابة أطراف الحركة للجسم ، فكيف بجسم يتحرك ولا عقل له ، وكيف لعقل أن ينطلق ولا أطراف له ، ذلك كان رأي والدي لي في أحد نقاشاتي معه ، وهو ما أحب أن أشدد عليه اليوم ". وأشاد الفضيل باختيار القائمين على الملتقى لهذا المحور ليكون موضوعا للنقاش ، لاسيما وأنهم قد فصلوا موضوعات النقاش فيه بين ثلاث أسئلة وجودية في مضمونها الفلسفي ، وهي : هل العلاقة بينهما قائمة على التوافق أم التضاد أم التكامل؟ ولعمري أن الإجابة على ذلك بشيء من التحليل والتعمق سيشكل مادة لكثير من الأطروحات المستقبلية الجادة . وزاد الفضيل " الجميل في الأمر أن محاور اللقاء قد تعددت لتتسع أفاقها بشكل أفقي ، بحيث تشمل جانبا كبيرا من الخريطة الثقافية السعودية المعاشة ، فجاء المحور الأول ليناقش موضوع مكونات الثقافة السعودية وأدواتها المؤسسية كالأندية الأدبية والجمعية السعودية للثقافة والفنون ، فيما جاء المحور الثاني ليسلط الضوء على آليات تطور الإعلام السعودي على مستوى الصحافة الورقية والإعلام المسموع والمرئي ، ولم يغفل المحور الثالث مناقشة دور الإعلام الجديد وأثره اليوم على الساحة الثقافية إن سلبا أم إيجابا ، وفي المحور الرابع حرص الملتقى على بيان طبيعة العلاقة بين المؤسسات الثقافية والإعلامية من حيث التأثير والتأثر، مشددا على أن المحور الثالث سيمثل الخلاصة الموضوعية للملتقى من حيث المظهر والمضمون . استثمار الحالة وترى الكاتبة والإعلامية سكينة المشيخص أن ملتقى مكة جزء من استثمار الحالة الثقافية الراهنة في تطوير الوعي وخلق علاقة أكثر حيوية بين الثقافة والإعلام خاصة في ظل بروز الدور المحوري للإعلام البديل، وذلك مما يكسب الملتقى أهمية مضاعفة في مواكبة تطورات المرحلة الثقافية واكتشاف أفق جديد للاستفادة من العملية التفاعلية في مواقع الشبكات الاجتماعية والوسائط التقنية الاتصالية. وأضافت " مع ظهور ما أصبح يعرف بالمواطن الصحفي فإن مسألة الوعي تتخذ منحى أكثر جدية وسرعة ما يتطلب مزيدا من العمل لبلورة واقع علمي يستوعب هذه الفكرة العصرية، حتى لا تفقد الثقافة قدرتها الضابطة على المسار الثقافي الذي يتخذ من الإعلام وسيلة لنقل المعرفة، وفي حال فقدان ذلك تضطرب البوصلة المعرفية، لأنه بدون علاقة متوازنة بين الثقافة والإعلام يحدث تفكيك للجزيئات المعرفية وتسود حالة من العشوائية والارتباك في الوسطين الثقافي والإعلامي". وأكدت المشيخص على أهمية دراسة التحولات الاجتماعية وتوجيه خطاب إعلامي ثقافي مشترك يشخص المتغيرات ويدرس التطورات بعناية، لأن التفاعل الاجتماعي يحتمل كثيرا من المعطيات التي يجب التعامل معها في سياقات علمية منهجية تصوغ خطابا متزنا ومناسبا للمرحلة. وقالت " طالما هناك عملية تفاعلية بمعزل عن المؤسسات الثقافية والإعلامية فإنها بالضرورة تنتج شكلا مغايرا للسائد وقد تحدث تحولات لا يمكن توقعها، وذلك جوهر أي عملية اتصال في مساراتها العلمية المعروفة، وليس سهلا أن يتشكل وعي اجتماعي أو حتى فردي بمعزل عن المؤسسات والنخبة الفكرية". وأضافت " من المهم والضروري أن يكون الملتقى بوتقة لتأطير الحالة الثقافية في ظل ما تعيشه وتشهده من حراك، ومن ثم توظيفها بصورة صحيحة فيما يخدم العملية الثقافية التي يرتكز عليها البناء الحضاري بأكمله، فغاية أي نشاط ثقافي وإعلامي هو انتاج وعي، وحين يحدث ذلك دون ضوابط أو في حالة انفلات فمن الصعب على النخبة أن تسيطر على الوضع فيما بعد، لأنها تكون قد فرطت في أحد أهم أدواتها وطرائقها من أجل قيادة الرأي العام والمساهمة في تشكيله وصياغة خطابه الفكري والثقافي والاجتماعي. تطور نوعي ويتفق عضو هيئة التدريس في جامعة تبوك الدكتور محمد عبيد مع أراء ن سبقوه في أن فكرة الملتقى جديدة – إلى حد كبير- من حيث الموضوع ، وقال "الغالب على الأندية الأدبية في لفترات السابقة اهتمامها بمحاور أدبية أو لغوية ، باستثناء نادي القصيم – على حد علمي – الذي خصص في العام لماضي موضوعا عن التحولات الثقافية في المملكة العربية السعودية ". وأضاف " في هذا العام – أيضا- يخرج نادي مكة الأدبي عن لدائرة الضيقة ويعنون لملتقاه ب( الثقافة والإعلام .. توافق ، تضاد، تكامل ) ، وهو في الحقيقة تطور نوعي حيث إنه يخدم قطاعات عديدة لها اهتمام بالثقافة والإعلام واللغة والأدب والنقد ". ويؤكد عبيد على أن محاور الملتقى جاءت منسجمة ومتسقة مع التغيرات الثقافية التي نشهدها من حولنا ، وفي ظني أن المحاور قد غطت الكثير من قضايا المشهد الثقافي حيث تناولت الأندية الأدبية وجمعيات الثقافة والفنون ، والإعلام المقروء والمسموع والمرئي، وربما كان الحديث عن أنظمة الرقابة وجرائم المعلومات الإلكترونية من الموضوعات التي تطرح لأول مرة في ملتقى من الملتقيات التي تعدها الأندية الأدبية . وشدد عبيد على أن الملتقى بمحاوره المعلن عنها يحاول خلق صورة متكاملة للثقافة والإعلام في المملكة العربية السعودية ، ولكن الأهم من محاور المؤتمر – وهي مهمة في ذاتها- محاولة تطبيقها على أرض الواقع وتفعيلها بشكل عملي من خلال عقد ورش عمل تخرج بنتائج قابلة للقياس والإفادة منها بشكل إيجابي، ويمكن أن يتحقق ذلك من خلال التواصل الكامل بين الهيئات المعنية بموضوع الملتقى . التواصل الاجتماعي ورفع رئيس الإعلام الجديد في وكالة الانباء السعودية إبراهيم الروساء الشكر والتقدير لنادي مكة الثقافي الأدبي تبنيه فكرة إقامة ملتقى عميق المعنى غزير الجدوى تحت مسمى ( الثقافة والإعلام .. توافق .. تضاد .. تكامل )، وأضاف " هي فرصة لإلقاء الضوء على التجارب الثقافة والإعلامية في قنوات جديدة ذات صبغة متجددة ومتطورة كل يوم كالتالي نلحظها في مواقع التواصل الاجتماعي". ولفت الروساء إلى أن الملتقى سيسهم في رصد المبادرات الاجتماعية في تويتر عن طريق حسابات توعوية أو وسوم تهدف لإثراء المحتوى الرقمي في منصة تويتر سواء كانت من جهات رسمية أو مؤسسات المجتمع المدني أو مبادرات فردية. وأشار إلى ان الملتقى سيسهم في رصد المبادرات الاجتماعية في موقعي يوتيوب وكييك وتأثيرها في المتلقين ، والتجربة الاجتماعية في منصات الصور مثل أنستقرام وفليك ، بالإضافة إلى رصد التجارب الاجتماعية والواقعية التي تهدف لبث الوعي وزيادة الثقافة المعرفية لدى المجتمع في منصات التواصل الاجتماعية في كل من تويتر وفيس بوك ويوتيوب وكييك وأنستقرام ولينكد إن وقوقل بلس. وأضاف الروساء مقدما لمحة عن دخول الاعلام الجديد في النسيج الثقافي لدى الملتقي السعودي قائلا " دخل الإعلام الجديد في النسيج الثقافي لدى المتلقي السعودي منذ وقت مبكر تقريبا إذا ما قيس ببداية نشوئها وبروزها عالميا". وأضاف " يمكن القول أن منتصف العام الميلادي 2006 م ، أخذت منصات التواصل مكانها وظهور ساحات رقمية اجتماعية لم يعدها المجتمع السعودي من قبل". وأبان أنه تزامن ذلك مع بداية الطفرة المعلوماتية في فيس بوك في شمال أفريقيا وبداية تعرّف المجتمع على هذه المنصات التي قادته تباعا للدخول فيها والتفاعل وصولا إلى تحقيق أرقام مذهلة في حجم التداول والتشارك. وزاد الروساء " المتابع للأرقام الصادرة من مؤسسات رسمية يتأكد أن المجتمع السعودي وصل إلى مرحلة متقدمة في مواقع مشهورة تجاوزت فيها معظم الدول المتقدمة مثل أمريكا وبريطانيا وفرنسا والصين ، إذ حققت المملكة المرتبة الأولى عالميا في موقع يوتيوب مشاركة وتعليقا ومحتوى والمرتبة العاشرة عالميا في التغريد وأثرت في زيادة المحتوى العربي بنسبة 53 % ، يضاف إلى ذلك شبكات اجتماعية أخرى مثل لينكد إن وقوقل بلس وأنستقرام". ويؤكد الروساء على ان الباحث يجد حملا ثقيلا نتيجة هذه الأرقام المذهلة التي يتحتم أن يترافق معها وعي مؤثر لضرورة الاستخدام الأمثل والصحيح والإيجابي لهذه المعطيات ، وكيفية تحويل المحتوى إلى منصات إيجابية منتجة ومثمرة. تغيرات الخطاب وأشاد الكاتب والاعلامي نايف كريري بوصول ملتقيات نادي مكة الأدبي إلى الملتقى الخامس بالرغم من تغير الإدارات وتغير الأشخاص إلاّ أن الجميع استطاع أن يحافظ على إقامة هذا الملتقى ويقدمه في كل بدورة بطابع يختلف عن الدورة التي سبقتها، ويجدد في المحاور والفعاليات. وأكد على أن الدورة الخامسة لهذا الملتقى خلال هذا العام القادم بلاشك أنها تلامس قضايا هامة في خطابنا الثقافي وتعكس مدى اهتمام المنظمين لكثير من التغيرات التي طالت هذا الخطاب وانعكست على المشهد الثقافي السعودي بشكل عام. وأبان أن الموضات التي طرحها النادي خلال هذه الدورة الخامسة استطاعت أن تجمع إن صح التعبير بين الأصالة والحداثة أو ما بعد الحداثة من خلال موضوعات ومحاور الملتقى الخامس فمحور الثقافة السعودية والإعلام السعودي كلها قضايا تبحث المراحل السابقة لتكوين هذا الإعلام وهذه الثقافة، فيما يناقش محور الإعلام الجديد أبرز ما وصل إليه الإعلام من تطور وتقدم بفضل هذا النوع، وهذا هو المزج أو الجمع الذي استطاع أن يقدمه النادي من خلال محاوره من خلال هذه الدورة، والتي من المتوقع أن تعكس الاوراق المشاركة فيها المأمول والمرجو من خلال الطرح والنقاش. واستدرك "لعل المحور الأخير الذي طرحه النادي خلال هذه الدورة من محاور هذا الملتقى عن العلاقة بين المؤسسات الثقافية والإعلام وخاصة الإعلام الثقافي فهي قضية حساسة ومناسبة للطرح مع هذه المحاور والموضوعات التي أشرنا إليها سابقاً، فمن خلال مراحل التأسيس الأولى لبدايات تأسيس وتشكل الثقافة السعودية بدأت أولى مراحل هذه العلاقة وبدايات تكوينها من خلال ظهور المؤسسات الثقافية، وتحول الإعلام السعودي من الحقل الفردي إلى المؤسسي، وهذا جانب يطرح البعد التاريخي لهذه العلاقة". وأضاف كريري " أما الجانب الآخر من هذه العلاقة فيجيب عن التساؤل القائم اليوم عن المؤسسة الثقافية بعد ظهور الإعلام الجديد، ومدى حاجتها للإعلام التقليدي أم ظهور مثل هذه المنافذ الإعلامية الجديدة قد توفر عليها كثير وتجعلها قائمة بنفسها دون الحاجة إلى وسيط إعلامي يوصل صوتها إلى الآخر. وختم بالقول "محاوره تعكس نظرة عن الواقع الثقافي والإعلامي الذي نعيشه، وهو ما أتمنى أن يُعكس على طاولة نقاش هذا الملتقى ومن خلال الأوراق والبحوث المقدمة من خلال".