مرت دولة لبنان الشقيقة بحروبٍ وأزمات ومشاكل مُعقّدة وطاحنة منذ الثمانينيات حتى وقتنا الراهن؛ وظلت لبنان في أتون تلك الأزمات والحروب ملفًا من أعقد الملفات الدوليّة، بل الأكثر تعقيدًا، سواءً فيما يتعلق بشؤونها الداخلية ومواجهات أحزابها التي لا تهدأ، وصولًا إلى بروزها على مسرح الأحداث في معارك العرب مع إسرائيل والقضايا الشرق أوسطية التي تنطلق من جيرانها وترتد إليها. وفي ظل هذا التعقيد السياسي في لبنان على كافة الصعد والجبهات لم يستطع اللبنانيون منذ اغتيال السيد رفيق الحريري الخروج بالبلاد من مأزق الصراع الحزبي الذي انعكس أيضًا على علاقة لبنان بدول الجوار والمجتمع الدولي! ودون ريب فإن إخفاق اللبنانيين في التعاطي مع قضاياهم المحلية أوقع لبنان في حرج شديد داخليًا وخارجيًا؛ وامتد هذا الحرج إلى ما يُسمّيه اللبنانيون -سياسة النأي بالنفس- عما يجري في الجارة سوريا من قتل وتدمير وحرب إبادة ضد فئة معينة من الشعب السوري الذي ينشد الحرية والأمن والرخاء. وحين يتحدث نجيب ميقاتي عن اللاجئين السوريين ويعلن عن سلسلة من الإجراءات تصنف هوية هؤلاء اللاجئين وهم في مسيس الحاجة للهروب من جحيم جيش بشار القاتل، ففي ذلك سياسة أخرى لا تمت بصلة إلى سياسة النأي بالنفس! لقد غرق حزب الله في القتال في صف الأسد وما أحداث القصير وما جرى فيها من قتل وتشريد للمدنيين العزل إلا دليل على فشل سياسة النأي بالنفس من جانب حزب الله! والحقيقة أن لبنان تستحق من حكوماتها وأحزابها وفرقائها السياسيين أن يضعوا حدًا لممارسات حزب الله الذي جر على لبنان وجيرانها ويلات الحروب وعدم الاستقرار؛ وتحتاج لبنان حقًا أن تفيق من العبث السياسي الذي يقوم به حزب الله، مدمرًا الوضع اللبناني الداخلي وممزقًا لحمة اللبنانيين وممتدًا إلى زرع الرعب والفتنة الطائفية في بلادنا العربية! ما أحوج لبنان في أيامه هذه إلى حكومة قوية وفاعلة تنهض بالدولة من تجاذبات الأحزاب، وترتقي بها إلى مستوى مسؤولياتها العربية والدولية تجاه جميع قضايا لبنان والأمة، وإذا أراد اللبنانيون أن يبنوا لبنان الدولة فعليهم أولًا أن يكونوا أكثر شفافيةً ووضوحًا في التعامل مع حزب الله لتحييد توجهاته الخاطئة التي حولت لبنان من دولة كيان إلى كيان حزب واحد. [email protected] كاتب بصحيفة المدينة