أكد الشيخ الدكتور سلمان بن فهد العودة المشرف على مؤسسة الإسلام اليوم أن موضوع الأسرة هو أحد الثوابت القطعية التي ينبغي أن نعتصم بها في ظل طوفان العولمة، لما ورد فيها من نصوص قطعية ثابتة، وقال: إن الأسرة تتعرض لخطر كبير في هذا العصر والأسرة المعولمة لا تتفق مع مفهوم الإسلام للأسرة. جاء ذلك في محاضرة له بعنوان (الأسرة والعولمة) على هامش المؤتمر الثالث للأوقاف الذي نظمته الجامعة الإسلامية بالمدينةالمنورة، واختتمت أعماله مساء أمس. وكان الشيخ العودة قد تحدث بدايةً عن العولمة التي قال إنها أعظم متغيرات العصر الحاضر وهي طوفان مدجج بأحدث الأسلحة يحاول الأخذ من سلطة الدول وسلطة المجتمعات لصالح سلطة عالمية تتمثل في القناة الفضائية والموقع الإلكتروني والمجهود والتواصل البشري. وأشار إلى أن العولمة تحاول أن تجعل جزءاً من العالم أمريكياً أو أوربيًّا أو صينيًّا، والحل أن نقدم الإسلام كبديل لأن الإسلام داخل في حلبة الصراع أكثر من غيره، وأول شروط دخول العالم الإسلامي لحلبة الصراع كما قال هو التفوق على الخصومات الداخلية والخصوصيات والمعارك الداخلية التي طالما تعبّدنا الله بها، وطالما اشتغلنا بالمعركة مع بعضنا، فأول شروط المنافسة في العولمة أن نوحد صفوفنا في المواجهة ونقدم أنفسنا أمة إسلامية سنية قرآنية نبوية. ثم تحدث فضيلة د. العودة عن مفهوم الأسرة وأشار إلى أن الأسرة لم ترد في القرآن ولا في السنة لفظاً بهذا السياق، ومع ذلك هو متأكد في النفوس بما يترتب عليه من أحكام فقهية وما ورد فيه من نصوص، وأكد على أن موضوع الأسرة هو أحد الثوابت القطعية التي ينبغي أن نعتصم بها في ظل طوفان العولمة، لما ورد فيها من نصوص قطعية ثابتة، والأسرة في اللغة تطلق على الدرع الحصينة، ففيه إشارة إلى أن الأسرة تحمي الإنسان من السهام الموجهة إليه، وهذا يؤكد أن الأسرة المستقرة تكون وراء نجاح أفرادها، حيث بينت الدراسات أن الأفراد الناجحين غالباً ما يكونون خرجوا من أسر مستقرة، وأن أولئك الذين يكون لديهم قدر من الإخفاق غالباً ما يكونون قد عانوا في الصغر من عدم استقرار الأسرة، والأسرة أيضاً في الجانب اللغوي مأخوذة من الأسر وهو القيد، وهذا يؤكد أن الحرية التي نتحدث عنها على أنها معنىً إسلامي شرعي ولفظ عربي، فالحرية ليست لفظاً غريباً ولا نشازاً ولا منتجاً غربياً، ولكن هذه الحرية مقيدة بقيد الأخلاق ولها قيد آخر وهو الأسرة والمجتمع، إن مفهوم الأسرة مفهوم متوازن لا يصالح شخصية الفرد لصالح الأسرة ولا يلغي الأسرة لصالح الفرد. أنبه إلى أن كثيراً من مجتمعاتنا اليوم يغلب على الناس فيها روح تسلطية على الأولاد والبنات، فكثير من الآباء والأمهات يحاول قسر أبنائهم وبناتهم على عاداتهم وأخلاقهم وعباداتهم وهذا ما يجعل الأولاد حين يبتعدون عن الأسرة يجدون الفرصة في التهرب مما كانوا يقسرون عليه، وقد ورد عن علي ابن أبي طالب رضي الله عنه: “لا تكرهوا أولادكم على أخلاقكم فإنهم خلقوا لزمان غير زمانكم”، فأين التحبيب في الخير والترغيب فيه ، ومن الخطأ معاقبة الأبناء على سبيل الانتقام لا على سبيل التأديب. الأسرة ذات امتداد في التاريخ منذ عصر الفراعنة وليست قصراً على هذا العصر. الكثير من الناس يظن أن المجتمعات الغربية تخلت عن الأسرة وهذا الكلام غير دقيق، فكثير منهم لا يزال يحافظ على الأسرة ويربي عليها، نعم هناك تفكك أسري شديد في الغرب أعتقد أنه يعود إلى أسباب عديدة تهمنا لأنها بدأت تنتقل إلى المجتمعات الإسلامية، منها منع الطلاق في الكنيسة أفضى إلى وجود حالات زواج كثيرة غير مستقرة ومع ذلك يحاولون الإبقاء عليها مع محاولة الإشباع خارج الزواج . آن الأوان أن نغير ما يقوم به البعض من ازدراء الأنثى، ولا بد أن نعرف أن لها شخصية، والشرع أثبت لها حق الملكية. بعض الكتب الأدبية عابت بكاء الرجل إذا ماتت زوجته، وهذا يزري بالإنسان خاصة إذا عرفنا تعامل النبي صلى الله عليه وسلم مع أمه وأخته من الرضاعة ومع أزواج المؤمنين حين يصعد المنبر وينهى عن ضرب النساء، فضرب المرأة نقيض المروءة والأخلاق. نشعر بأن مؤسسة الزواج بحاجة إلى إنقاذ وهذا يتطلب جهوداً جبارة في التوعية والحديث والصبر وضرب الأمثلة، فمثلاً نجد أن كثيراً من الكبار يوجد في بيوتهم مشكلات بحاجة إلى تدارك، وهذا أمر يمكن حله بخلقين : أحدهما الحلم، والآخر الكرم. المنطق ليس دائماً هو الذي يسعف في المواقف الأسرية والعائلية وإنما الصبر والرضى والتسامح . العولمة قدمت وثيقة السيداو وهذه الوثيقة ترفض ما يسمى بالتمييز ضد المرأة ونحن نرفض التمييز ضدها باعتباره عنصرية. لكننا نعلم أن الشريعة فضلت المرأة على الرجل في أشياء وفضلت الرجل عليها في أشياء. وثيقة السيداو تنص على ممارسة العلاقات خارج العلاقة الزوجية بشكل صريح وفج، وتنهى عن الزواج المبكر وتعتبره غير آمن، ولا تقتصر في تعريفها للأسرة على الزوجين من رجل وامرأة ولكنها تشجع على زواج المثليين من رجال ونساء. الأسرة مرتبطة بالبيت والمسكن، والبيت مفهوم اجتماعي ومصدر تواصل عاطفي قبل أن يكون جداراً أو بناءً، ولذلك تحدث الله عز وجل عن بيوت النحل والنمل فضلاً عن البشر، فسورة النور والأحزاب ورد فيهما الحديث عن حرمة البيوت. الكعبة المشرفة سماها الله بيتاً وجعلها مثابة للناس، فينبغي أن نستمد هذا المعنى في بيوتنا فيكون مصدر أمن لجميع أفراد الأسرة، لا أن نمارس الخرس البيتي، كما أثبتت الإحصائيات في دراسة ألمانية علمية أن كلام الرجل مع زوجته يومياً أربع دقائق. البيت أمنٌ كما ذكر الله عز وجل، والأمن هنا الأمن الغذائي وأهمية توفيره في المنزل، والأمن الشخصي من التجسس والنظر والتسلل ولذلك شرع الاستئذان ومنع النظر في البيوت. الله عز وجل نسب البيوت إلى أصحابها، وهذا يشير إلى أن الأصل في البيوت التملك ، ومن الأساسيات أن يكون هناك تعاون بين الجهات كافة لتوفير مسكن لكل إنسان، والإحصائيات تثبت أنه قرابة 45% من الناس في المملكة لا يملكون بيوتاً، حتى الذين يملكون بيوتاً ينبغي الاستفسار عن نوعها. البيت ينسب إلى صاحبه تارة، وإلى المرأة كما ورد في السنة (كان النبي صلى الله عليه وسلم في بيت عائشة... ) وهذا يدل على أن اسم المرأة ليس عيباً بل هي جزء من الحياة، ورأيها معتبر في البيت، وأشارت بعضها الوثائق إلى نسبة 85% من السعوديين لا يشاورون المرأة في بناء المنزل، وهذا خطأ، لأن المرأة هي مديرة المنزل والأعرف بما يجب أن تكون عليه تفاصيله وطريقة بنائه ولها بصمات جمالية في التصميم تتفوق فيها على الرجل وليست خادماً في المنزل. الإنسان في البيت يتخلى عن التكلف وفيه تعرف أخلاق الإنسان، وقد كان صلى الله عليه وسلم يرقع ثوبه ويخصف نعله في بيته ويكون في مهنة أهله. من آثار عولمة البيوت الذكية، وجود التلفاز وهي أكثر الوسائل تأثيراً لأنها تخاطب جميع الحواس، والتلفاز يأخذ الأزواج عن بعضهم، ويقول العلماء إن الإنسان ينبغي ألا يقضي أكثر من 35 دقيقة يومياً أمام التلفاز. الناس على دين إعلامهم وإذا بلغ الصبي سبعين سنة يكون قضى بموجب الإحصائيات عشر سنوات متواصلة أمام التلفاز. من عولمة البيت الإنترنت بدءاً من البريد الإلكتروني، والمحادثة والمنتديات ومواقع الفيديو، وهذه الخدمات كلها تبث قدراً من التأثير يشارك الناس في صناعة محتواه، وهذا العالمي الوعاء استوعب أعداداً كبيرة من الناس لم يجدوا يوماً من يسمعهم من أم أو أب ولا غيرهم، لأن من أهم مزاياه الحرية التي يحبها الإنسان بطبيعته، لتنوع الخيارات المتاحة. وفي أساليب التعامل مع استخدام أفراد الأسرة للإنترنت أوصى فضيلة الشيخ العودة الآباء بأهمية الاطلاع على الجديد دائماً، والتربية على المناعة والتوعية بدلاً من الاكتفاء بالمنع والحرمان، وأكد على العمل الجماعي الأسري كلعبة جماعية بالإنترنت يشارك فيها أفراد الأسرة، حيث يجلب الأبناء إلى موقع نظر الآباء والأمهات دون أن ينفرد بهم الآخرون. وأكد فضيلة الشيخ على أهمية الرقابة الذكية للأولاد واللباقة في متابعتهم دون أن يشعروا به. وحذر فضيلة الشيخ سلمان العودة في محور محاضرته الأخير ممن سماهم الطارئين على الأسرة، فلا يمكن لأحد أن يقوم بدور الأب أيًّا كان، وأكد أن سبب حلول مثل هؤلاء كالسائقين والخدم والمدرسين الخصوصيين مكان الآباء والأمهات هو اهتمامهم بالأولاد أكثر من آبائهم وأمهاتهم. وتعرض فضيلة الشيخ لأسباب تزايد أعداد الخادمات التي أرجعها إلى الطفرة الاقتصادية وعمل المرأة في التعليم وغيره، والبيت الواسع الذي لم يفكر أصحابه في حاجته إلى خدمات أكبر من طاقتهم، والرفاهية التي تعود عليها بعض الناس، والعناية بالشخصية، وقد ولّدت ظاهرة زيادة الخادمات مشكلات كبيرة أضرت بالأسرة والمجتمع. وحذر فضيلة الشيخ سلمان العودة من الثقة المفرطة في الخدم وغياب دور الأسرة وعدم الرقابة ومحاولة تعويض دور الأب والأم المفقود واضطراب الأسرة، واختلاف البيئة والتربية بين مجتمع الخادمة أو السائق ومجتمعاتنا وعدم مراعاة مشاعر الخادمة، بعدم مراعاة خصوصية العلاقة الأسرية العاطفية وضرورة تجنب إظهارها أمام هؤلاء الغرباء. وقدم فضيلة د.العودة حلولاً منها الإحسان إلى هؤلاء وعدم إحلالهم مكان الأبوين. الجامعة التي لا تغيب عنها الشمس، تعبير طريف ولكنه واقعي، العالم اليوم يتحدث عن تصنيف الجامعات ومستوياها، وهذه الجامعة نشأت وترعرعت على أنها تعد شباب المسلمين إعداداً دينياً وتربويًّا وسطيًّا بعيداً عن التطرف . كما أثنى الشيخ سلمان العودة على الجامعة الإسلامية وهنأها بمديرها الدكتور محمد العقلا، وهنأ المدينة وأهلها بأميرها المحبوب عبدالعزيز بن ماجد الذي قال: خسرناه في القصيم وبريدة وكسبناه في المدينة، والمدينة خيرٌ لهم لو كانوا يعلمون. وقد شهدت المحاضرة مداخلات عدة من الحضور، ففي مداخلة للشيخ الدكتور قيس المبارك عضو هيئة كبار العلماء أثنى على الحديث الشمولي المعهود للشيخ سلمان ، ونبه إلى موضوع مهم وهو توجيه الشباب في كيفية توجيه التعامل مع آبائهم، وقال: رأيت معانات الشباب عندما خرجوا عن طوع الآباء وشاهدت كيف وضع الله البركة في رأي الآباء وكيف نزع البركة من مخالفة الآباء. أما الدكتورة أحلام حمدان جامعة أم القرى فرأت أن بحث موضوع الحفاظ على الأولاد من التغيير قد نوقش كثيراً، وكان الأولى مناقشة تغير ثقافة الوالدين الذين سكنتهم القناعة بالتغيرات على أنها أصبحت ضرورة العصر. وفي مداخلة الأستاذ الدكتور أحمد عمر هاشم رئيس جامعة الأزهر السابق عضو مجمع البحوث الإسلامية أكد أن لا حضارة بدون أسرة، وأن طوفان العولمة وما تتعرض له الأسرة من تغريب وتغييب ومحاولة تذويب الأسرة في عصر العولمة أمر خطير، وأضاف : ليكن منهجنا الحديث (لا يكن أحدكم إمعة.. ولكن وطنوا أنفسكم إن أحسن الناس أن تحسنوا وإن أساؤوا أن تتجنبوا إساءتهم). وفي مداخلة للدكتورة فايزة بافرج عضو هيئة التدريس جامعة أم القرى قالت إنه ينبغي أن يكون البحث في إعداد الأسرة للعولمة لأنها أمرٌ لا بد منه، وهي ليست خيراً محضاً ولا شرًّا محضاً. كما طرح الدكتور عبدالله بن فهد الشريف رئيس قسم الفقه بالجامعة الإسلامية اعتراضات على بعض ما جاء في محاضرة الشيخ العودة حيث تساءل عن ذكر العودة لما تعيشه الأمة من معارك داخلية فكرية أشغلتها عن مواجهة الخطر الخارجي وهل يؤصل ذلك لصدام حضاري؟ وما موقع الثقافة الإسلامية من الثقافات الأخرى؟ هل ستكون مشاركة أم مصادمة؟ وقال الشريف : من تتبعي لمشايخ الصحوة - وأنت منهم - وفي بعض القضايا ربما حصلت ردة فعل في مواجهة التحديات المعاصرة والازدواجية المعرفية بين ما يحملونه من الثقافة الإسلامية وما جاء من تيار قد يكون في جوانبه أقوى من التفكير الإسلامي ، لذا حاول مشائخ الصحوة أحياناً الوقوف جداراً بين هذه الثقافات ودخولها للمجتمع ، وأحياناً دعاةً للاشتراك في الثقافات الأخرى. وأجاب الدكتور العودة على الشريف بقوله : أنا لا أؤصل لصدام حضاري فهو ليس مطلباً نسعى إليه فالعالم يتسع لكثير من الحضارات والإمكانيات، والله عز وجل يقول: (يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا) ومن مفهوم التعارف والتواصل، ويفهم أيضاً من قوله: (لتعارفوا): لتتبادلوا المعرفة ولتتبادلوا المعروف في ما بينكم وفيه إشارة إلى الإحسان الذي بين الله عز وجل في كتابه أنه لا ينهى عنه مع من سالمنا، والصدام الحضاري ليس مطلباً كما قلت، لكن قد نجد أنفسنا مضطرين إليه في بعض الظروف والحالات، والواقع الإسلام ليس مؤهلاً للذهاب إلى هذا العراك. لا ينبغي أن نكون مهزومين بحيث نجحد بعض ما يأتينا لأننا أخذناه من غيرنا، كالحرية التي نظن أن الثورة الفرنسية هي التي صنعتها بل هي منتج إسلامي بامتياز، وكذلك فيما يتعلق بحقوق الإنسان