يذكّرني أسلوب النأي بالنفس الذي اتخذته حكومة حزب اللات اللبنانية من القضية السورية، ومن كل القضايا العربية، بقوائم الطعام في المطاعم اللبنانية حيث تكتب أمام اسم الطبق جملة :(على الطريقة اللبنانية) إشارة إلى تميزه وتفرده عمّا يماثله في بلاد عربية أخرى، وهكذا هي سياسة النأي بالنفس التي يمارسها بكل صلف وغباء وتآمرعلى الشعب السوري عدنان منصور وزير خارجية حركة أمل الإرهابية التي كان لها أسلوب على درجة عالية من التميز، عندما شنت حرب إبادة ضد المخيمات الفلسطينية تحت قيادة حامل مفاتيح مجلس النواب نبيه بري. يدافع وزير النأي عن موقفه في الجامعة العربية بزعم الخوف على لبنان لأنه وحده من سيدفع الثمن! فلماذا لم يخشَ على لبنان من تحوله مستعمرة إيرانية ؟ ولماذا لم يخشَ على لبنان وحزب اللات يسيطر على جميع مفاصل الحياة فيه ؟ لماذا لم يخشَ على لبنان الحرب الأهلية التي يريد إشعالها حزب اللات بين مكونات المجتمع اللبناني؟ يظل لبنان متفردا في كل شيء، ومنتهجا أسلوبا في معالجة قضاياه وقضايا الأمة التي يدعي انتماءه إليها، على نحو شديد الغرابة وأكثر بعثاً على العجب، لكن السؤال الذي يطرح نفسه بقوة هو ماذا يؤمل من أناس يقدمون مصالح الآخرين على مصالح بلادهم، سوى الإتيان بكل ما هو عجيب وغريب ومنافٍ للقيم الإنسانية والأعراف الدولية . أما النأي عند العرب حسب - معجم لسان العرب - فيعني (البعد) حقيقة لا مجازًا، وربما كان للكلمة معنى آخر حسب اللسان الفارسي الذي يجعل النأي اللبناني- غير النأي العربي - ذا طعم خاص بنكهة حسن حزب اللات، ونكهة نبيه بري؛ ولهذا لم يستح وزير الخارجية الذي خرج من تحت عباءة هذين الفصيلين من التصريح لِ NBN بأنه لم يخالف "رأي الحكومة ولا موقفها.. سياسة النأي عن القرارات السلبية التي تتناول أو تتعلق بلبنان، حتى القرارات التي صدرت نأينا بأنفسنا عنها ". نعم هو لم يخالف قطّ رأي حكومة لبنان، لأنها حكومة حزب الله فهي ناطقة باسمه ومنفذة لكل ما يأمرها به من تعليمات يمليها كبيرهم خامنئي، وهو ينأى بلبنان عن كل ما يدين بشار طاغية سورية، لكنه يولغ حدّ القرف في إناء ثوار سورية، بل ويتآمر عليهم، وعلى الأبرياء الذين يفرون من جحيم بشار إلى لبنان، سياسة النأي بالنفس تنحاز بقوة إلى إرهاب حسن نصر اللات وكل الأحزاب الإرهابية الإيرانية والعراقية التي يرسلها الولي الفقيه لقتال العرب السنة في سورية. وعندما نادى وزير النأي في غاية الجرأة بضرورة " عودة سورية إلى حضن الجامعة من أجل التوصل معها إلى حل سياسي"، لم يجرؤ في المقابل على دعوة بشار إلى الكفّ عن إبادة شعبه، كما لم يجرؤ على مخاطبة إيران والعراق وحسن حزب اللات بعدم إرسال إرهابييهم لقتل الشعب السوري، بل لقد ساهم موقفه وحكومته من الثورة السورية، في تأجيج عملاء إيران وسورية اللبنانيين ضد عرب دول الخليج العربي، فلا تكفّ وسائل الإعلام المأجورة وأصحابها وضيوفها عن الهجوم على من يسمونهم (العربان)! أولئك (العربان) الذين لولا ما يتمتعون به من أصالة وأخلأق عربية وقيم إسلامية عالية لأغلقت أبوابها دونهم، وذلك لكي يتعلموا ألا يعضوا الأيدي التي ما انفكت تمتد إليهم بمختلف أساليب العون والدعم . لكننا نعود لنؤكد أن من يتآمر على وطنه لا غرابة في أن يتآمر على الدنيا بأسرها، مادام ثمة من يدفع ثمن ذلك. ويدافع وزير النأي عن موقفه في الجامعة العربية بزعم الخوف على لبنان لأنه وحده من سيدفع الثمن! فلماذا لم يخشَ على لبنان من تحوله مستعمرة إيرانية ؟ ولماذا لم يخشَ على لبنان وحزب اللات يسيطر على جميع مفاصل الحياة فيه ؟ لماذا لم يخشَ على لبنان الحرب الأهلية التي يريد إشعالها حزب اللات بين مكونات المجتمع اللبناني؟ أم أن ذلك لا يشكل لديه أدنى اهتمام مادامت الأجندة واحدة وهي القضاء على سنة سورية ولبنان معاً. ولهذا فهو لم يزعجه البتة - وطوال عامين - دخول إيران وروسيا إلى سورية بكل ما تملكان من ثقل مادي ومعنوي لنصرة بشار ضد الشعب السوري، لكنه يبدي انزعاجه من قانون الجامعة الذي ينصّ على أن تتدخل دولة في شؤون دولة اخرى، متسائلاً : "هل القانون الدولي يسمح بتدخل دولة وإرسال السلاح ودعم المقاتلين؟" يا له من منطق غريب، بل يا لها من وقاحة وجرأة لا مبرر لها سوى سياسة النأي بالنفس قبيحة الأصل والمنشأ والولادة ! فماذا عساه أن يُسمّي تدخل إيران في بعض الدول العربية كالبحرين والكويت واليمن والسودان حتى المغرب بعملائها وإرهابييها؟ بل ماذا يُسمّي تدخلها السافر وروسيا في سورية ؟ أما لبنان فإيران فيه دولة شقيقة تصول وتجول كيفما بدا لها حدّ الاحتلال بكل حمولاته ! ويختم وزير النأي تصريحه قائلا- لا فضّ فوه - إنه يحرص " كلّ الحرص على مصلحة لبنان في الدرجة الاولى قبل مصلحة الآخرين " ! ومن الطبيعي ألا تكون إيران وسورية الأسد ضمن أولئك الآخرين ! أما ادعاؤه بالنظر " إلى مصلحة الشعب اللبناني بكل طوائفه واطيافه "، فتكذبه مواقفه التي لا تهتم إلا بما يمليه الولي الفقيه ووكلاؤه في لبنان. أما رئيس كتلة الوفاء للمقاومة محمد رعد فلا يقل عن وزير النأي جرأة وكذباً فيما صرح به دعماً للوزير لأنّ موقفه - حسب زعمه - " ينطوي على إيجابية وحرص كبيرين تجاه دول المنطقة العربية كلها وتجاه مصالح شعوبها التي تتضرر بالتأكيد جراء استمرار النزف التدميري الذي يضعف سورية والبلدان العربية، ولا يستفيد منه إلا أعداء الأمة الطامعون بخيراتها والساعون دومًا الى فرض السيطرة والهيمنة عليها "! أين الإيجابية التي يزعمها ؟ أهي في تدمير سورية تدميرًا تامًا على رؤوس مواطنيها، أم في السير في فلك إيران الفارسية وموافقتها على مشاريعها التخريبية، ورغبتها في السيطرة على دول الخليج العربي وباقي الدول العربية ؛ لنشر عقيدتها المنحرفة في أرجائها ؟ وكيف تضعف سورية والبلدان العربية، إن لم يكن بما يجري على الأرض السورية بأصابع إيرانية وروسية، ومباركة بعض الدول العربية وعلى رأسها ذوو النأي بالنفس فبمَ يكون ؟ أما أعداء الأمة الراغبون في خيراتها والسيطرة عليها - حسب الوقائع المشاهدة في الراهن - فليس هناك سوى إيران وعملائها من عرب النأي بالنفس . ويختم قوله بنكتة سمجة لا تضحك إلا الأغبياء بأن " فخر لبنان أن يلعب دومًا دورًا إيجابيًا لمصلحة العرب مجتمعين، من دون مجاملة لطرف أو افتئات على طرف آخر" ! ويرى أن العار كل العار فيمن يمارسون التحريض من اللبنانيين الآخرين ! لكنه حتما لا يرى عارًا ولا عيبًا يتلبس به عملاء الولي الفقيه كحزبه، حزب اللات الذي أخذ على عاتقه تدمير لبنان بأكذوبة المقاومة، وها هو يتمدد إلى سورية ليحارب سنتها تناغما مع عقيدة بشار وأسياده في قم الذين يريدون إعادة أمجاد فارس المجوسية التي قضى عليها عمر بن الخطاب ذات مجد عربي. وهنا لا يفوتنا أن نتساءل : أيّ دور إيجابي يمارسه لبنان لمصلحة العرب، وفيه من يتآمر على أمن دول الخليج العربي ومصالحه في لبنان وخارجه، في ظل صمت حكومة النأي ؟ لشدّ ما أعجبني تصريح أحد ديبلوماسيي دولة عربية خليجية - حسب إحدى الصحف - من أن وجهة نظر دول مجلس التعاون بعد الحملات المغرضة والمذهبية اللبنانية عليها بتوجيه من حزب الله وطهران ودمشق، واحتضان الحكومة اللبنانية لتلك الحملات، والتغطية عليها، تتلخص (أي وجهة النظر) في سؤال الحكم في بيروت عن أسباب عدم التوجه إلى حليفته إيران لتعويم جزء من الاقتصاد الذي يغرق منذ أشهر في بحر نحو مليون و650 ألف لاجئ سوري وفلسطيني، يشكلون ثلث عدد سكان لبنان الأربعة ملايين، وهو أمر مضحك ومأساوي في آن واحد، وتداعياته ناجمة عن إجرام النظام السوري الحليف الأقوى لطهران، والمتسبب في شقاء اللبنانيين وانهيار اقتصادهم ودولتهم شيئاً فشيئاً أمام أعينهم . ونقلت الصحيفة ذاتها عن مسؤول أمني كبير في دبي قوله إن قرارات قد اتخذت في دول الخليج العربي لإبعاد آلاف اللبنانيين المتآمرين علينا، والموالين للولي الفقيه وميشال عون، كما أن قرارات دول المجلس بمنع سفر الخليجيين إلى لبنان ستستمر حتى سقوط حكومة ميقاتي السورية - الإيرانية، وسيجري قريباً جداً إعلان لوائح بمنع دخول قادة سياسيين لبنانيين يناصبون الشعوب الخليجية العداء، ويتدخلون في شؤونها الداخلية بضغوط معروفة وشبه علنية من نظامي سورية وإيران .. وهناك حديث عن تخفيض عدد الرحلات الجوية لشركات الطيران الخليجية إلى لبنان خلال الشهرين المقبلين إلى النصف، كخطوة أولى لثني الحكومة اللبنانية عن الاستمرار في تجاهل حملات القوى السياسية المشاركة فيها على دول الخليج العربي وشعوبها، رغم كل ما فعلته من أجل لبنان واللبنانيين.. وستشهد الأسابيع المقبلة عمليات مكثفة في وزارات الداخلية لإنهاء إقامات أكثر من ألفي لبناني كمرحلة أولى، ورفض منح إعطاء مئات التأشيرات في السفارات إلى جماعات لبنانية تابعة لعون وحسن نصرالله ونبيه بري و" الحزب القومي السوري الاجتماعي" ووليد جنبلاط وطلال أرسلان كانت تقدمت للحصول عليها، فيما تتوقع أجهزة الأمن الخليجية في دولة الامارات حدوث " تصفية دقيقة وشاملة " للمتعاونين مع "حزب الله" و"حركة أمل" ويؤمنون لهما أموالاً طائلة سنوياً . إن هذه الخطوة كان ينبغي اتخاذها منذ زمن بعيد، ليكف أولئك العملاء عن التآمر على دولنا..