صحيفة عناية (متابعات) (د. عبد الحفيظ يحيى خوجة-الشرق الاوسط) متلازمة الساقين غير المستقرتين (Restless Legs Syndrome) أو تململ الساقين، إحدى اضطرابات النوم المزمنة... التي تؤدي إلى الشكوى من صعوبة الخلود إلى النوم. وهي إحساس يصفه المصابون به بشعور غريب وغير مريح يصيب الساقين معا لدى الاستلقاء للنوم بالليل، ويؤدي إلى الرغبة في استمرار تحريكهما، مما يعطي بعض الارتياح قصير الأمد. لكن هذا الشعور المزعج ما يلبث أن يعود بشكل متكرر، بمجرد استقرار الساقين ومحاولة النوم مرة أخرى، مما يضطر المريض في كثير من الأحيان إلى مغادرة الفراش والمشي في أرجاء الغرفة قليلا، أو تدليك عضلة الساقين، فتكون النتيجة الأرق وعدم استقرار النوم، ومن ثم زيادة الخمول والنعاس أثناء النهار. «صحتك» عرضت هذا الاضطراب، الذي يتعرض له خمس أفراد المجتمع تقريبا، بما يحمل من أبعاد صحية واجتماعية مختلفة، على أحد المتخصصين في اضطرابات النوم، الدكتور أيمن بدر كريّم، استشاري الأمراض الصدرية واضطرابات النوم، المشرف على مركز اضطرابات النوم بمدينة الملك عبد العزيز الطبية بجدة، ليوضح لنا أبعاد هذه المشكلة ومضاعفاتها، وكيف يتم التشخيص والعلاج. إن اضطراب تململ الساقين مشكلة تبدأ أعراضها في العشرينات من العمر، أو في سن أصغر لدى أفراد العائلة التي يكثر لديها الإصابة بهذا الاضطراب، وتسوء أعراضه تدريجيا مع التقدم في العمر. ويجد المريض صعوبة في وصف الشعور الذي ينتاب ساقيه لدى الخلود إلى النوم في ساعات الليل، فيشكو من التنميل أو الحكة أو عدم الارتياح، أو الشد العضلي أو الحرارة الكامنة داخل عضلة الساقين، لكنه لا يشكو من الشعور بالألم، وهذا العرض بصفة خاصة إحدى المميزات التي تميز هذا الاضطراب عن غيره من مشكلات المفاصل والعضلات الأخرى. وتشتد هذه الأعراض عند المساء خاصة قبل النوم، أو أثناء فترات الجلوس الطويلة خلال ساعات النهار كما يحصل أثناء السفر الطويل. وتؤدي الحاجة الملحّة لتحريك الساقين بغية المساعدة على التخفيف من الشعور المزعج إلى أرق بداية النوم، وفرط التفكير وتوتر الأعصاب الذي قد يتسبب بحد ذاته في صعوبة النوم، وقد ترتبط هذه المشكلة في 80 في المائة من الحالات ب«اضطراب حركة الأطراف الدورية» (Periodic Limb Movement Disorder) التي تنتاب المصاب أثناء النوم، فتودي إلى تكرر الاستيقاظ والتململ، مما يسبب الإرهاق وفرط النعاس وقلة التركيز أثناء النهار، وحتى الاكتئاب في بعض الأحيان. كما يمكن لمتلازمة الساقين غير المستقرتين أن تؤدي إلى تأرق أحد الزوجين نتيجة لإصابة الآخر بها، حيث يضطر نحو 30 في المائة من الأزواج إلى النوم في سريرين منفصلين، لما تسببه حركة الأرجل المتكررة من إزعاج. القصور الجنسي * ويضيف الدكتور أيمن كريّم أن من الجديد في هذا المجال، اكتشاف علاقة بين المعاناة من متلازمة الساقين غير المستقرتين والإصابة بالقصور الجنسي لدى الرجال، ففي دراسة حديثة أجريت في جامعة هارفارد الأميركية، ونشرت في مجلة «النوم» العلمية، يناير (كانون الثاني) 2010، تبين احتمال وجود آليات مشتركة بين المشكلتين نتيجة اكتشاف العلماء أن العجز الجنسي لدى الرجال (ضعف القدرة على الانتصاب) يزداد بواقع 16 في المائة لدى الرجال الذين يعانون من حركة الساقين غير الإرادية (5 - 14 مرة في الشهر)، في حين يصل إلى 78 في المائة مع تكرار الإصابة بأعراض هذه المتلازمة (أكثر من 15 مرة شهريا). وقد تتعلق المشكلتان بنقص إفراز هرمون «الدوبامين» في الجهاز العصبي، مما قد يؤثر بصورة سلبية على المزاج والأعصاب الطرفية. عوامل خطر الإصابة * أوضح الدكتور أيمن كريم أن هذا النوع من اضطرابات الحركة المرتبطة بالنوم يصيب ما بين 5 و15 في المائة من الأفراد، حسب دراسات إحصائية مختلفة، كما أن 10 من بين كل 100 شخص تقريبا يعانون هذه المشكلة في فترة ما من حياتهم، وترتفع نسبة الإصابة بمتلازمة الساقين غير المستقرتين لدى النساء بشكل أكبر من الرجال، ويعتبر الحمل أحد العوامل المرتبطة بمتلازمة الساقين غير المستقرتين؛ إذ يعاني منها نحو 30 في المائة من النساء أثناء فترة الحمل. وعلى الرغم من عدم وجود سبب علمي واضح، فإن من الملاحظات العلمية تم اكتشاف ارتباط تململ الساقين بنقص الحديد المسبب لفقر الدم (الأنيميا)، وتقدم العمر، والإصابة بمرض السكري، نتيجة لتأثر الأعصاب الطرفية، وقصور وظائف الكلى، وأمراض الروماتزم والمفاصل، إضافة إلى بعض أمراض المخ والأعصاب كمرض باركنسون (الشلل الرعاش). وتساعد بعض السلوكيات الصحية والغذائية كالتدخين، وتناول المنبهات (الكافيين)، وقلة النشاط الحركي، على تفاقم أعراض المتلازمة. ومن الضروري التنبيه على أن أعراض متلازمة الساقين غير المستقرتين، قد تظهر بشكل ثانوي تبعا لمرض انقطاع التنفس أثناء النوم، وتختفي بمجرد تشخيص وعلاج المرض الأساسي. التشخيص والعلاج * يقول الدكتور أيمن كريم إنه يمكن تشخيص المشكلة بالعرض على طبيب الأعصاب أو اضطرابات النوم، وأخذ التاريخ المرضي بدقة، واللجوء في بعض الحالات إلى دراسة النوم المختبرية لتسجيل حركة الساقين، وتشخيص انقطاع التنفس أثناء النوم الذي يرتبط بهذه الحالة، كما تقدم. ومن وسائل العلاج، الحرص على إجراء تمارين خفيفة لعضلة الساقين بشكل يومي، أو الانخراط في برنامج للعلاج الطبيعي، وتجنب الحرمان من النوم، وعدم تناول الكافين والمواد الكحولية والأدوية المساعدة على ظهور الأعراض كبعض علاجات الاكتئاب. ومن الضروري علاج فقر الدم - في حالة وجوده - بمركبات الحديد، وعلاج متلازمة انقطاع التنفس أثناء النوم، للتخفيف من اضطراب الساقين، إلا أن في كثير من الحالات يتم اللجوء إلى أدوية الأعصاب الطرفية الحسيّة، كدواء «براميبكسول»، وغيرها من علاجات مرض باركنسون، إضافة إلى بعض العلاجات المهدئة ومضادات الألم كدواء «هايدروكودون»، أو مضادات الصرع كدواء «جابابينتين»، لكن هذه الأدوية يجب صرفها ومتابعة تأثيراتها بصورة دقيقة ودورية من الطبيب المختص. ويجب التنويه إلى أن متلازمة الساقين غير المستقرتين من المشكلات المزمنة والمزعجة، لكن شدتها تخف في بعض الأحيان دون أي علاج محدد، قبل أن تعود من جديد، مما يؤدي إلى تجاهلها من قبل كثير من المرضى والأطباء على حد سواء. وأوصى الدكتور أيمن كريم، في ختام هذا اللقاء بإجراء مزيد من الدراسات المحلية، لإلقاء الضوء على مشكلة تململ الساقين، بوصفها واحدة من اضطرابات النوم المختلفة التي يعاني منها عدد غير قليل من الناس، ولفت إلى أن غياب الإحصاءات الدقيقة في المجتمعات العربية، وانخفاض الوعي بها لدى فئتي الأطباء والمرضى على حد سواء، يجعل من تشخيصها وعلاجها أحد التحديات على المستويين الطبي والاجتماعي. * متلازمة الساقين غير المستقرتين تصيب 18 في المائة من السعوديين * في دراسة أولية، تم تقديمها ومناقشتها كبحث تخرج للطالبتين دعاء الشريف وغيداء الجهني من قسم العلاج الطبيعي بجامعة الملك عبد العزيز بجدة، طبقت على عينة من أفراد المجتمع السعودي، تبين أن 18 في المائة منهم يتعرضون إلى أعراض متلازمة الساقين غير المستقرتين بشكل متكرر. وشملت الدراسة الأولى من نوعها في المجتمع السعودي التي أجراها فريق من الدارسين، برئاسة الطبيب أيمن كريم ومشاركة الطبيبين بدر الغامدي وأحمد أبو لبن، شملت 418 رجلا وامرأة، بلغ متوسط أعمارهم 30 عاما، وقد أظهر الاستبيان الاستقصائي ارتفاع الإصابة بأعراض المتلازمة لدى أفراد العينة (18 في المائة)، وذلك مقارنة بالمعدلات العالمية (7.2 في المائة)، الموثقة بدراسات أوروبية وأميركية مشابهة. كما أظهر التحليل الأولي للدراسة أن (57 في المائة) من الأفراد المصابين هم من النساء، وأن نسبة عالية (95 في المائة) يتناولون مشروبات تحوي مادة الكافيين بصورة يومية، في إشارة إلى احتمال تأثير هذه العادة الاجتماعية على زيادة نسبة واشتداد أعراض المتلازمة. الجدير بالذكر، أنه على الرغم من معاناة الأفراد المصابين بهذه الأعراض المزعجة، فإن معظمهم (70 في المائة) تجاهلوا عرض أنفسهم على طبيب للشكوى منها. من جانبه قال الدكتور أيمن كريم: «على الرغم من عدم وجود سبب معروف لمعظم حالات الإصابة بالمتلازمة، فإنها ترتبط بنقص الحديد المسبب لفقر الدم (كما اتضح من إجابة 33 في المائة من أفراد العينة المصابين في هذه الدراسة)، ومرض السكري (11 في المائة من العينة المصابة)، كما تحسنت أعراض المشكلة بشكل ملحوظ لدى (84 في المائة) من أفراد العينة المصابة، عند ممارستهم رياضة المشي، أو انخراطهم في برنامج للعلاج الطبيعي».