أمّ المصلين معالي الشيخ الدكتور صالح بن حميد إمام وخطيب المسجد الحرام. واستفتح معاليه بالحمد لله وشكره والثناء عليه , ثم قال: أوصيكم أيها الناس ونفسي بتقوى الله , فاتقوا الله – رحمكم الله – أفلا مستيقظ من نومته؟ ألا منتبه من غفلته؟ ليس بعد الدنيا دار عمل , ولا عن الآخرة منتقل ولا مرتحل. يا عبدالله : إذا أسأت فأحسن , فليس شيء أشد طلباً , ولا أسرع دركا من حسنة حديثة لذنب قديم. وعلى قدر الهدف يكون السير , ففي طلب الرزق فامشوا , وللصلاة فاسعوا , وإلى الجنة سارعوا وسابقوا , وأمام إلى الله ففروا. أيها المسلمون : موضوع يحتاجه كل مسلم كما تحتاجه جميع الأمة في كل حين وآن ,وفي كل زمان ومكان , والحاجة إليها في أوقات الفتن أشد , وفي حال العوادي والمحن أعظم. هو كنز عظيم من وفق لكسبه , وأحسن توظيفه ,وأنفق فيها فقد غنم وسلم , ومن حرمه فقد حرم , ذلكم – عباد الله – أن المؤمنين وهم يتعرضون لأنواع الابتلاءات ويقابلون المواجهات مع أعداء الله لأحواج ما يكون إلى هذا الكنز العظيم , فالصراع بين الحق والباطل , والخير والشر و قائم في هذه الدنيا. هذا الكنز – حفظكم الله – هو الثبات وملازمة الاستقامة على الدين الحق , ولزوم التقوى والصراط المستقيم من غير عوج ولا انحراف , واجتناب صوارف الشيطان والهوى ونوازع النفس , مع مداومة الأوبة التوبة والاستغفار. وأن الثبات هو الانتصار , والانتصار هو الثبات , الثبات فوز , ونصر كبير حين تعلو النفوس على الخوف والتردد , وتتسامى على نوازع النفس والشهوة , وإرجاف المرجفين. ومن عجز عن نفسه فهو عما سواها أعجز , ومن أحكمها فهو على غيرها أحكام , وثبات القلب أصل ثبات القدم. يا معشر الأحبة : والثبات والتثبيت يكون القلب , والنفس , والعقل , واللسان , والاقدام , وفي الحياة الدنيا , وعند الممات , وفي القبر , والبرزخ , والآخرة , وفي يوم القيامة وعلى صراط , ويكون الثبات على الدين , والطاعة , والحق , الحجة , ومواطن القتال. كما يكون الثبات في فتن الشبهات , والشهوات , والمصائب والجاه , والمناصب , والمال , والأولاد , فهم المجبنة , المبخلة , المحزنة , ويكون الثبات في فتنة الظلم والاجتهاد , والطغيان , وفتن إقبال الدنيا, وإدبارها , والاستيحاش من الاستقامة , وتولي النعم على المقصرين , والرغبة في المتاع , والسلطان , والدعة , والاطمئنان. ويكون الثبات في فتنة النظر في أحوال ضعف الأمة وتفرقها , وإساءة الظن بأحوال الصالحين , ومواقف أهل العلم , والخير , والصلاح. وإن من أعظم الآفات – نسأل الله السلامة – القابلية للإرجاف والهزات , وكأن المسلم لا يحمل دينا حقاً ,مستقيماً كله ثوابت تنفي الزيف , وتحفظ النافع الزاكي. وليس أشد على نفس المؤمن من السماع للباطل المتقلب بين الأقوال , والآراء ينسى الحق الذي عرفه مقابل شبهة مرجفة بثها عدو, أو كلمة أطلقها مغرض , أو صورة بثها متصيد , فكم من كلمة قيلت , أو حديث نشر , فأقام , وأقعد , وأحدث في الناس اضطرابا , وأشاع بلبلات في همزة مفتاح حاسوب , او زر جوال ينقل بالمرء , أو يستقبل من الحق , والباطل والخير , والأوزار ما يجوب النظر والاعتبار. ومن أُيد بالعزم والثبات , فقد أُيد بالمعونة والتوفيق , وقد قال أهل الحكمة : "ان آفة الثبات الفوت , فمتى اقترن الثبات بالحزم والعزم نجا صاحبه بإذن الله , وتم لهم أمره. أيها المسلمون : يا أهل الثبات : لا بد من استشعار نعمة الإسلام , بل نعمة الاصطفاء , وان هذا الطريق قديم عتيق. فالثبات نعمة من الله عظيمة يهبها عبده فلا يزل في مواطن الزلل, و مواطن الشهوات والشبه , فمن مسه ضر في فتنة , أو ناله بأساء في ابتلاء , فليثبت , وليستيقن رحمة الله وعونه , وليثق بكشف الضراء وإيمانه بالعوض والجزاء. فاثبتوا – رحمكم الله – ولا يستخفنكم الذين لا يوقنون , وتثبتوا ولا تحملوا أوزاركم وأوزاراً من أوزاركم , وثبتوا الناس على الحق , وحسن الظن بالله , وحسن العاقبة , فهذا هو ميراث النبوة.