توجد في كل نفس بشرية قوة خفية مخبوءة ، تشعل فيها كل شر وسوء ، وتدفعها إلى ارتكاب الذنوب، وعمل المفاسد، وفعل الفجور، كما تبث فيها ترك الطاعات، وإهمال العبادات، واجتناب الخيرات، مما ينتج عن ذلك حياة شقية، ونهاية تعيسة. وتتمثل هذه القوة الخفية في الشيطان الرجيم؛ ذلك العدو اللدود للخلق منذ الأزل ، والذي سلّطه الله تعالى علينا ابتلاءً وامتحانًا، فهو معنا في كل زمان وفي كل مكان، لكنه مخفي عنا ، مختفي بأعماقنا، كامن في أهوائنا، وسيبقى دائماً معنا؛ يلازمنا طوال حياتنا، ففي الحديث الصحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( ما منكم من أحد إلا وقد وكل به قرينه من الجن، وقرينه من الملائكة). ومما هو معلوم لكل مسلم؛ أن للشيطان المارد مهمة خطيرة هي الإغواء والوسوسة، والتشكيك والمكيدة، والتي يسعى إلى تحقيقها بأسلوب التدرج في الخطوات، حيث لا يدعو إلى الشر والمعصية مباشرة، بل يقرّب الإنسان منها خطوة خطوة، وشيئًا فشيئًا، حتى يقع في الفخّ المنصوب؛ ولذلك حذّرنا الله تعالى من اتخاذ خطواته والاسترسال معها، والانقياد لها، قال تعالى: ( وَلا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِين). وما الشيطان اللعين إلا مخلوق خبيث ، محتال، مخادع، ضعيف في مكره وكيده، لكنه قوي في أداء مهمته، لا يستند على قوة ذاتية فيه؛ وإنما على قلة التدين وضعف الإيمان لدى صاحبه، مما يجعله أسيراً لهمساته، ومنقاداً لمغرياته، ( قال فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ ، إِلاَّ عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ) . والشيطان يهمس في داخل كل إنسان بأحلامٍ كبار، وأماني عراض، يقدم أفكاره في أجمل تقديم، ويصورها في أبهى تصوير، ويزينها في أحسن تجميل، حتى يسهل على الفرد تنفيذها فوراً، أو بعد حين، (وَمَا يَعِدُهُمْ الشَّيْطَانُ إِلَّا غُرُورًا). كذلك يوقع الإنسان في انفعال الغضب؛ ليكبه في نيران العدوان، وبراثن الطغيان، كما يدخل عليه من باب النسيان؛ حيث ينسيه الثواب والعقاب ؛ لكي يقع في الفعل المنكر، والأمر المحرم. وإن الهدف الأول الذي سعى إليه الشيطان هو إدخال البشر في النار ، فيعمل من أجل ذلك على إيقاعهم في مصائد الشرك والكفر، وفي خدع التطرف والابتداع ، كما يزين لهم الذنوب الصغيرة، حتى يسهل عليهم ارتكاب الذنوب الكبيرة. وسيبقى الشيطان مصدراً لكل سيئة وخطيئة، ومنبعاً لكل فتنة وبلية، والذي سوف يستمر في إضلال البشرية؛ كل صبح وعشية، ولن يكون مع كيده سلام ولا أمان ، ولا مع سطوته فوز ولا انتصار ؛ إلا بسبيل النجاة الوحيد وهو تأدية العبادات السليمة، وفعل الطاعات الصحيحة؛ من ذكر واستعاذة، وتلاوة وصلاة …، ومن تعلق بالله تعالى كفاه ووقاه، وحفظه وتولاه ، ﴿ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلاً﴾. بقلم : د.عبدالله سافر الغامدي جده.