طلبت مني والدتي إصطحاب أخي المراهق لراقي لأنها لاحظت عليه تخبط ولامبالاة لم تكن من ديدنه ونزلت لرغبتها كأم ودلتني على أحدهم فذهبت بأخي إليه فوجدت ببابه لوحة كبيرة تضاهي لوحات كبرى العيادات الطبية ووجدته بالداخل يجلس على كرسي وبيده ميكروفون ومرتاديه جلوس على الأرض فيقرأ آيات وينتقل إلى أخرى في سور متفرقة ولايكمل بعضها ويردد البعض ويعلي ويخفض من صوته ولا أدري أهذه صيغ متواترة وعليها أسانيد صحيحة أم أنها إجتهاد منه !!! وما إن انتهى حتى وجّه الجالسين لأحد مساعديه لشراء الماء المقروء عليه وتمت تعبئته في زجاجات بلاستيك مفتوحة مع قنينة عسل وكانت الرسوم طبعاً لاتقل عن مائتي ريال!!! ومن يومها لا أزال لم أستوعب الموقف فلم أكن أتصور أن تتحول الرقيا لهذا الأسلوب ولست بمفتي لأحكم على ما شاهدت. طالعتنا الصحف خلال الفترة الماضية بعدة مقالات عن الرقية الشرعية وطلب البعض بإفتتاح عيادات لها بالمستشفيات وإدعاءات واستشهادات قابلها الطرف الآخر بنفي مصداقيتها وتم خلط الأوراق واستخدمت إستدلالات منها الخاطئ مابين العلاج المطلق بالرقية رغم كل الأدلة الشرعية بالأخذ بالأسباب وطلب التداوي ومابين العلاج الروحاني بالغرب والكهنوتية ، وما يدعوني للإستغراب الطلب بالترخيص في عقر دار المؤسسة العلاجية والإستدلال بشواهد معينة في حياة الرسول صلى الله عليه وسلم وإستخدامها بغرض التعميم مما يخرج ذلك من سياق الحكمة وقصر الرقيا على أناس ربما إستصدروا بعد ذلك تراخيص ففتح عيادة تعني "راقي مرخَص" ومن له حق الترخيص في المؤسسة العلاجية، ألم تكفيهم الساحة الخارجية والطرق التي إستحدثوها في الرقيا والإعلانات واللوحات والكروت الشخصية التي توزع وهي مليئة بالألقاب. ألم نتعلم أن الإنسان منا إن توضأ واتجه بقلبه لربه مخلصاً متذللاً يناجيه بما تيسر له من قرآن ودعاء ونية صادقة وهذه تتحقق غالباً لدى المريض فهو يكون كثير التوبة والإلتصاق بربه يرجو منه الشفاء وربما قرأت الأم على إبنها وقلبها يتلهف لشفائه فتقبل الله منها وربما قرأ الطفل الخالي من الذنوب بعد أن يتوضأ ودمعته على خده طلباً لشفاء أبيه أو أمه وهم على سرير المرض يأخذون بالأسباب فاستجاب الله له، ألا يكون ذلك أصدق من ذلك الراقي الذي يقرأ بالميكروفون ويوزع الماء والعسل بأكثر من سعره مثله مثل الطبيب الذي يحول الطب إلى تجارة فيثقل كاهل المريض ويستربح من ذلك بطريقة منتظمة تخرجه من طلب الثواب إلى زيادة الحساب ومن الإنسانية إلى التجارة بيدَ أن الطب يأخذ بالأسباب ولكن الراقي المتربح يخرج الإخلاص وطلب الثواب من رقياه ويستحدث ماقد يكون بدعة فقد لاتبرح قراءته سقف الغرفة التي إتخذها "عيادة"، ونجد البعض منهم يريدون إحتكارها كمهنة بيد أنها في نظري متاحة لكل من يستطيع قراءة القرآن والأذكار المتواترة في السنة وهو مخلص بغية الثواب فلنتق الله فيما نقول ونفعل. فرصة للتحسين : - إستمرار التوعية الدينية بالمستشفيات في توزيع حصن المسلم وتعليم المريض والأسرة كيف يرقوا أنفسهم وأسرهم مع طلب التداوي وهم على سرير الإستشفاء وحثهم على أذكار المسلم فهي بحد ذاتها رقيا. - عدم الخلط بين العلاج الروحاني المليء بالمغالطات في الغرب مع الكهنوتية واللذان يركزان على تقليل الإحساس بالذنب والتبرؤ من المعاصي وكبت النفس اللوامة وحصول الراحة النفسية الزائفة وبين الرقية الشرعية التي تشحذ الهمَة وتزيد الإتكال على الله والرضاء بما قدر وطلب ثواب الصبر ولا تعارض الأخذ بالأسباب والتداوي بماثبت بالبراهين العلمية " تداووا عباد الله ...." وليس على الإدعاءات بما يشبه الكرامات وربما رُبِطت براقي معيَن أو راقي مرخَص. * استشاري طب المجتمع