نصح إماما وخطيبا المسجدين الحرام والنبوي الدكتور أسامة خياط والدكتور عبدالمحسن بن محمد القاسم، المسلمين بالابتعاد عن الفتن والشبهات، داعيَين إلى الحرص على كل أسباب الثبات، والحذر من كل أسباب الزيغ، واتخاذ النهج القويم، ودعَوَا إلى أهمية لزوم جماعة المسلمين وإمامهم عملاً بوصية النبي صلى الله عليه وسلم، والمبادرة بالأعمال الصالحة عصمةً من الفتن. وقال الشيخ خياط في خطبة الجمعة أمس في المسجد الحرام إن في هذا العصر الذي أطلت فيه الفتن وتتابعت على المسلمين فعصفت بالقلوب ريح الشبهات والشهوات، دأب فريق من الناس على الاستهانة بالثوابت والاستخفاف بها مثل الطعن في القرآن وكماله وفي بعض أحكامه وبُغض دور التحفيظ وحلقاته أو في الرسول صلى الله عليه وسلم وفي سُنَّته وسيرته ونجاح دعوته. وأشار إلى أنه راجت كذلك بين كثير من المسلمين بدعٌ محدثات أُدخلت على الدين وليست منه وأضحت في أعرافهم ديناً يُتعّبد به وقربة يزدلفون بها إلى الله، إلى أن بلغ السيل الزبى في استباحة الدماء المحرمة وقتل الأنفس المعصومة اتباعاً للظن والهوى وإعراضاً عن اتباع وصية نبي الرحمة والهدى لأمته في حجّة الوداع: «فإن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا إلى يوم تلقون ربكم، ألا هل بلغت». وبيّن خياط أن للسلامة من الزيغ أسباباً تُرجى بفضل الله ورحمته ومنها صدق الإيمان وقوة اليقين وإخلاص التوحيد له سبحانه في ربوبيته وأُلوهيته وأسمائه وصفاته، والاعتصام بسنة نبي الأمة صلى الله عليه وسلم، والحذر من البدعة فإن كل بدعة ضلالة، كما أخبر بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم قائلاً: «وإنه من يعش منكم بعدي فسيرى اختلافاً كثيراً فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين تمسكوا بها وعضّوا عليها بالنواجذ وإياكم ومحدثات الأمور فإن كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة». وفي المدينةالمنورة حثّ إمام وخطيب المسجد النبوي الشيخ الدكتور عبدالمحسن القاسم على لزوم الطاعات التي تورث الهداية وحسن الخاتمة، والبعد عن الشبهات وغواية الشيطان التي تفضي بالمرء إلى الردى وسوء الخاتمة. وقال في خطبة الجمعة أمس: إذا هبّت رياح الفتن وتلاطمت أمواج المضلات فالعاصم منها المبادرة بالأعمال الصالحة، حيث قال عليه الصلاة والسلام: «بادروا بالأعمال فتناً كقطع الليل المظلم، يصبح الرجل مؤمناً ويمسي كافراً، أو يمسي مؤمناً ويصبح كافراً، يبيع دينه بعرض من الدنيا». مبيناً أن الامتثال لأمر الله بعد المواعظ من سبل الثبات، قال تعالى: «وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُواْ مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْراً لَّهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتاً». وأضاف: إن إخلاص العبودية لله وإقبال القلب إليه من أجلّ النعم، والمسلم يحافظ على هذه النعمة ويحرس قلبه مما يكدّرها. وأضاف أن التمسك بنعمة الهداية يتأكد مع الفتن، وما من فتنة إلا وتعرض على كل قلب كعرض الحصير عوداً عوداً، والفتن كما تكون في الشر تكون كذلك في الخير من الافتتان بالمال والبنين والعافية، قال سبحانه: «وَنَبْلُوكُم بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ»، وقلوب العباد بين إصبعين من أصابع الرحمن يقلبها كيف يشاء، والدين أعزّ وأغلى ما يملكه العبد وهو زاده في الدنيا والآخرة، ولا غنى له عنه. وذكر القاسم: «إن أعظم ما يحتاج إليه العبد التمسك بالدين والثبات عليه والله أمر نبيه صلى الله عليه وسلم بالاستقامة وعدم اتباع الهوى فقال تعالى: «وَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ»، وأمر كل مسلم يدعو ربه فرضاً سبع عشرة مرة بالهداية والثبات عليها ومن لم يدع بها بطلت صلاته «اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ». وأوضح أن من دأب الصادقين الخوف على إيمانهم من النقص أو الزوال، فكان إبراهيم عليه السلام يحطم الأصنام ويدعو ربه «وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَن نَّعْبُدَ الأَصْنَامَ»، ويوسف عليه السلام يدعو إلى التوحيد ويقول «تَوَفَّنِي مُسْلِمَاً وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ»، ونبينا صلى الله عليه وسلم افتتح دعوته بالتوحيد وكان كثيراً ما يدعو «يا مقلب القلوب ثبّت قلبي على دينك» رواه الترمذي، كما كان يتعوذ من الضلال بعد الهدى، حيث قال عبدالله بن سرجس رضي الله عنه: «كان إذا سافر قال: اللهم إني أعوذ بك من وعثاء السفر، وكآبة المنظر، والحَور بعد الكَور، ودعوة المظلوم، وسوء المنظر في الأهل والمال» رواه مسلم. وأضاف: كان النبي صلى الله عليه وسلم يتفقد صحابته وإذا رأى من أحدهم نقصاً في العبادة ذكّره، قال لعبدالله بن عمر رضي الله عنهما: «لا تكن مثل فلان كان يقوم الليل فترك قيام الليل» رواه البخاري، وقال: «ونعم الرجل عبدالله لو كان يصلي من الليل» متفق عليه. وأوضح أن الدعاء بالثبات افتقار وعبادة، وبه تحقيق الاستقامة، إذ كان عليه الصلاة والسلام يدعو بالثبات على الهداية، ويعلّم أصحابه الدعاء بذلك، فقال شداد بن أوس رضي الله عنه: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلّمنا أن نقول «اللهم إني أسألك الثبات في الأمر»، ومن دعاء النبي صلى الله عليه وسلم: «اللهم إني أعوذ بعزتك لا إله إلا أنت، أن تضلني». وبيّن أن الراسخين في العلم والإيمان يقولون: «ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب».