تعيش جماعة الإخوان المسلمين مؤخرا أزمة من أعنف ما مرت بها منذ تأسيسها على يد حسن البنا قبل 87 عاما، حيث يتنازع فريقان من قيادات الإخوان أحقية إدارة الجماعة الإسلامية الأكبر في العالم. ويشعر أعضاء ومؤيدي الإخوان بالقلق على مستقبل الجماعة، ليس فقط بسبب حدة وعلانية الخلاف بين الفريقين، بل أيضا بسبب توقيت هذا الصراع الذي يتزامن مع تعرض الإخوان منذ انقلاب يوليو 2013 لأكبر حملة قمعية في تاريخهم، أسفرت حتى الآن عن مقتل واعتقال وإصابة عشرات الآلاف من أعضاء الجماعة والمتعاطفين معهم. جماعتان --------------- ويضم الفريق الأول القيادات التي مازالت خارج السجون من أعضاء مكتب الإرشاد، الذي كان يدير الجماعة حتى ما قبل فض اعتصام رابعة العدوية، ويتزعمه محمود عزت النائب الأول السابق لمرشد الإخوان،ومحمود حسين الأمين العام السابق للجماعة (مقيم في تركيا)، ومحمود غزلان المتحدث السابق باسم الجماعة، وعبد الرحمن البر الملقب بمفتي الجماعة. فيما يأتي على رأس الفريق الثاني أعضاء مكتب الإرشاد الجديد الذي تم انتخابه في شباط/ فبراير 2014 لإدارة شؤون الجماعة، ويتزعمه محمد طه وهدان ومحمد سعد عليوة ومحمد كمال، وهم أعضاء سابقون في مكتب الإرشاد، بالإضافة إلى حسين إبراهيم الأمين العام لحزب الحرية والعدالة وعلي بطيخ عضو مجلس شورى الجماعة. وقالت مصادر مطلعة على تفاصيل الأزمة داخل الإخوان إن السبب الحقيقي للخلاف هو رغبة كلا الفريقين في السيطرة على قيادة الجماعة، وليس الخلاف حول استخدام وسائل عنيفة أو التزام السلمية خلال مواجهة الانقلاب. السبب الحقيقي للصراع ------------------------------- وأشارت المصادر - التي تحدثت ل "عربي21" رافضة ذكر اسمها - إلى أن الخلاف بين الفريقين حول السلمية ليس واسعا ولا جوهريا كما يعتقد الكثيرون، موضحا أن أعضاء المكتب القديم متيقنون أنه لابد من رد فعل مناسب على العنف الذي يقوم به النظام، ولا ينادون بالسلمية "الداجنة"، كما أن أعضاء المكتب الجديد يعرفون جيدا أن الجماعة لا يمكنها أن تتحول إلى جماعة مسلحة، أو أن تنجر إلى حرب مفتوحة، فلا الظروف ولا الإمكانيات ولا موازين القوى تسمح بذلك. وأضافت أن جوهر الصراع بين الجانبين هو اعتقاد كل فريق أنه المنوط به قيادة الإخوان في المرحلة المقبلة، إذ يحتج أعضاء المكتب القديم بأن إجراءات الانتخابات التي جاءت بمكتب الإرشاد الجديد، باطلة ومخالفة للائحة الجماعة، مؤكدين أن المكتب الجديد ليس إلا "لجنة أزمة" قام المكتب القديم بتعيينها لمهمة محددة ومؤقتة، وأنه يملك سلطة إلغائها كما كان له سلطة تشكيلها، لذلك فقد قرر تجميدها بعدما فشلت في تحقيق الأهداف التي أنشئت من أجلها. ويقول أعضاء المكتب القديم إن تلك اللجنة أخذت فرصتها كاملة لأكثر من عام ونصف في قيادة الجماعة، ولم تحقق أي نجاح يذكر، بل إنها تقود الجماعة إلى مواجهة صفرية مع النظام وتهدد وجود التنظيم من أساسه، وأنهم قرروا التدخل في هذا الوقت الحساس لإنقاذ ما يمكن إنقاذه، بعدما رأوا الجماعة تنحرف عن مسارها وتقترب من نهايتها المحتومة. وفي هذا الإطار أعلن محمود حسين، في بيان له مساء الخميس، أن مكتب الإرشاد القديم هو الذي يدير الجماعة الآن، وأنه كان يستعين فقط بعدد من المعاونين، في إشارة إلى المكتب الجديد، مشيرا إلى أن محمود عزت نائب المرشد العام للجماعة هو من يقوم بأعمال المرشد حاليا، وفقا للائحة الداخلية للجماعة التي تنص على أن يحل نائب المرشد محل المرشد إذا تم اعتقاله. وذيل حسين البيان بتوقيع الأمين العام لجماعة الإخوان المسلمين، في تحدٍ واضح للمكتب الجديد. كما اتخذ المكتب القديم قرارا بنقل تبعية مكتب الإخوان بالخارج إلى التنظيم الدولي للجماعة، بدلا من تبعيته لمكتب الإرشاد في مصر، وهو القرار الذي رفضه أحمد عبد الرحمن رئيس المكتب. منتصر يرد بقوة ------------------- وردا على بيان حسين، أصدر محمد منتصر، المتحدث الإعلامي باسم جماعة الإخوان، بيانا أكد فيه أن المكتب الجديد تم انتخابه عبر انتخابات صحيحة شارك فيها جميع أفراد الإخوان، مشددا على أن محمود حسين ومحمود عزت ومحمود غزلان، لم يعد لهم أي صفة رسمية في الجماعة. وأضاف منتصر أن محمد بديع ما زال يشغل منصب مرشد الجماعة، وإن كان بشكل شرفي، بجانب تعيين رئيس للجنة إدارة الأزمة وأمين عام جديد للجماعة، مشيرا إلى أن الجماعة اتخذت قرارا استراتيجيا في مواجهتها مع الانقلاب عبر النهج الثوري بعد استطلاع رأي قواعدها. ولقطع الطريق على المكتب القديم - فيما يتعلق بقضية العنف - أعلنت القياداة الجديدة تأييده لبيان "نداء الكنانة"، الذي أصدره 150 عالما إسلاميا ويبيح استخدام الوسائل كافة لإسقاط الانقلاب، والقصاص للشهداء، ودفع اعتداءات الأجهزة الأمنية والمتعاونين معهم. وقالت المصادر ل "عربي21" إن أعضاء المكتب الجديد يرون أنه حقق نجاحات جزئية مهمة، يمكن البناء عليها، سواء في المواجهة مع الانقلاب داخليا وخارجيا، أو على مستوى إعادة تنظيم الجماعة، ودللوا على ذلك بنجاحه في عرقلة الانقلاب ومنعه من تحقيق أي استقرار اقتصادي أو سياسي أو أمني، وتشكيل ضغط متواصل على مفاصل الدولة. كذلك يرى أن مكتب المصريين في الخارج وهو أحد ثمار إعادة هيكلة التنظيم، حقق نجاحات ملموسة في الأسابيع الأخيرة من بينها تنظيم احتجاجات قوية ضد الانقلاب في أكثر من 10 دول في توقيت واحد، فضلا عن إفساد زيارة السيسي إلى ألمانيا قبل أن تبدأ بجهود سياسية شارك فيها بقوة. وعلى صعيد إعادة تنظيم وهيكلة الجماعة، يرى المكتب الجديد أنه نجح في إعادة هيكلة المكاتب الإدارية ولجان الإخوان، بعد أن تعرضت الجماعة لأعنف ضربة أمنية في تاريخها عقب فض رابعة، كما تم إعادة هيكلة لجان الجماعة لتواكب المرحلة الجديدة في ظل الانقلاب.