ما أسرع الإدانات التي صدرت من مختلف دول العالم شرقه وغربه شجبا للعدوان الإسرائيلي على قافلة المساعدات الإنسانية "الحرية لغزة" فجر أمس لكن الكل أيضا أرجأ قراراته من الأطراف المعنية, فالعرب يعولون على الدور التركي وأنقرة بدورها ألقت الكرة في ملعب المجتمع الدولي الذي قال كلمته ممثلة في قرار مجلس الأمن صباح اليوم لكن التفسيرات- كالعادة- تعددت لهذا القرار مما يفقده أي فاعلية على أرض الواقع. الكلمة الفصل في الرد على العدوان لم تصدر بعد- لا من العرب ولا من تركيا- وإن بدت بوادرها. فتركيا قررت إعادة النظر فى علاقاتها التجارية مع إسرائيل. وقال وزير الدولة للتجارة الخارجية التركي ظافر شاغليان إن النهج غير الإنساني وإرهاب الدولة، الذى مارسته إسرائيل في هذا الهجوم قد يؤدى الى مراجعة جميع جوانب العلاقات التجارية بين تركيا وإسرائيل دون النظر الى حجم التبادل التجاري مع إسرائيل أيا كانت ضخامته. وقال شاغليان: "إننا نبذل كل ما في وسعنا لزيادة حجم التبادل التجاري مع مختلف دول العالم لكن لاشئ يعلو فوق قيمنا الوطنية والأخلاقية". وبلغ حجم التبادل التجاري بين تركيا وإسرائيل 5ر2 مليار دولار العام الماضي. لكن ليست التجارة كل شئ فهناك أوراق كثيرة في يد تركيا ليس أقلها العلاقات العسكرية وقبلها وبعدها العلاقات الدبلوماسية. لهذا يعقد رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان اجتماعا مصغرا لمجلس الأمن القومي التركي غدا لبحث الهجوم الإسرائيلي. يشارك في الاجتماع الوزراء الأعضاء في مجلس الأمن القومي وهم نواب رئيس الوزراء الثلاثة جميل شيشيك وبولنت آرنج وعلى بابا جان ووزراء الخارجية والدفاع والداخلية والعدل ورئيس هيئة أركان الجيش الجنرال ايلكر باشبوغ ورئيس جهاز المخابرات ومدير الأمن العام وقادة القوات المسلحة إلى جانب مستشار رئاسة مجلس الوزراء أفكان ألا . وذكرت مصادر بمجلس الوزراء التركي أن الاجتماع سيناقش بالتفصيل الاعتداء الإسرائيلي على قافلة أسطول الحرية وتطوراته والخطوات التى تتخذها تركيا فى هذا الشأن . وكان أردوغان عقد في وقت سابق اليوم اجتماعا للغرض نفسه، ضم نائب رئيس الوزراء جميل شيشيك ووزير الدفاع وجدى جونول ونائب رئيس هيئة أركان الجيش الجنرال أصلان جونار ورئيس جهاز المخابرات هاكان فيدان، ولم ترشح عنه قرارات محددة على الرغم من أن العرب يعولون على الدور التركي. ففي القاهرة اعتبر عمرو موسى الأمين العام لجامعة الدول العربية أن تركيا أصبحت شريكة للعرب في ضبط الأمور في المنطقة، والتصدي للهمجية التي تمارسها قوات الاحتلال الإسرائيلية. وقال موسى- في تعليق له على كلمة السفير التركي لدى القاهرة حسين عوني، التي ألقاها في افتتاح مجلس الجامعة العربية على مستوى المندوبين الدائمين لمناقشة الهجوم الإسرائيلي على أسطول الحرية- إن هذا الاجتماع يمثل نقطة تحول تاريخية، حيث يشارك فيه سفير تركيا بالقاهرة بناء على قرار إجماعي من المجلس بدعوته، تنفيذا للرغبة التركية بأن تطرح الأمور المتعلقة بالأزمة ونطلق تعاونا عربيا تركيا فى هذا الإطار. وأعرب عن أمله في أن يكون حضور السفير التركي للاجتماع بداية لتعاون مستمر بين الجامعة العربية العربية ودولها وبين تركيا الدولة الصديقة والشقيقة والجارة في أمور تهمنا جميعا وتمثل قضية حيوية للمنطقة بأكملها. وقال موسى إن تركيا تتفهم الموقف في الشرق الأوسط مثل ما نفهمه ورأت بعينها الجريمة التي ارتكبتها قوات الاحتلال الإسرائيلية إزاء مجموعة من المدنيين الذين كانوا يحملون الدواء والغذاء دون أى أسلحة أو مدافع لمساعدة أهل غزة. وقال موجها حديثه إلى السفير التركي "أصبحتم شركائنا في ضبط الأمور والوقوف أما هذه الهمجية التي تمارسها قوات الاحتلال الإسرائيلي". وأضاف: "حضوركم معنا سيكون هو نمط العمل المشترك من الآن فصاعدا". لكن تركيا قذفت بالكرة في ملعب المجتمع الدولي. فالسفير حسين عوني بوطعنالي سفير تركيا في القاهرة - قال في كلمة ألقاها اليوم خلال الجلسة الافتتاحية لمجلس الجامعة العربية لبحث الاعتداء الإسرائيلي على أسطول الحرية- إن هذا الهجوم والعدوان الذي حدث في البحر المتوسط، يعد انتهاكا لسيادة جميع الدول والمجتمع الدولي ككل، مشددا على أنه ليس موضوعا بين تركيا وإسرائيل ولكن مع العالم كله. وقال إن تركيا قررت إرجاء التدريبات العسكرية مع إسرائيل وكذلك إلغاء الأنشطة الثقافية مع إسرائيل ولاسيما مباراة كرة القدم مع فريق الشباب. وتابع قائلا: "لم تصلنا أي معلومات عن هوية الأشخاص الذين قتلوا أو أصيبوا، سواء من الأتراك أو غير الأتراك، لافتا إلى أن أحد أعضاء القافلة طفل يبلغ من العمر عاما واحدا ، حيث تم إعادة هذا الطفل إلى تركيا فورا. وأضاف السفير التركى أن المجتمع الدولى لابد ان يتخذ عدة قرارات هامة ، أهمها حث إسرائيل على الالتزام بقواعد الانسانية وأن تعاد السفن للدول التي تنتمي إليها ، وتحصل أسر الضحايا على جثث أبنائها بجانب التعويض الكامل، بالإضافة إلى رفع الحصار عن قطاع غزة. لكن أول خطوة لرفع الحصار ينبغي أن تكون عربية. فهل يفعلها العرب بقرار جماعي؟! مجلس الجامعة العربية بحث اليوم تطورات الأوضاع في ضوء نتائج قرار مجلس الأمن ومجلس حقوق الإنسان ويتم الإعداد لاجتماع وزراء الخارجية العرب الذي سيعقد مساء غد الأربعاء. وقال السفير بركات الفرا مندوب فلسطين لدى الجامعة العربية وسفيرها في القاهرة: "إنه من المتوقع أن يعمل وزراء الخارجية العرب في اجتماعهم غدا على اتخاذ قرارات عملية وواضحة لرفع الحصار عن قطاع غزة، والاستفادة من الزخم والتعاطف الذي أحدثته هذه الأزمة، وأن تكون قرارات تتلائم مع الحدث ومع كونها صادرة عن أمة عظيمة وصلبة كالأمة العربية". مصر فتحت النافذة للعرب بفتح معبر رفح. فهل هي حمرة الخجل من الإدانات العالمية للحصار أم أنها مقدمة لمرحلة عنوانها يجب أن يكون رفع الحصار عن الشعب الفلسطيني المحاصر في قطاع عزة أو كسره؟!. عمرو موسى الدبلوماسي العرب الأول قال عقب اجتماع مجلس الجامعة العربية على مستوى المندوبين: "إن هذا الحصار مرفوض من دول العالم كلها ، ويجب أن يرفع أو يكسر، وهناك محاولات عالمية جارية حاليا لتحقيق ذلك ، فلايمكن العمل على تجويع الناس ثم يطلب السكوت عن ذلك". أما إدانات المجتمع الدولي وقراراته أيضا فتصطدم دائما بحائط الصد الأمريكي دفاعا عن إسرائيل. في بروكسل، دعا الأمين العام الجديد لحلف شمال الأطلسى (الناتو) أندرياس فوج راسموسين إسرائيل للافرج فورا عن السفن والاشخاص الذين تحتجزهم، وذلك عقب الاجتماع الطارىء الذي عقد بناء على طلب من تركيا. لكن واشنطن ترفض في مجلس الأمن إجراء تحقيق مستقل للهجوم الإسرائيلي. وقال السفير اليهاندرو وولف نائب المندوبة الأمريكية الدائمة لدي الأممالمتحدة "إن بيان مجلس الأمن بشأن الحادث واضح، وأن قراءتنا له تختلف عن قراءة رئيس المجلس له". وقال "إننا مقتنعون ونساند إسرائيل في قيامها بإجراء تحقيق حول ما حدث، ونحن واثقون تماما من قدرة إسرائيل على إجراء تحقيقات ذات مصداقية وشفافة وفورية". ودعا السفير الأمريكي إلي عدم القفز إلي نتائج مسبقة قبل منح الحكومة الإسرائيلية الفرصة لإجراء تحقيقاتها الشاملة، نافيا مرة أخري أي غموض في نص البيان الذي أصدره مجلس الأمن بشأن الحادث. وأكد رئيس مجلس الأمن السفير كلود هيلر مندوب المكسيك الدائم لدي الأممالمتحدة اليوم- الذى تسلمت بلاده رئاسة المجلس للشهر الجارى- أن بيان أعضاء مجلس الأمن بشأن العملية العسكرية الإسرائيلية ضد قوافل الإغاثة يشير بوضوح إلى ضرورة إجراء تحقيق دولى شفاف ومحايد. وأوضح أن البيان يدين إسرائيل لاستخدامها القوة ضد المدنيين علي ظهر سفن الإغاثة، ونظرا لوجود ادعاءات بشأن المتسبب فى اندلاع أعمال العنف، فنحن بحاجة إلى اجراء تحقيقات دولية ومحايدة تفصل فى كل ذلك. وردا على سؤال بشأن موقف الأمين العام للامم المتحدة بان كى مون وعما اذاكان يقصد ببيانه الذى أصدره اجراء تحقيقات اسرائيلية أم دولية ، قال رئيس مجلس الأمن إنه يعتقد أن الأمين العام طالب بنفس ما أكد عليه بيان المجلس، وهو اجراء تحقيقات دولية ومحايدة. لم يأت قرار مجلس الأمن على وضع نهاية للحصار ولم يطالب عدم تكرار مثل هذه الأعمال. لكن هذه الدعوة جاءت من البرلمان الأوربي الذي دعا إسرائيل إلى فتح المعابر لتدفق المساعدات الإنسانية إلى قطاع غزة. وطالب بعض النواب الأوربيين الاتحاد الأوربي إلى تجميد علاقاته مع إسرائيل حتى انتهاء هذه التحقيقات وكذلك وقف الإجراءات المتخذة في الوقت الحالي لانضمام إسرائيل إلى عضوية منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية. لكن كل هذا يأتي في إطار المطالبات ليس إلا أما الفعل فإن غدا لناظره قريب.