يُقال انّ كل إنسان يرتدي قناعا يُخفي وراءه شخصيته الحقيقية والتّي دائما هي خليطٌ من الغضب والسعادة والحزن والفرح , وكل فرد منّا يظل مُحافظا على هذا القناع فيتظاهر بالحكمة والحلم والمثالية . ولكّن هذا القناع سرعان ما يتلاشى مع أي ضغوط قوية يتعرض لها الشخص فيذهب القناع ويظهر (الطبع) الحقيقي على صورة غضب عارم أو حزن عميق أو فرح مجنون . وتختلف نُوعية الضغوط وحَجمها والتّي تكون كافية لإزالة ذلك القناع المِثالي وظهور الوجه الحقيقي والذي يورث الندم والخجل ... كان موسى عليه السلام قوي الجسم مهاب الطلعة سريع التأثُر لاسيما في نُصرة المظلوم ويظهر ذلك جليا في حادثة قتل الرجل المصري عندما استنْجد به الإسرائيلي , ورغم ذلك فأن نبيّ الله موسى كان مُستعدا لنصرة الإسرائيلي في اليوم التالي رغم علمه ان صاحبه الاسرائيلي غوِيٌّ مُبين , ورغم علمه بعواقب فعلته وعظم بطش فرعون وجنوده !!. وفي المقابل عندما أراد الله سبحانه وتعالى أن يبعث موسى إلى فرعون ، فيوصيه بأن يكون لين الجانب حسن القول ( فقولا له قولا لينا ) وان يتخلى عن (طبيعة) الغضب والقوة . كانت للخليفة معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه ارضٌ تجاور أرضا لعبد الله بن الزبير رضي الله عنه ؛ فدخل رعاة معاوية بماشِيتهم إلى ارض ابن الزبير فغضِب غضبا شديدا وكتب من عبد الله بن الزبير إلى معاوية ابن أكلة الأكباد !! أما بعد فإنّ غِلمانك قد دخلوا ارضي فأمرْهم بالخروج أو ليكونَنّ لي معك شأن . فأخذ معاوية الخطاب وعرَضه على ابنْه يزيد يطلب مشورتَه فقال له أرسل له جيشا يأتيك برأسِه !! فكتب معاوية من معاوية إلى عبد الله بن الزبير ابن ذاتِ النطاقين , أمّا بعد فوالله لو كانت الدنيا بيني وبينك لسلمْتَها إليك وإذا وصَلك كِتابي فخُذ مزرعتي إلى مزرعتِك وغِلماني إلى غِلمانِك ..فردّ عليه ابن الزبير من ابن الزُبير إلى خليفةِ المسلمين !! إما بعد لا أعدَمك الله حِلما أحَلّك في قُريش هذا المَحل . وعندما تَحين وفاة مُعاوية يُوصي ابنه يزيد فيقول له أمّا ابن الزُبير فخَبٌّ ضَب فإذا أمكنك الله منه فأقْتُله !! ورويَ عن الملكِ فهد يرحمه الله قِصة مفادها ؛ أنه عنْدما كان في زيارة لإحدى المناطق وفي الحفل الخطابي تمّ الافتتاح بالآيات التالية ( إنّ المُلوك إذا دَخلوا قريةً أفسدُوها وجعلوا أعزة أهلها أذلة ) فلم يبدِ الملك انزعاجا او تَغيُرا في ملامحه ؛ ولكن بدأ هرج ولغْطٌ بين إفراد حاشية الملك وبذكائهِ المعْهُود لاحظ ذلك الارتباك فسألهم ماذا هُناك فاخبروه عن مغْزى الآيات وهل يُقصد بها شئ ما ... فتبسّم رحمه الله وقال هذه الكلماتُ قالتْها الملِكة بلقِيس في خير ملوك الارض سيدنا سُليمان وموجودة في كِتاب الله منذُ أربعة عشر قرنا والمُشكلة ليست في القارئ أو اختياره ولكن في عُقولِكم وطريقة تفْكيركم ..وفي المقابل هناك حِكاية يتداولها الكثير عن طرْد الملك فهد للسفير الامريكي الذي طالب بتفتيش المنشات السعودية بعد الصفقة النووية مع الصين الشعبية . وعملية الطرد تمت مُباشرة عندما شعَر رحمه الله بأن هناك تدخل سافِر على حِساب الكرامة ولم يهتّم كثيرا بما قد يترتب عليها من عواقِب وتصرّف ( بطبيعة ) الرجل العربي المسلم الذي لا يساوم على المبادئ والكرامة بعيدا عن دهاليز السياسة . ويُحكى آنّ سيدا غضِب على خادمه غضبا شديدا فقال له الخادم والكاظمين الغيْظ فقال كظمتُ غيظي قال الخادم والعافِين عن الناس قال عفوت عنك فقال والله يحب المحسنين فقال له سيِّده اذهب فأنت حُرٌ لوجه الله !!ولعلّنا نخْتم بأمثلة لخير الخلق أجمعين الذي جعل الله من طبعه وتطبعه شيئا واحدا فيقولُ عن نفْسه ( أدبني ربِي فأحسن تأديبي ) ويقول تعالى عنْهُ ( فبما رحمة من الله لنت لهم لو كنت فظا غليظ القلب لانفضُّوا منْ حولِك ) ويقول له ( ادع إلى سبيل ربك بالحِكمة والمَوعظة الحَسنة وجادلْهُم بالتّي هيَ أحسن ) .... وعندما يُمكِّنه الله من أعدائه الذين ضربُوه وعذّبوه وطَردُوه وقتلوا أقارِبَه وأصحابَه فيقولُ لهم اذْهبوا فانتم الطُلقاء !! ويقول صلى الله عليه وسلم في رسالة لآُمَّتِه( ليس الشديد بالصرعة ولكنّ الشديد من امسَك نفْسه عند الغضَب ).... وإذا كنا هنا نطلق مصطلح التطبع بأخلاق القران وقِيَمَهُ فأنّ الله سبحانه وتعالى قد أبدل كلمة التطّبُع بكلمةٍ أكثرُ جمالاً وأعظمُ بلاغةً في إيصالِ المفهومِ الّذي نتحدّثُ عنْهُ وهي كلِمة (لِباس التّقوَى ) قال تعالى ( يا بَني آدمً قدْ أنْزلنا عليكُم لِباسا يُواري سَوأتِكم وريشا ولِباس التّقوى ذلك خير ) .