فى أول حديث له بعد شفائه من الوعكة الصحية التى ألمت به ، تحدث الشيخ محمد حسان عبر قناة الرحمة الفضائية عن الإبتلاء والفتن التى يتعرض لها المؤمن وسرد بعض منها وأوضح اثرها على المسلم ، حيث بدأ حديثه كالآتى: يقول الشيخ: الفتن التى يتعرض لها أهل الإيمان كثيرة ، من بينها أن يتعرض المؤمن للأذى والاضطهاد من الباطل وأهله ثم لا يجد النصير الذى يسانده ويدفع عنه الأذى ، ولا يملك لنفسه النصرة ولا يجد القوة التى يواجه بها الطغيان ، وهذه هى أبرز الصور التى تقفز للأذهان إذا ما ذكرت الفتن التى يتعرض لها أهل الإيمان وبالرغم من ذلك فإن هناك من الفتن التى يتعرض لها أهل الإيمان ما هو أمر وأدهى من ذلك نجد مثلا فتنه الأهل والأولاد والأحباء الذين يخشى أن يصيبهم الأذى بسببه ، وقد يهتفون به ويتوسلون إليه ، وينادونه باسم الحب والقرابة أن يسالم أو يستسلم في الوقت الذى لا يملك عنهم دفعاً وهذه من أشد الفتن، وقد تزداد الفتنة إذا وقع بهم الأذى والابتلاء أمام عينه وبين يديه وهو لا يستطيع أن يدفع عنهم أذى أو يرد عنهم سوء. وهناك فتنة أخرى خطيرة، إنها فتنة إقبال الدنيا على المبطلين والعاصين والمذنبين ورؤية الناس لهم ناجحين مرموقين تصفق لهم الجماهير، وتذلل لهم الصعاب، وتفتح لهم الأبواب وتهيئ لهم الأسباب، فى الوقت الذى يكون فيه المؤمن مُهملٌ منكر لا يحس به أحد ، ولا يدافع عنه أحد، ولا يشعر بقسيمة الحق الذى معه إلا القليلون من أمثاله الذين لا يمكلون من أمر الحياة شيئاً. وواصل الشيخ محمد حسان سرد أمثلة من الفتن التى قد يتعرض لها المؤمن : وهناك فتنة الغربة في هذا الدين، عندما يرى المؤمن معظم من يحيطون به غارقون في تيار الضلالة والشهوات والشبهات ، وهو وحده غريب . وهناك فتنة نراها بارزة في هذه الأيام ألا وهى أن المؤمن يجد أمماً ودولاً غارقة في الرذيلة والمعصية وبالرغم من ذلك فإنها راقية في مجتمعها متحضرة في حياتها ، ويجد الفرد فيها من الرعاية والحماية ما يليق به كإنسان. وهناك الفتنة الكبرى فتنه النفس والشهوة، وجاذبية الأرض والطين وصعوبة الاستقامة على صراط الله المستقيم كل هذه الفتن، فإذا طال الأمد وأبطأ نصر الله ، كانت الفتنة أشد وأقصى وكان الابتلاء أشد وأعنف ولن يثبت إلا من عصمه الله عز وجل . وأوضح لنا الشيخ حكمة المولى جل وعلا من هذه الفتن والابتلاءات التى يبتلى الله بها المؤمنين: والحكمة من كل هذه الفتن والابتلاءات التى يبتلى الله بها المؤمنين في الوقت الذى ينتشر فيه الظالمون ويبغى فيه المبطلون، بالتأكيد لا يريد الله أن يعذب المؤمنين بالابتلاء وأن يؤذيهم بالفتن كلا ،ولكن الإعداد الحقيقى لتحمل الأمانة الكبرى والمسئولية العظمى والعقيدة العليا التى هى في حاجة إلى إعداد خاص لا يتم إلا بالمعاناة ، وإلا بالاستعلاء الحقيقى على الشهوات، وإلا بالصبر الحقيقى على الآلام ، وإلا بالثقة الحقيقية في نصر الله أو ثوابه على الرغم من طول الفتنة وشدة الإبتلاء. فكما تفتن النار الذهب لتفصل بينه وبين العناصر الرخيصة العالقة به ، كذلك تصنع الفتن بالنفوس تصهرها فتنفى عنها الخبث، وحسب المؤمنين الذين تصيبهم الفتنة ، ويقع عليهم البلاء حسبهم أن يكونوا هم المختارين من الله ليكونوا أمناء على حق الله وعلى دين الله عز وجل ، وأن يشهد الله لهم بأن فى دينهم صلابه، وفى عقيدتهم قوة فهو سبحانه يختارهم للابتلاء فإنه كما قال المصطفى صلوات ربى عليه :" أشد الناس بلاءً الأنبياء، ثم الأمثل فالأمثل ، يُبتلى الرجلُ على حسب دينه ، فإن كان في دينه صلباً، اشتد بلاؤه، وإن كان في دينه رقةُ ابتلى على قدر دينه ، فما يبرح البلاء بالعبد حتى يتركه يمشي على الأرض وما عليه خطيئة". ويقول المصطفى ايضاً:"أشد الناس بلاءً الأنبياء، ثم الصالحون ، لقد كان أحدهم يبتلى بالفقر حتى ما يجد إلا العباءة يجوبها فيلبسها ، ويُبتلى بالقمَّل حتى يقتلُه ، ولأحدهم كان أشدَّ فرحاَ بالبلاءِ من أحدكم بالعطاء". ويضيف الشيخ محمد حسان : إن الله سبحانه وتعالى اقتضت حكمته أنه لا بد أن يمتحن النفوس ويبتليها ، فيظهر بالامتحان طيبها من خبيثها ، ومن يصلح لموالاته وكرامته ومن لا يصلح ،وليس أحد أغير على الحق وأهله من الله ولكنها سنة الله الجارية لامتحان القلوب وتمحيص الصفوف :"وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِين". واستعرض حسان بعد ذلك أمثلة مما تعرض له الأنبياء : فما الذى لا قاه نوح عليه السلام ؟ وما الذى لاقاه إبراهيم؟ وما الذى لاقاه موسى ؟ وعيسى؟و محمد؟ وهم أطهر الناس وأشرف الناس، واصطفاهم الله عز وجل واختارهم وأحبهم إلى الله وأقربهم إلى الله هو حبيبه ومصطفاه محمد صلى الله عليه وسلم ، فقد ورد في صحيح البخارى أن النبى قام يوماً يصلى فى حجر الكعبة فأقبل عليه عقبة بن أبى معيط فوضع ثوبه في عنق النبى فخنقه خنقاً شديداً فأقبل أبو بكر حتى أخذ بمنكبه ودفعه عن النبى وهو يقول أتقتلون رجلاً أن يقول ربى الله. وورد في البخاري أيضاً أن هذا الفاجر عقبة بن أبى معيط جاء يوماً على رسول الله (بسلى جزور) فقذفه على ظهر النبى وهو ساجد فلم يرفع رسول الله رأسه حتى جاءت فاطمة رضى الله عنها فرفعته عن ظهر المصطفى فرفع رأسه ثم قال "الله عليك بقريش ثلاث مرات". وكلنا نعلم ما حدث له بالطائف فضلاً عن وصفهم له بالسحر والجنون -صلوات ربى عليه- واتهموه في شرفه وعرضه ،هاهو ذا رسول الله وهو في الذروة من بنى هاشم ، هاهو ذا يرمى في بيته وفي من؟! في عائشة التى أحبها من قلبه ،هاهو ذا يرمى في صيانة حرمته وهو القائم على صيانة الحرامات في أمته إنها أشد فتنة على الإطلاق تعرض لها رسول الله وهو الحبيب عند ربه جل وعلا ،بل أظنها أضخم المعارك التى خاضها رسول الله. تلك هى الفتن والابتلاءات ، وقد ورد في صحيح البخاري عن خباب بن الأرت رضى الله عنه قال: أتيت النبى وهو متوسد بردة في ظل الكعبة وقد لقينا من المشركين شدة فقلت : يا رسول الله ألا تدعوا الله لنا ، ألا تستنصر لنا ، فقعد وهو مُحمرٌ وجهه فقال: "لقد كان من قبلكن ليمشط بأمشاط من الحديد ما دون عظمه من لحم أو عصب ما يصرفه ذلك عن دينه ، وليتمنَّ الله هذا الأمر حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضر موت لا يخاف إلا الله. وإذا كانت هذه الاعتداءات على النبى وله من الجلال والوقار في نفوس العامة والخاصة فكيف بالصحابة الكرام، لاسيما الضعفاء منهم فأنتم تعلمون ما الذى كان يفعل بمؤذن الرسول بلال و خباب وآل ياسر وصهيب وابن مسعود وغيرهم ممن قالوا : لا إله إلا الله . فضربوا لنا أروع الأمثلة في الصبر على البلاء والتضحية لهذا الدين حتى ولو كانت بالأرواح والأبدان، فلقد كان الدين عندهم أغلى من أى شئ حتى من أرواحهم وأولادهم وأزواجهم وأموالهم،ولذلك أيدهم الله بنصره كما نصر المؤمنين من قبلهم وينصر الموحدين من بعدهم وتكون العاقبة على من عاداهم وانظر كيف كان عاقبة المجرمين. وختم الشيخ الحلقة قائلاً: فمهلاً أيها الظالمون محال أن يموت المظلومون ويبقى الظالمون فاعلموا ما شئتم إنا عاملون، وجوروا فإنا بالله مستجيرون واظلموا فإنا إلى الله متظلمون "وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُون"، اتقوا دعوة المظلوم فليس بينا وبين الله حجاب يرفعها الله فوق الغمام ويقول لها وعزتى وجلالى لأنصرنك ولو بعد حين ،احذر من المظلوم فهو سهماً صائباً واعلم بأن دعاءه لا يحجب، وإن كان الشيوخ عقول الأمة التى تفكر فإن الشباب هم سواعدها التى تبنى وتعمر وهل يمكن لعقل أن يأتى مجرداً لا يمشى على رجلين، ولا يقوى بساعدين.