اليوم الوطني مناسبة عزيزة تتكرر كل عام نتابع فيه مسيرة النهضة العملاقة التي عرفها الوطن ويعيشها في كافة المجالات وهذه النهضة الفريدة من نوعها المتقدمة، فاليوم الوطني تاريخ كله إنجازات وريادة إذ يجسد مسيرة جهادية طويلة خاضها البطل الموحد المغفور له الملك عبد العزيز طيب الله ثراه ومعه أبطال مجاهدون هم الآباء والأجداد - رحمهم الله جميعاً- في سبيل ترسيخ أركان هذا الكيان وتوحيده... تحت راية واحدة "راية التوحيد". إن هذه المناسبة ضرورة من ضرورات استذكار فكر اليوم الوطني لمملكتنا الغالية، والذي يصل بنا إلى عهدنا الزاهر اليوم بقيادة خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود وسمو ولي عهده الأمين صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن عبدالعزيز آل سعود وهي القيادة التي تتمتع بخصوصية لم تتسن لغيرها، من حيث إنها الأقدر استثمارا لفرص الواقع على الصعيد السياسي والاقتصادي والاجتماعي ، فمواقف القيادة السعودية اليوم مواقف تستند إلى فكر الإنسانية وبعمق تقديرات العدل والحق والمساواة والمكاشفة والإصلاح، فسجلت هذه القيادة في زمن قياسي إنجازات رائدة ذات مدلولات طويلة الأمد، حيث اختصرت مسافات الزمن نحو التحقيق الفعلي لإنجازات ومبادرات تحققت اليوم في هذا العهد الزاهر وفي شتى المجالات وعلى كافة الأصعدة. فالمتتبع لهذه الإنجازات ومنها على سبيل المثال الخدمات الصحية والتي بدأت مع توحيد المملكة على يد المغفور له بإذن الله الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود طيب الله ثراه عام 1319ه، لقد ارتكزت هذه الخدمات قبل توحيد المملكة على الموروثات من الطب الشعبي ، ثم تطورت لاحقاً من وحدة صغيرة للخدمات الصحية في مكةالمكرمة وتدرجت في التطور حتى وصلت إلى ما هي عليه اليوم، لقد وصلت إلى المستوى الرفيع الذي جعل الكثير من مستشفيات المملكة مستشفيات مرجعية للكثيرين من مواطني الدول الشقيقة المجاورة والدول الصديقة، صار التطور مطرداً، وازدادت المستشفيات، وانتشرت مراكز الرعاية الصحية الأولية بأحياء المدن والقرى والهجر والبادية، تقدم أفضل الخدمات العلاجية والوقائية والتطويرية والتأهيلية، كما انتشرت معاهد التدريب من كليات طب ومعاهد صحية تزود المستشفيات والمراكز الصحية بأرفع الكفاءات الوطنية العليا، والكوادر الفنية القادرة بإذن الله على فهم واستعمالات التقنية الطبية الحديثة، لقد أصبح الاهتمام بالوقاية يسير على قدم وساق مع الاهتمام بالعلاج، فكانت العناية بالأطفال والأمهات والشباب والمسنين، فنشطت برامج التحصين الموسع والتغذية والثقافة الغذائية والتوعية الصحية ومكافحة الأمراض في كافة مناطق المملكة، وأصبحت مراكز الرعاية الصحية الأولية ذات دور فعال في خدمة المواطن والمقيم بالقرب من سكنه ومكان عمله. إن تطور القطاع الصحي في المملكة، انطلق من رؤية ورسالة صحية سديدة واضحة المعالم تمثلت في أن صحة المواطن حق مشروع لكل مواطن على ثرى هذا الوطن المعطاء وأن صحة الأمة أمر لا يتنازل عنه فقد بذلت كافة الجهود والخطط الاستراتيجية لتوفير الرعاية الصحية الشاملة والمتكاملة الوقائية والعلاجية والتأهيلية والتعزيزية، بما يتماشى مع مبادئ الشريعة الإسلامية وأخلاقيات المهن الصحية، وبما يحقق رضا المستفيدين من المراجعين والمرضى وأسرهم ومجتمعهم من الخدمات الصحية، وذلك من خلال رفع مستوى الوعي الصحي وتحقيق العدالة في توزيع الخدمات الصحية كماً ونوعا على مختلف مناطق المملكة. لقد أضحت الخدمات الصحية في المملكة اليوم محل تقدير وإشادة المتابعين والمهتمين بها، ليس على المستوى المحلي فحسب، بل حتى على المستوى الإقليمي والدولي، وصنفت منظمة الصحة العالمية الخدمات الصحية للمملكة، في مصاف الدول المتقدمة من حيث المستوى المتطور، الذي وصلت إليه أنظمة الرعاية الطبية وأساليب الخدمات الصحية المعمول بها ، لقد سعت الدولة أعزها الله جاهدة إلى تحديث القطاع الصحي وتطويره، بالشكل الذي يحقق رضا الله سبحانه وتعالى ثم رضا المواطن السعودي الكريم، حيث جاء الاهتمام في المقام الأول، بالصحة العامة ومكافحة الأمراض، وتحقق تبعاً لذلك عدد من الإنجازات الصحية الطموحة في عهد خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز، التي من بينها على سبيل المثال لا الحصر مشروع إنشاء وتجهيز 2000 مركز صحي للرعاية الصحية الأولية واعتماد مقامه الكريم أكثر من سبعة مليارات من الريالات لتنفيذ ها المشروع الطموح واعتماد الكادر الصحي الجديد وتكثيف الإنفاق على هذا القطاع وزيادة الاعتمادات المعززة للصحة مع تنمية إسهام القطاع الصحي الخاص في تحقيق هذا الإنجاز، وإنشاء وتجهيز المستشفيات والمراكز الصحية المعتبرة وتوسعة وتحسين المرافق الصحية القائمة، إضافة إلى مبادرات مقامه الكريم في تطوير القوى العاملة الصحية من الأطباء وهيئة التمريض وفتح العديد من كليات الطب والتمريض والصيدلة في كافة مناطق ومحافظات المملكة بصورة غير مسبوقة ، وغيرها من المبادرات التي تؤكد على النقلة النوعية التي تشهدها الخدمات الصحية في مملكتنا الحبيبة كما ونوعا والحمد لله . إن المملكة العربية السعودية لم تعد فقط من الدول الخليجية ذات السمعة المتميزة فيما يتعلق بالخدمات الصحية، بل أصبحت نموذجاً يُحتذى به فيما يتعلق بهذه الخدمات والمبادرات ذات الصلة وذلك على الصعيد الإقليمي والدولي... وأود هنا وفي هذا السياق أن أنوه بالنهضة الشاملة التي تعيشها المملكة ولله الحمد في جميع مناحي الحياة وفي مقدمتها النهضة الصحية المباركة. كما أود التنويه بالوعي الصحي المتنامي الناتج عن حملات التوعية الصحية والمردود الإيجابي لذلك على المؤشرات الصحية والمعايير الصحية التي ترصدها جميع المنظمات الإقليمية والدولية وحصول العديد من المرافق والمنشآت الصحية الطبية في المملكة على شهادات الاعتماد الدولية من المنظمات والمؤسسات مثل JCI وغيرها ، كما أن الاستراتيجيات الصحية الموضوعة والحملات الصحية قصيرة وطويلة الأمد تعكس مدى اهتمام القيادة الرشيدة للدولة والقائمين على الصحة بهذا القطاع الحيوي الذي يعد أحد الركائز الرئيسية للتنمية، وأضحت ولله الحمد مناراً يهتدي له البعيد قبل القريب والقاصي قبل الداني ويشار إليها بالبنان وأن هذا لم يكن ليأتي إلا بفضل من الله سبحانه وتعالى ثم بالجهود الحثيثة التي تقوم بها حكومة خادم الحرمين الشريفين أيده الله ثم الدور الريادى لوزارة الصحة ولله الحمد نحو تذليل المصاعب والعقبات لهذه النهضة الصحية التنموية حتى أثمرت وأينعت ثمارها وهانحن اليوم نرى نتاج هذه الأعمال مصابيح تنير الطريق وترسم المستقبل نحو استراتيجيات صحية متطورة وخطط وبرامج صحية مقننة ومتميزة... وتُعد المملكة ولله الحمد من الدول السباقة دائماً في جميع القضايا المتعلقة بصحة الإنسان في المنطقة، حيث أرست المملكة توجهاً جديداً كما ذكرت آنفاً من خلال استراتيجية الوزارة وهي "المريض أولاً" انطلاقاً من الكلمة التاريخية لخادم الحرمين الشريفين حفظه الله والتي يقول فيها "لاشيء يغلى على صحة المواطن" علاوة على تبني الوزارة برامج صحية متطورة وأنظمة لا نسمع عنها إلا في الدول المتحضرة... إن كل ذلك لم يكن ليتحقق إلا بفضل من الله سبحانه وتعالى ثم بالرؤية الثاقبة والنظرة الموضوعية والتخطيط الاستراتيجي الهادئ المبني على أسس علمية ومنطقية راسخة وهو ما يميز قادة هذه البلاد وحكمة الأسرة المالكة على مر العصور الماضية الحافلة بالعديد من الإنجازات المشرفة التي تعدت المملكة العربية السعودية إلى العالمين العربي والإسلامي مما يسطر صفحات مشرقة تدعو للفخر والاعتزاز وحفرت مكانة دولية مرموقة لهذا البلد المعطاء. فالحمد لله رب العالمين... الحمد لله الذي أنعم على بلادنا الغالية بولاة أمر يسهرون على راحته وأمنه واستقراره ... إن ماتشهده بلادنا من تطور وازدهار في كافة المجالات وأخص هنا المجال الصحي ليمثل مجداً حضارياً يحق لنا جميعاً أن نفخر به وبقيادتنا الرشيدة وبمليكنا خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز آل سعود - ملك مملكة الإنسانية وولي عهده الأمين وسمو النائب الثاني حفظهم الله . وبهذه المناسبة الغالية فإنني آمل أن تبرز تجربة المملكة العربية السعودية للمجتمع الدولي كإحدى النماذج الناجحة في تاريخ الأمم وإبراز ذلك النهج الذي تستند المملكة في سياستها الداخلية القائمة على مبادئ الإسلام الحنيف وكذلك في علاقاتها الدولية المستمدة من تراثنا وحضارتنا واحترام مبادئ حقوق الإنسان في أسمى معانيها. كما أنها الفرصة الثمينة بأن نغرس في نفوس النشئ معاني الوفاء لأولئك الأبطال من الآباء والأجداد الذين صنعوا هذا المجد لهذه الأمة فيشعروا بالفخر والعزة ونغرس في نفوسهم تلك المبادئ والمعاني التي قامت عليها هذه البلاد منذ أن أسس وأرسى قواعدها الملك عبد العزيز يرحمه الله... ونعمق في روح الشباب معاني الحس الوطني والانتماء إلى هذه الأمة حتى يستمر عطاء ذلك الغرس المبارك. إنني أتطلع في هذه المناسبة أن يسهم أفراد الأمة باستشعار أهمية المناسبة وأن تبذل كل القطاعات العامة والخاصة في إظهار تلك المناسبة بما يتلاءم مع سمو الحدث، فلا بد من مسابقات من طلبة المدارس والأجهزة الإعلامية وإقامة العديد من المهرجانات والتمثيليات والأفلام التي تحكي قصة قيام هذا الكيان الكبير. ولابد من عمل استعراضات بين الطلبة والقوات المسلحة ونأمل أن ُيبرز دور المرأة وما حققته من تقدم علمي وفكري واجتماعي وإسهام حضاري من خلال مشاركتها وإسهامها في برامج التنمية وأعمال الجمعيات الخيرية. وفق الله الجميع في رسم تلك الصورة الحضارية والتي خرجت فيها الجزيرة من أمم جاهلة متناحرة إلى أمة موحدة قوية في إيمانها وعقيدتها غنية برجالها وعطاءها وإسهامها الحضاري... فخورة بأمجادها وتاريخها.