علمنا أباؤنا ومعلمونا أنه "رحم الله امرءاً عرف قدر نفسه" وقد صدقوا وأحسنوا ولكن البعض قصّروا في إيصال الفكرة لنا، وخذلتنا فهومنا أن نعرف أن المعرفة بالنفس على معرفة حقيقة قدرها فلا تحجم حين إقدام ولا تتردد إذا امتلكت الموهبة وكن في الناصية إذا كنت لها أهل. غير أن هذا المثل أورثنا كغيرة من الأمثال التي تزخر بها ثقافتنا معرفة أكثر بنقصنا وباعد بيننا وبين أن نعرف قدراتنا حتى يأتي من يكتشف لنا ذواتنا فخرج لنا عرّابون يخططون لنا طريقنا ويمهدون لنا السبل على حسب ما يريدون فهم أعرف بقدرهم وقدرنا، وخرج بيننا أقوام خداج صعدوا المنابر على شتى أصنافها فخارت وتسنموا المواقع فانهارت وجاسوا دروباً لا يتقنوها فتهاوت، لأن مربوهم حملتهم الأنانية على قتل الطموح في القادرين وسكبه ودعمه في معارفهم ولكن دون بضاعة إذ المواهب موزعة، ولذا تطاردنا مصائد الفشل في أماكن كثيرة ألم تروا مسؤولين لا يتقنون وقياديين يحتاجون إلى قياد ومربين في حاجة للتهيئة من جديد، وهذه ضريبة الواسطة، في كل منا طاقة وقدرة، فلم يخلق الله مخلوقاً يضيعه، ولكن أضعنا أنفسنا فأصبحنا في غاية من التردد الله بها عليم، وجهلاً في مواضعنا التي نستحقها، كل ذلك أحجمنا عنه أو منعنا منه استجابة لثقافة لا "يفشلنا". من هنا أقول أن في أبنائنا من الهبات الربانية الكثير ولكننا لم نحسن تعريفهم بها، فجعلناها على الرف هامدة لم نحركها، وسرنا مع التيار أين ما ذهب بنا، حتى أصبح البعض من أبنائنا مبرمج على أن يدرس ويتخرج ويحصل على وظيفة إن وجدها ويتزوج وينجب الأبناء ويموت ليأتي من بعده على هذه الحال أبنائه، ولم نبعث فيهم لغة الطموح وأن يعرف أن له مستقبلاً ينتظره ليكون مؤثراً في هذا العالم ومتأثراً، وأنا خلقنا لشيء أهم بعد عبادة الله هي كرامتنا في إنجازنا وتحقيق مكتسبتنا التي هي حق لنا وبسواعدنا، ولا أعمم القاعدة فمن الناس من نقف له إجلالاً واحتراماً على صنيعه. فهل وقف أحدنا على أبنائه وقال أنتم مشروع حياتي وغداً تقعون في هذا العالم موقعاً عالياً، وأنتم سيكون لكم في زمن الغربة والظلمة شأناً، ومرة أخرى لن أعمم القاعدة ولكن دعونا نقيس على أنفسنا وعلى من نعرف هل نحن نؤمن بأن التربية استثمار للمستقبل ولذا يجب أن ننفق على أبنائنا إذا قصرت جهات الاختصاص الحكومية والمدنية، بل نحن نرسله للمدرسة ونقول "خله ينفع نفسه بوظيفة" والناس تقتل عليها ولا تجدها أي طموح سيحمله معه هذا الطفل إذا عرف أن غاية المراد وظيفة تدر عليه دخلاً يقيه من الجوع والبرد، وأنه قاصر عن أن يكون له مشروعه الخاص وبنائه المستقل في منظومة العمل المجتمعي. يا سادة إن من أسوأ الأمور قتل الطموح في الإنسان بكلمة أو نظرة أو نحوهما، وما أكثرها في مدارسنا وشوارعنا وبيوتنا، ألم تسمعوا أباً أو أماً يقولان لولدهما "شد حيلك لا تفشلنا" ماذا سيحصل بعد هذه الكلمة!!، وبالمقابل ماذا لو كانت تلك الكلمة "ثقتنا فيك كبيرة وأنت تستطيع فافعل ما يجب أن تفعله"!!. خذوا من زماننا ثمرته واغرسوها في أبنائنا وليتق الله كل مربي أن لا يقتل الطموح في أبنائنا فإنه قتل أشد من إراقة الدم واسألوا من يرتادون العيادات النفسية ليعالجوا ما وضعه المربون من عقد، وهمسة في أذن من نالهم من التحطيم والتهميش الكثير "لا تستسلموا فأنتم قادرون". مثال على التربية لأحد الآباء وهذه حقيقية إذ قال لابنه وقد جاءه يشكو إساءة أحد زملائه له "لاتجيني وأنت مطقوق خذ حقك وتعال والا لا أشوفك تشتكي" إذاً ماذا يفعل هذا الطفل في شبابه !! تمرد على النظام وأخذ للحق بالقوة ويجد في نفسه أنه "أقوى واحد" هذا مثال ليس إلا. ومع ذلك فإن التفاؤل كبير وإشراقة الغد حالمة ولكنها ستبقى حالمة إذا لم نبدأ بمن نعول. لكم التحية .. وأدوا الأمانة كما يجب فأنتم لها أهل بإذن الله. محمد بن سعد الدخيني إعلامي وتربوي