صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قال: ((أحب الأعمال إلى الله أدومها وإن قل)) ، وكثيرا ما سمعنا عن المقولة الشهيرة المشابهة لهذا الحديث الشريف والتي تنص على أن : ((قليل دائم خير من كثير منقطع)). نجد أن ما ورد في السياق السابق يتوافق مع الفطرة ويتطابق مع ما نشهده من حقائق على أرض الواقع. فلونظرنا إلى البرامج العلاجية بنظرة تقييم شاملة نجد أنه على الرغم من وفرة الأدوية وشركات تصنيعها وتوفر شركات المعدات التشخيصية والعلاجية إلا أننا نجدها في كثير من الأحيان تنقطع فجأة، وقد ينتهي تاريخ صلاحيتها أو قد ينتهي العمل بتقنياتها دون أن يستفيد منها الكثير من المرضى. وبغض النظر عن كوننا دول مستهلكة لتلك التقنيات، إلا أننا نستطيع وصف وضعية تلك البرامج العلاجية "بالكثير المنقطع". ولومثلنا البرامج الوقائية "بالقليل الدائم" والتي أصبحت ضرورة من ضروريات الحياة في عصرنا الحاضر. وعلى الرغم من قلة الكوادر المختصة وكثرة المعوقات التي تواجه فريق العمل في تلك البرامج الوقائية إلا أنه بقليل من وعي المجتمع وبكثير من مشاركاته نجد نتائجها ومردوها قوي ومؤثر في تحسين سلوكيات المجتمع الصحية وتعزيز صحة شريحة كبيرة من المجتمعات في سبيل الوقاية من الأمراض ومضاعفاتها. وأعني بالوقاية هنا الوقاية بمنظورها المتكامل ابتداء بالوقاية الأولية (أي؛ الحد من حدوث وانتتشارالمرض) والوقاية من الدرجة الثانية (أي؛ الكشف المبكرعن المرض) ووقاية الدرجة الثالثة (أي؛ إعادة التأهيل العضوي والنفسي والمجتمعي للمريض). وقد لا يروق هذا الحديث للكثير من الأطباء الذين اعتادوا في ممارستهم على التداخلات العلاجية والجراحية....!!. ولكن يجدر التنويه هنا إلى أن ما يقوم به هؤلاء المختصون من ممارسات هي في الحقيقة تدخل في نطاق الوقاية إما أولية أو الثانوية أو من الدرجة الثالثة. وبالرجوع لما قد تم طرحه خلال بعض المناقشات في ندوات ومؤتمرات علمية والتي شهدتها مؤخرا مدينة جدة في مجال "الأمراض الوراثية" بتنظيم من قبل مستشفى الولاده الأطفال بجدة وبحضور نخبة من المختصين المحليين والعالميين ومن خلال يوم "التوعية بأمراض الكلى" والذي عقد في مستشفى الملك فيصل التخصصي بجدة. نجد أنه وعلى الرغم مما توصل إليه العلم والعلماء من تقدم وتعقيد في مجالات التشخيص والعلاج إلا أن المتحدثين قد أجمعوا على ضرورة حشد الجهود للوقاية من تلك الأمراض. بل وقد ذكر البعض من المشاركين أن الجديد في مثل تلك الأمراض هو التقليل من معدلات حدوثها أو حتى إجراء التدخلات للحد من انتشارها. ومن هنا نستنتج إجماع المختصين على ضرورة التركيز على الوقاية والتدخل الوقائي للحد من انتشار تلك الأمراض. وفي النهاية سأضع بين أيديكم تلك الأسئلة المفتوحة ألا وهي: هل سيقع الإختيار على القليل الدائم؟ أم سنبقى على الكثير المنقطع؟ أما أنا فسوف أختار القليل الدائم....... وماذا عنكم أنتم سادتي، ماذا تفضلون؟