الأثر الثقافي للتقاليد الرمضانية    %43 من الطلاب المعاقين بالمرحلة الابتدائية    إفطار لصحفيي مكة    م.النعيم: التزام المشغلين بحقوق المستهلك 55%    اليمن بعد غزة ولبنان: هل جاء دور الحوثي    أخطر رجل في الجماعة الإرهابية: مرحلة الإمارات (7)    إصلاح قدرات الناتو ضرورة لمواكبة التهديدات المتسارعة    «مسام» ينتزع 548 لغمًا خلال أسبوع في اليمن    نيوكاسل يطوي غياب 70 عاما بكأس الرابطة    ترفيه ومبادرات مجتمعية    تي تي إم تحتفي بإرثها في ملتقيات رد الجميل    متى تحسم درجات المواظبة ؟    نوتات موسيقية لحفظ ألحان الأهازيج الشعبية    مرسم مفتوح ومعرض تشكيلي في رمضان زمان    العلمانية.. عناصر جديدة لفهم مسارها    4.67 ملايين للعناية بمساجد الأحساء    طاش مديرا تنفيذيا للمدينة الطبية    321 عملية أورام تعيد الأمل لمرضى جازان    100 متطوع ومتطوعة بحملة صم بصحة    «بسطة خير».. دعم الباعة الجائلين    نحو اقتصاد مستدام    إيدي هاو: نيوكاسل استحق التتويج بكأس الرابطة الأندية الإنجليزية    عمومية الأولمبية الأفريقية تعترف باتحاد الهجن    الغيرة تشعل هجوم العالمي    أسعار النفط تتحرك بالقرب من أدنى مستوياتها وسط مخاوف الركود    سورية: جامع خردة يتسبب في انفجار صاروخ ومقتل 16 شخصاً    غزة: 80 % فقدوا مصادر الغذاء    محمد بن ناصر: المملكة تضم نخبة من المميزين والمبدعين    مبادرات دينية على منصة المعرض الرمضاني الأول    نائب أمير نجران يثمَّن جهود الأفواج الأمنية.. ويكرم الطلاب المميزين    مكة في عهد الوليد بن يزيد.. اضطرابات سياسية وتأثيرها على إدارة الحرم    الكوادر النسائية بأمانة المدينة.. تعزيز جودة العمل البلدي    نائب أمير منطقة تبوك يشارك الأيتام إفطارهم    تجديد مسجد العظام المبني في العهد النبوي    السعودية تحبط تهريب 7 ملايين قرص إمفيتامين في العراق    حكاية كلمة: ثلاثون حكاية يومية طوال شهر رمضان المبارك . كلمة : سراج السمن    الهلال يخسر لاعبه في الديربي أمام النصر    مرونة اقتصادية ونمو "غير النفطي".. «ستاندرد آند بورز» ترفع تصنيف السعودية الائتماني إلى «A+»    «المداح.. أسطورة العهد» مسلسل جديد في الطريق    التزام راسخ بتعزيز الأمن والاستقرار في العالم.. ولي العهد.. دبلوماسية فاعلة في حل الأزمات الدولية    ترامب يحذر الحوثيين: حان وقتكم.. سنحاسبكم بالقوة المميتة    تعزيز البيئة الاستثمارية في مكة    ولي العهد يبحث مستجدات الأحداث مع رئيسة وزراء إيطاليا    ضمن تصفيات مونديال 2026.. الأخضر يبدأ تحضيراته لمواجهتي الصين واليابان    فتاوى الحوثيين تصدم اليمنيين    جبل أم القصص وبئر الصداقة!    سفيرة المملكة في فنلندا تدشن برنامج خادم الحرمين لتوزيع التمور    الأذان.. تنوعت الأصوات فيه وتوحدت المعاني    جمعية "شفيعاً" تنظّم رحلة عمرة مجانية لذوي الإعاقة والمرضى وكبار السن والفئات الاجتماعية برفقة أهاليهم    موعد مباراة الأهلي القادمة بعد الخسارة أمام الأخدود    وغابت الابتسامة    الصحة تجدد التزامها بحماية حقوق المرضى    مستشفى الدكتور سليمان الحبيب بالتخصصي يستأصل ورماً كبيراً بمحجر العين بعملية منظار متقدمة    طويق جازان في مبادرة إفطار مرابط بالحد الجنوبي    وفاة الأميرة نورة بنت بندر آل سعود    إطلاق 16 كائنًا فطريًا في محميات العلا    نائب أمير منطقة مكة يستقبل رئيس المحكمة الجزائية بجدة    فرع هيئة الصحفيين بجازان يحتفي بيوم العلم السعودي بالتعاون مع فندق جازان ان    









الحكمة: صداقة النبوة والفلسفة
نشر في أنباؤكم يوم 02 - 03 - 2012

عبدالله العودة - المدينة السعودية
يذكر عبدالحميد الثاني أحد الخلفاء العثمانيين في مذكراته التي ترجمها حفيده محمد حرب قضية مرّت عليه أثناء خلافته حين أُفتتحت كلية الفلسفة في اسطنبول على عهده فقامت تظاهرات حاشدة ومعارضات غير متوقعة على تلك الكلية التي تمارس التفلسف في مجتمعات التدين .. ففكر عبدالحميد بذكائه وقرر إلغاء تلك الكلية سيئة الذكر، وافتتاح كلية «الحكمة» التي تمارس نفس العمل دون ضوضاء!
عبدالحميد بذكائه .. استدعى تلك المفردة المحملة بالمفاهيم الإيجابية في التراث الإسلامي لتمارس العمل الفكري الحر الذي تمارسه الفلسفة المحايدة دون الخوض في جدل قائم على معاداة الأسماء.
ولم يكن اختيار كلمة «الحكمة» كبديل عن الفلسفة في حينها اعتباطيًا .. بل لمعنى تاريخي حملت فيه كلمة «الحكمة» العربية نفس المعنى الذي أدّته كلمة «الفلسفة» اليونانية.
وحين أراد العرب في بداية استفادتهم من التراث اليوناني في بداية عهد الترجمة تقديم الفلسفة للعرب سموها «حكمة»، وكانت الترجمة الشائعة لكلمة الفيلسوف هي «محب الحكمة»، وعلى أثرها تولّت «بيت الحكمة» دورها في عهد المأمون لتترجم المواد اليونانية والهندية والفارسية للعرب، والتي كانت الفلسفة (الحكمة) واحدة من أهم المجالات التي عملت عليها الترجمة ولذلك سميت بالحكمة.
اختيار كلمة «الحكمة» من المترجمين الأوائل كان دقيقًا ولمّاحًا.. دقيقًا لأن الحكمة نوع من التأمل في الأشياء بالدرجة الأولى التي تعطي انطباعًا عميقًا بقوة هذا الحكيم المتفلسف .. ولكن أولئك الذين جعلوا كلمة «الحكمة» كترجمة مقاربة للفلسفة يعرفون تلك الحمولات الدينية لكلمة الحكمة بالتأكيد حين تحدث القرآن في مواضع كثيرة عن الحكمة فعلى سبيل المثال يقول الله عز وجل في كتابه: «واذكروا نعمة الله عليكم وما أنزل عليكم من الكتاب والحكمة»، ويقول «ويعلمكم الكتاب والحكمة»، وفي آيتين أخريين: «ويعلمهم الكتاب والحكمة»، فعطف الحكمة على الكتاب .. ويذكر الكثير من المفسرين الرواد واللاحقين بأن الحكمة هي السنة أو النبوة ..
فهاهي الحكمة في اللغة العربية تحمل المعنيين اللذين افتعل فيهما اللاحقون تلك الخصومة التاريخية التي حاصرت التفلسف بسبب بعض معطياته فهي تعني السنة والنبوة .. وفي السياق العربي الفكري تعني: الفلسفة.
ولعل أهم الأحداث المتعلقة بكلمة الفلسفة اليونانية هي وصف لقمان المذكور في القرآن بأنه فيلسوف طبقًا للمرويات اليونانية .. وهو نفسه الذي يسميه العرب حكيمًا فهو الفيلسوف الحكيم .. بل في رأي كثير من علماء الإسلام نبي .. في صورة مبكرة جدًا للصداقة التي عقدتها كلمة «الحكمة» بين أتباع الديانات والفلسفة، فهذا الحكيم حسب تعبير العرب والمسلمين هو الفيلسوف، حسب رأي اليونانيين .. وهو نفسه النبي حسب اختيار بعض علماء الإسلام، فلم تجد الحكمة المبكرة في فلسفتها مشكلة في التفلسف .. ولم تتخل يومًا عن حكمتها الدينية في إتباع النبوة.
في قرينة شبيهة، ينقل الشهرستاني في كتابه «الملل والنحل» بأن الحكماء السبعة الذين أسسوا للفلسفة اليونانية، وكان آخرهم أفلاطون، بينما كان أولهم وسيدهم «هرمس العظيم» والذي ينقل الشهرستاني حكايةً بأن هرمس هذا هو النبي «إدريس» عليه السلام، ثم ينقل عنه حكمه وأقواله وتؤكد المرويات عنه تعظيم حق الله سبحانه وتعالى والخضوع له وطاعته وتوحيده .. لتكون بهذا النبي (الفيلسوف) بداية الحكمة الدينية، والفلسفة الدنيوية.
وفي موضع آخر، يؤكد الشهرستاني بأن أولئك الحكماء السبعة سادة الفلسفة اليونانية وروادها يقوم كلامهم في الإلهيات على توحيد الله وإحاطة علمه بالكائنات.. ثم يشتكي الفيلسوف الذكي الشهرستاني إغفال المتعلمين والكتاب هؤلاء السادة الفلاسفة من الدراسة الإسلامية إلا «نكتة شاذة نادرة ربما اعترت على أبصارهم وأفكارهم وأشاروا إليها تزييفا»، على حد تعبيره.
كل تلك الإشارات التاريخية حول «الحكمة» تقود إلى صداقة بين النبوة والسنة (المعنى الأول للحكمة في السياق العربي) من جهة وبين الفلسفة (المعنى الثاني لها) من جهة أخرى وهي الكلمة نفسها التي استخدمها الفيلسوف ابن رشد للفلسفة.. وكانت شخصية ابن رشد نفسه اتصالًا نموذجيًا يقدم الفقيه المجتهد صاحب بداية المجتهد.. والفيلسوف المفكر .. صاحب فصل المقال وتهافت التهافت في قالب واحد.
الحكمة إذًا، كأي مجال علمي.. لا تصوغه مقولة واحدة .. ولا يقوم عليه عقل واحد .. اشتغلت عليه أجيال اختلفت ثقافةً ودينًا .. ومعطيات، وليس من حق أحد أن يحرم منها الناس .. بحجة خصومة بعض دارسيها للنبوات .. وليس من حق الناس أن ينسوا ولاء الحكمة (الفلسفة) للحكمة (النبوة والسنة).


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.