الحكمة هبة من الله يؤتيها من يشاء وهي كالرزق يمنحه لمن يشاء فقد تجد ثريا لاحكمة لديه وفقير حكيم وقد تجد عالما فقيها ملما ولكن تنقصه الحكمة وسعة البال والصدر ، وقد تجد أميا لديه من الحكمة ما توقف الحرب ، والحكيم من يستمع للناس ولكل زمان حضارة ووجوه مجتمع ومترفون وبالمقابل تجد من ينكر عليهم ذلك لسوء السلوك والتعامل ولكن لايستطيع تغير ذلك فيعمدون لتلبس الجنون حتى لاينالهم العقاب والنبذ فيقولوا مايشاؤون . وحديثي هنا عن رجل قبل الميلاد يسمى ( ديوجانس الملقب بالكلبي )ولد في سينوب من مدن البنطس نحو سنة 413قبل الميلاد صاحب نوادر فلسفية ذات حكمة وهو ابن ( إيسكيوس ) وقد كان والده صرافا فزيف في النقود فقبض عليه وأودع السجن حتى مات ، ففر ديوجانس ولم يستقر إلا في ( أثينا ) فكان مرذولا منبوذا محتقرا لفقره ، ولكنه حاول أن يتماشى مع مشارب الناس رغم أسلوبه العجيب الذي اتخذه في طريقة عيشه له نوادر نقدية كانوا يستقبلونها من باب التندر بينما هي حسب رأيي كانت صفعات يمقت بها التكبر والترف الذي أنساهم أنفسهم وجعلهم يحتقرون الفقراء والبائسين فقد كان يتعجب من الناس الذين لم يوافقونه في عيشه فمن نوادره وكفشاته ، فقدكان إذا مشى في النهار يأخذ بيده قنديلا مدعيا أنه يفتش عن رجل – أي إنسان على مشربه وطريقته – وتارة يقف في الشوارع وينادي أيها الرجال هلموا إلي ثم يأخذ عصاه ويطرد بها كل من أتاه ويقول لهم لستم رجالا فيقولون له من هم الرجال وأين رأيت رجالا . يقول رأيت في أسبرطة أولادا أما رجالا فلم أرى ! وقدقيل انه يأكل اللحم نيئا ولكن إذا دعي إلى وليمة الوجهاء يلتزم الحشمة وينماشى مع مشاربهم وأسلوبهم – سأختصر مااستطعت وبأسلوب يسهل للقارئ الإلمام بسيرة ذلك الفيلسوف الناقد الإجتماعي العجيب – ومن نوادره الصاعقة المضحكة التي لاتخلو من حكمة ونقد ، فقد شوهد يوما أمام تمثال وقد مد إليه يده وهو يتوسل إليه أن يعطيه شيئا من المال وعندما لم يحصل منه على شيء يتحول إلى تمثال آخر وهو يظهر شكواه ، فسأله البعض ماذا يقصد بذلك ، فقال حينما أحتاج إلى الناس أراهم قساة فاترين صما بكما كهذه التماث. يل ولذلك أريد أن أعود نفسي على الطلب والتوسل الشديد ! فقد كان يعود نفسه على المشقات ففي الصيف إذا احتدم القيظ يتدحرج على الرمال وفي أيام الشتاء إذا اشتد الزمهرير يأتي الرخام المغطى بالثلج ويتدحرج عليه ، وكان يحتقر أصحاب الثروة ويسمي الخطباء عبيد الرعايا ونقد إفلاطون وتلاميذه ونسبهم إلى حب التبذير ، وكان يقول متى تأملت حقيقة الحكام والحكماء والفلاسفة الذين في الدنيا اعتقدت أن الإنسان بعقله يفوق البهائم ، ولكن إذا رأيت من يدعي الوحي والعرافة وتعبير الرؤيا ومن إذا حصلوا مالا وجاها تكبروا وشمخوا اعتقدت أنهم أشد الحيوانات جنونا !وكان يقول إذا تزوج الإنسان شابا فقد أبكر وإذا تزوج كهلا فقد أبطأ ، وفي أحد الأيام كان يتكلم في أمور مفيدة جوهرية . فلم يلتفت إليه أحد ولم يعره أحد اهتمام ، فجعل يغني وإذا بالناس قد ازدحمت عليه فأخذ يوبخهم لإجتماعهم على الهزل وفرارهم من الجد والمفيد ، وكان يلوم الموسقيين لإهتمامهم في أمور الإيقاع وتركهم تنظيم عقولهم ويلوم أرباب الهيئة لإجتهادهم في رصد الكواكب وهم يجهلون ماتحت أقدامهم ويلوم الخطباء لقولهم أشياء لا يعملون بموجبها ويلوم البخلاء لتظاهرهم بالزهد والقناعة واعتكافهم في الباطن على جمع المال ، ويعنف الذين يتعبدون في الهياكل ويقربون القرابين فإذا خرجوا انهمكوا في الولائم والملاهي والشهوات البدنية ، وقد سأله بعض ( السفسطيين ) أنت لست أنا وأنارجل فأنت لست برجل فقال ديوجانس لوقلت أنت لست أنا واقتصرت لكانت النتيجة أنك لست برجل . وذهب مع رجل للتفرج على قصر عظيم مزخرف بنقوش الذهب والمرمر فبعد أن تأمله ورأى أن كل مافيه حسنا نظيفا ثمينا تنخم وتفل في وجه الرجل وقال المعذرة لأني لم أجد هنا موضعا وسخا إلا وجهك ، ومن لسعاته فقد عيره بعض السفله بالفقر فقال لم أر أحدا يعير على فقره ، لكن رأيت كثيرين يعاقبون على رذائلهم ، ومن حكمه يقول أنفع الأشياء أقلها ثمنا فكم رأيت صورة تساوي ألوفا من الدراهم ومد القمح يباع باليسير ، ودخل يوما الحمام فوجد الماء قذرا فقال الذي يغتسل هنا أين يطهر بدنه ، ويحكى أن الإسكندر سمع بديوجانس فأراد مقابلته فسار إلى قرنثية مكان إقامة ديوجانس فرآه جالسا في الشمس بقرب برميله فقال له أنا إسكندر ، فقال له وأنا الكلب ديو جانس قال أما تهابني قال له أنت صالح أو شرير قال له الإسكندر صالح قال أو أهاب الصالح فعجب إسكندر من ذلاقة لسان ه . ثم قال له سلني حاجتك قال ديوجانس تحول من هذه الجهة فقد حلت – أي حجبت – بيني وبين الشمس فزاد تعجب اسكندر ثم قال ديوجانس أينا أغنى أصحاب العباءة والخرج أو الذي لم يقنع بعظم سلطانه وسعة مملكته بل اقتحم الأخطار لزيادة حدودها واشتغل الليل والنهار في إصلاح شؤونها ، فتعجب خواص الإسكتدر من احترامه لهذا الرجل الدنيئ مع قحته وجرأته عليه وشعراسكندر بذلك فالتفت إليهم وقال لو لم أكن اسكندر لا شتهيت أن أكون ديوجانس ، وكان يسخر من إفلاطون قيل أن إفلاطون حد الإنسان بانه حيوان ذورجلين لاريش له فأخذ ديوجانس ديكا ونتف ريشه وطرحه أمام جماعة إفلاطون قائلا هذا إنسان فزاد إفلاطون على الجد أي كان جادا أنه عريض الأظافر مكابرة على الإحراج . ورأى مرة قضاة يحكمون على رجل سرق إناء من الخزينة العمومية فقال هؤلاء لصوص كبار يحكمون على لص صغير ، وكان بعض العظماء يتحيل على مجيئ ديوجانس إلى وليمته فقال له أكل كسرة الخبز في أثينا أحب إلي من قصورك ، وتهدده برديكاس يوما بالقتل إن لم يأت لزيارته ، فقال له أدنى الهوام السامة يمكنه ذلك . ولدي الكثير عن ديوجانس ولكن أكتفي بهذا فقد أضيفه في وقت لاحق لما فيه من حكمة تفوق رأي الفلاسفة ، فقد كان صريحا جريئا شجاعا نا قدا الفساد وما أصاب الناس من كبر بسبب الترف وحب المظاهر ومعايرة الفقراء واحتقارهم فهناك الكثير الكثير