«زواج متكامل الشروط وعلى سنّة الله ورسوله ولكن من دون أولاد، عندي زوجة أنجبت لي»، هذا ما اشترطه طالب القرب من العروس الصغيرة المنشودة، طالب قرب في أواخر الأربعينات من عمره، أب لثلاثة أولاد متزوج من امرأة صالحة، ولكنها مشغولة بالاعتناء بالبيت والأسرة وليس لديها الوقت الكافي لتخصيصه للاعتناء بجمالها وحياتها الزوجية. ولمّا كان عريس الغفلة ميسور الحال قرر الزواج بثانية، شابة ولكن على حافة العنوسة. من المؤكد ستقبل بالعريس المنقذ ليعيشا معاً زواجاً ثانياً الهدف منه الراحة والمتعة من دون أولاد أو همّ. رسمت كلمات العريس الدهشة على ملامح وجه سارة ذات الأربعة والثلاثين عاماً على رغم أنه لم يكن الأول الذي تقدم لخطبتها كزوجة ثانية، إلا أن سببه كان الأغرب حتى الآن. وتوضح سارة بتعجب: «الأول خطبني لأنه يريد ولداً، إذ إن زوجته الأولى عاقر، أما هذا فهو يريدني ولكنه لا يريد حتى طفلاً واحداً». تصمت الفتاة لبرهة ثم تضيف: «لقد تجاوزت الثلاثين وأعلم انه لا يحق لي أن أتذمر، ولكن طلباتهم غريبة». يتجه الفقه الإسلامي اتجاهات مختلفة في درجة إباحة التعدد، فمثلاً هناك من يبيح التعدد فقط لعلة الاشتهاء، ويجد في الزواج بثانية وقاية كي لا يسلك الرجل الشبق طريق الحرام لإرضاء نزواته فالحلال أفضل من الحرام. فمثلاً يبرر البعض زواجهم الثاني بسفرهم واستقرارهم بعيداً من عائلاتهم بداعي العمل وكي يعيشوا حياة جنسية محللة، بينما يتجه فقهاء آخرون للتشديد على أن التعدد هو ضرورة تشترط العدل، ضرورة قد تتمثل في عدم قدرة الزوجة الأولى على الإنجاب أو مرضها الشديد مثلاً. وأما قانون الأحوال الشخصية السوري فيمنح القاضي حرية عدم السماح بالزواج الثاني إذا لم يكن للزوج سبب شرعي يعود تقديره للقاضي وأيضاً إذا لم يكن الزوج قادراً على التكفل مادياً بمنزلَيْن معاً وذلك في المادة 17 من القانون والتي تنص على أن: «للقاضي ألا يأذن للمتزوج بأن يتزوج على امرأته إلا إذا كان لديه مسوغ شرعي وكان الزوج قادراً على نفقتهما»، ويشترط القانون المساواة بين الزوجات في المساكن إذ ينص في المادة 67 منه على أن: «ليس للزوج أن يُسكن مع زوجته ضرّة لها في دار واحدة بغير رضاها»، ولكن هل من خيار فعلاً للزوجة؟ بينما تعيش سارة الصراع بين طموحها الشخصي بتأسيس عائلة قائمة على الحب المشترك وبين إلحاح أهلها على ضرورة الزواج والسترة، لا تتردد كثيرات في الموافقة على أن يتزوجن على ضرّة ولو تحت سقف واحد. تروي أم صالح (53 عاماً): «تزوج علي منذ أكثر من عشر سنوات وهذا حقه، أعامل ضرّتي وكأنها أختي الصغرى، المرأة الأصيلة هي التي تصون بيتها وزوجها». أما أم سامي وهي سيدة في أواخر الأربعينات فتشكو حالها بسبب الزوجة الثانية وتقول: «أعيش كل يوم غيرة لا حدود لها، لا أستطيع أن أتخيل مجرد فكرة أن زوجي يحب ويعاشر غيري، وعلى رغم أن ضرتي تعيش في بيت منفصل عني، إلا أن الغيرة من هذا الحال ستقتلني، جميع من حولي ينظر الي وكأن بي عيباً أو عاراً جعل زوجي يتزوج عليّ، ولا مجال أمامي إلا أن أسكت، فمئة ضرّة ولا كلمة مطلقة». ويجد الصمت طريقه إلى الكثير من الأسر التي عرفت تعدد الزوجات وتقبلها الكثيرون كونها حالة مباحة وشائعة أيضاً لا يوقفها فقر أو ضيق حال بل تحولت إلى ظاهرة اجتماعية قد تختلف بحسب اختلاف قيم المجتمعات وثقافتها ولا يزال هناك من يعتقد بأن كل الرجال يميلون إلى تعدد الشريك فلا مفر من تهديد كابوس الزوجة الثانية. وبينما نظّم قانون الأحوال الشخصية السوري عموماً مسألة التعدد، ذهب كتاب «الأحكام الشرعية في الأحوال الشخصية» لمؤلفه قدري باشا إلى التخصص في تفسير أحكام القانون، فبعد أن أباح صراحة للحر أن يتزوج أربع نسوة في عقد واحد أو في عقود متفرقة، فرض في مواده شروطاً في غاية الدقة والتفصيل ربما في محاولة لتفسير العدل وجعله قابلاً للقياس والتقدير مثل أنه إذا تعددت الزوجات يجب على الزوج أن يعدل بينهن في ما يقدر عليه من المساواة وعدم الجور في النفقة، ويشترط أيضاً أن يقيم عند كل واحدة منهن يوماً وليلة أو ثلاثة أيام وإن شاء جعل لكل واحدة منهن سبعة أيام ويبقى الرأي للزوج في النهاية لتعيين مدة دور كل زوجة ولكن عليه دائماً أن يلتزم بالتسوية ليلاً، إذ من الواجب على الزوج بحسب كتاب الأحكام الشرعية أن يعاشر الواحدة بقدر ما يعاشر الأخرى. وبين من يحاول أن يعدل يجد في شرط العدل معادلة نسبية قابلة للف والدوران وبالتالي للتهرب، يبقى السؤال: كيف يمكن أسرة أن تنشئ أجيالاً على رغم هذه الازدواجية، وهل من فكر بشعور الزوجة التي تعيش حقيقة أنها ليست الوحيدة التي تستحوذ قلب زوجها، هل من العدل أن تتقاسم امرأة أنوثتها مع أخرى؟ تروي زوجة في الخمسين من عمرها: «تطلقنا بعد ثلاثين سنة زواج عندما اكتشفت أنه متزوج من فتاة بعمر ابنتنا». وتضيف: «لا يمكنني أن اسمي زواجه بثانية إلا خيانة».