نقلا عن الوطن السعودية : ارتفعت درجة حرارة المحاضرة التى ألقاها الداعية الدكتور سلمان العودة أول من أمس حول الأسرة والعولمة وأدارها الدكتور عبدالله الجميلي ضمن فعاليات المؤتمر الدولي الثالث للأوقاف المنعقد حالياً بالجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة، عندما شن رئيس قسم الفقه بالجامعة الإسلامية الدكتور عبدالله الشريف هجوماً على العودة متهما إياه بالتأصيل لتصادم حضاري عندما وضع العولمة في دائرة العداء المطلق على حد تعبيره، وزاد فى اشتعال الموقف مداخلة الدكتور محمد الهرفي باتهامه للمجتمع بالتحول لما أسماه ب"ثقافة النفاق"، متسائلاً عن الأسباب التي أدت إلى ذلك. وبدأ الشريف اعتراضه على العودة بقوله: لم أستطع أن أفهم ماذا تريد من هذه المحاضرة؟ منتقداً ما ذهب إليه العودة بتصويره للعولمة على أنها شر كلها، بما يوحي بأن هناك صداماً حتمياً بين العالم الإسلامي وأقطاب العولمة الذين قسمهم العودة للأمركة والأوربة واليابانية والتصين (نسبة للصين)، وتساءل عن ذكر العودة لما تعيشه الأمة من معارك داخلية فكرية أشغلتها عن مواجهة الخطر الخارجي وهل يؤصل ذلك لصدام حضاري؟ وما موقع الثقافة الإسلامية من الثقافات الأخرى؟ هل ستكون مشاركة أم مصادمة؟ أما الأستاذ بجامعة الإمام محمد بن سعود الدكتور محمد الهرفي فانتقد ما رآه "تناقضاً يعاني منه المجتمع السعودي نتيجة العنف الأسري"، مما أدى لوقوعه -حسب قوله - في براثن النفاق، متسائلاً عن السبب في ذلك. وقال معقباً على ما أثير في المحاضرة عن العنف الرجالي ضد المرأة: هناك عنف من النساء ضد الرجال أيضا، وهذه القسوة هي ما جعلنا نسمع بأشياء غريبة مثل الدعوة لأن تتزوج المرأة بأربعة رجال، و"القس السعودي"، وقد نسمع قريباً عن "حاخام سعودي". ولم ينكر العودة ما طرحه الهرفي، ودعم ظهور حالة التناقض في المجتمع بعدد من النماذج والأمثلة منها ما رواه له وفد من تلفزيون الاتحاد الأوروبي الذي ضم نساءً دخلن على القسم النسائي فى أحد المطاعم بالرياض، حيث وجدن الفتيات السعوديات - بحسب قوله - يكشفن وجوههن ويتبادلن صوراً إباحية على هواتفهن الجوالة، وضرب مثالاً آخر بما يلحظه في الطائرة وهي تغادر المملكة، حيث يتخلص الفتيات أو السيدات من لبسهن المحتشم بمجرد الإقلاع، ويتبدل الحال غير الحال، لافتاً إلى أن الإجبار والقهر على ثقافة دون إقناع يخلق التناقض والنفاق. وأكد العودة أن موضوع الأسرة هو أحد الثوابت القطعية التي ينبغي أن نعتصم بها في ظل طوفان العولمة، لما ورد فيها من نصوص قطعية ثابتة، وقال: إن الأسرة تتعرض لخطر كبير في هذا العصر والأسرة المعولمة لا تتفق مع مفهوم الإسلام للأسرة. أما عن العولمة فقال إنها أعظم متغيرات العصر الحاضر، وهي طوفان مدجج بأحدث الأسلحة يحاول الأخذ من سلطة الدول وسلطة المجتمعات لصالح سلطة عالمية تتمثل في القناة الفضائية والموقع الإلكتروني والمجهود والتواصل البشري. وأشار إلى أن العولمة تحاول أن تجعل جزءاً من العالم أمريكياً أو أوروبيًّا أو صينيًّا، والحل أن نقدم الإسلام كبديل لأن الإسلام داخل في حلبة الصراع أكثر من غيره، وأول شروط دخول العالم الإسلامي لحلبة الصراع - كما قال - هو التفوق على الخصومات الداخلية والخصوصيات والمعارك الداخلية. ودعا العودة إلى تغيير طريقة تعاملنا مع المرأة ومع الأسرة، منتقداً الصورة السلبية التي تتردد عن المرأة وعلاقتها بزوجها، وقال آن الأوان أن نغير ما يقوم به البعض من ازدراء الأنثى، ولا بد أن نعرف أن لها شخصية، والشرع أثبت لها حق الملكية، مشيراً إلى أن بعض النكات المنتشرة حول المواقف الطريفة بين الرجل والمرأة تسيء للمرأة، وكذلك بعض الكتب الأدبية عابت بكاء الرجل إذا ماتت زوجته، وهذا يزري بالإنسان خاصة إذا عرفنا تعامل النبي صلى الله عليه وسلم مع أمه وأخته من الرضاعة ومع أزواج المؤمنين حين يصعد المنبر وينهى عن ضرب النساء، فضرب المرأة نقيض المروءة والأخلاق. وانتقد العودة "العولمة التي قدمت لنا وثيقة السيداو"، وقال "هذه الوثيقة ترفض ما يسمى بالتمييز ضد المرأة، ونحن نرفض التمييز ضدها باعتباره عنصرية، لكننا نعلم أن الشريعة فضلت المرأة على الرجل في أشياء، وفضلت الرجل عليها في أشياء"، مشيراً إلى أن وثيقة السيداو تنص على ممارسة العلاقات خارج العلاقة الزوجية بشكل صريح وفج، وتنهى عن الزواج المبكر وتعتبره غير آمن، ولا تقتصر في تعريفها للأسرة على الزوجين من رجل وامرأة ولكنها تشجع على زواج المثليين من رجال ونساء. وفي مداخلة رئيس جامعة الأزهر السابق عضو مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر الدكتور أحمد عمر هاشم أكد أن لا حضارة بدون أسرة، وأن طوفان العولمة وما تتعرض له الأسرة من تغريب وتغييب ومحاولة تذويب الأسرة في عصر العولمة أمر خطير، وأضاف: ليكن منهجنا الحديث "لا يكن أحدكم إمعة.. ولكن وطنوا أنفسكم إن أحسن الناس أن تحسنوا وإن أساؤوا أن تتجنبوا إساءتهم". ونبه الكاتب الدكتور عبدالعزيز قاسم إلى أن العولمة هى النازلة التي داهمت المجتمعات المحافظة ممتطية الإعلام، فأصبحت مطاعمنا ماكدونالدز وبيتزا هت، حتى الأندية التي نشجعها برشلونة وريال مدريد ومانشيستر يونايتد، وقد سحب الإعلام العولمي - بحسب وصفه - التربية من مؤسساتها المعروفة كالمدرسة والمسجد، "لذا على علمائنا مراجعة فتاواهم وعلى خبراء التربية إيلاء الإعلام أهمية قصوى ليكون أداتهم في العلاج". وفي معرض تعقيب الدكتور العودة على المداخلات رد على الشريف بقوله: أنا لا أؤصل لصدام حضاري، فهو ليس مطلباً نسعى إليه، فالعالم يتسع لكثير من الحضارات والإمكانيات، والله عز وجل يقول: "يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا"، ومن مفهوم التعارف التواصل، ويفهم أيضاً من قوله: "لتعارفوا" لتتبادلوا المعرفة ولتتبادلوا المعروف فيما بينكم، لكن قد نجد أنفسنا مضطرين إليه في بعض الظروف والحالات، والواقع أن الإسلام ليس مؤهلاً للذهاب إلى هذا العراك. وخلص العودة إلى القول: لا ينبغي أن نكون مهزومين بحيث نجحد بعض ما يأتينا لأننا أخذناه من غيرنا، كالحرية التي نظن أن الثورة الفرنسية هي التي صنعتها، بل هي منتج إسلامي بامتياز، وكذلك فيما يتعلق بحقوق الإنسان.