يُقدم الكثير من الأزواج على خطوة الزواج "الثاني" اندفاعاً ورغبة وأحياناً استجابة لنصائح الأهل والأصدقاء وكأن في تلك الخطوة حلاً نهائياً لأي مشكلة تواجههم، ومع أنه لا مجال للجدال في مشروعية وإباحة التعدد للرجال دون قيد أو شرط، إلاّ أن الغالبية لا يبني قرار زواجه الثاني على أسباب حقيقية ومنطقية أو حتى يحسن الاختيار ليجد نفسه في "ورطة" كبيرة، وفي مسار حياتي يتسم بالكثير من الشتات وعدم التوازن، ومن هنا تنطلق المشاكل الكثيرة التي تؤثّر عليه وعلى حياته وعلى حياة كل من يرتبط به. ويتسرّع البعض في خوض التجربة الثانية في الزواج حتى إن كان يعيش أجواء مستقرة مع زوجته الأولى، ولكنه يدفع ثمن ذلك القرار غير الصائب من حياته ومن رصيد علاقته بزوجته الأولى التي قد يخسرها مع عدم النجاح في تجربته الثانية. تزوج وتورط! وقالت "هنادي نفل" إن حياتها الزوجية كانت هادئة ومستقرة رغم تأخر الإنجاب لسنوات عدة، وجميع الفحوصات الطبية في الفترات الأخيرة كانت مطمئنة جداً، مبينة أن أكثر ما كان يثير قلقها هي تلك النصائح التي يقدمها أصدقاء زوجها له من الزواج بامرأة أخرى دون التوجه إلى الطب المتقدم للعلاج، مشيرة إلى أنها لم تكن تتوقع أن يفاجئها زوجها بين ليلة وضحاها بعزمه على الزواج الثاني مع إبداء أصدقائه الرغبة في مساعدته مادياً، وتكفلهم في تحمل جزء كبير من مصاريف الزواج الثاني، وليس العلاج في الخارج. وأضافت: "غادرت المنزل كنوع من الضغط على زوجي، ولكنه فعلاً تزوج"، مشيرة إلى أن المفاجأة الكبيرة حينما أبدى زوجها بعد عدة أشهر من زواجه أنه "متورط"، حيث لم يعتد على الوضع الجديد، وتحمل مسؤولية زوجتين، واحتياجات بيتين لظروفه المادية السيئة التي أثرت كثيراً على مزاجه ونفسيته بعد أن وجد بأن المسؤولية كبرت عليه. وأشارت إلى أن الرجل يحق له أن يتزوج بأكثر من زوجة إلا أن ذلك يجب أن يحدث في حدود القدرة والاستطاعة، وكذلك لأسباب منطقية لوجود زوجة ثانية، كما يجب أن يحدث ذلك الزواج الثاني بعد تفكير عميق وقرار حكيم وليس من منطلق تأثير بعض الأصدقاء أو استجابة لرغبة الأهل؛ لأن في ذلك ظلماً لنفسه ولزوجتيه. تباهي وتحريض وتختلف "هاجر" مع (أشباه الرجال) -بحسب وصفها- في مفهوم التعدد، خاصة من يرى أن الزواج من ثانية وثالثة أو حتى رابعة شكل رجولي للتباهي والتفاخر بالتعدد في الكثير من المجالس، والأسوأ من جميع ذلك كله أنهم يحاولون أن يؤثروا على غيرهم من الرجال الذين يكونون مستقرين في حياتهم الزوجية، ويحاولون أيضاً أن يصفوا الزواج الثاني بالخطوة السهلة الميسرة حتى وإن لم تكن لديهم الحاجة الفعلية أو القدرة النفسية والجسدية للقيام بواجباتهم كأزواج أو آباء، مشيرة إلى أن حال بعض الرجال الذين يستغلون بعض ظروف الفتيات غير المتعلمات أو الكبيرات بالعمر؛ فيقدمون على الزواج منهن، معتقدين بأنهم يفعلون خيراً بتلك الخطوة التي إذا لم تبَن على المنطق والعقل؛ فإن مصيرها الفشل الذي تدفع ثمنه المرأة بأن تكون "مطلقة" أو "معلقة". وقالت:"كثيراً ما يثير زوجي موضوع التعدد متباهياً بكثرة من يشجعونه معنوياً على أن يتزوج بأخرى، بل إن هناك من يعرضون عليه قريباتهم"، مشيرة إلى أن زوجها "رجل أعمال"، ولديه قدرة مالية جيدة تؤهله بأن يتزوج ثانية، وذلك ما يدفع بعض أصدقائه إلى تحفيزه إلى الدخول في حياة زوجية أخرى، مبينة أن طبيعة عمل زوجها تدفعه إلى أن يكون في انشغال دائم فلا يجد متسعاً من الوقت حتى يتفرغ لأبنائه وحياته الاجتماعية معها، وذلك ما يثير الكثير من علامات الاستفهام حول بعض الأزواج الذين لا يستطيعون أن يمنحوا الكثير من الوقت لأسرهم؛ فكيف حينما يكون الأمر متعلقاً بتقسيم الوقت على زوجة ثانية وبيت آخر؟. وأضافت أن كثيراً من الدعاة والناصحين يرغّبون الرجال بالزواج من ثانية دون النظر إلى صعوبة تلك الخطوة، خاصة مع الظروف الحالية التي جعلت من المعيشة "صعبة"، مؤكدة على ضرورة أن يتم توجيه النصح للرجل بأن يتقي الله -سبحانه- في بيته وأسرته، وأن يكرّس الكثير من الوقت للاهتمام بهم، وتحديداً مع تزايد المشاكل السلوكية التي أصبح الأبناء يواجهونها، كما يتم التركيز على عدم ظلم الزوجة الثانية؛ فهناك من يقدم على الزواج الثاني ولكنه لا يهتم بأمور العدل التي يجب أن تكون أساس التعدد في الزواج؛ فربما يهمل الزوجة الأولى بسبب انشغاله بحياته الجديدة. رجولة وفحولة! وأشار "خالد عبيدالله" إلى أنه رغم سعادته وهدوء حياته الزوجية، إلاّ أنه في كل زيارة لوالده يكرر على مسامعه بأن الزواج بأخرى دلالة على الرجولة والفحولة، مستشهداً بعدد زوجاته وأبنائه وأحفاده، وكيف أنه اليوم ينعم بوجودهم جميعاً قربه كعزوة وسند، مؤكداً على أنه على قناعه تامة بعدم حاجته أو قدرته على التعدد وفتح بيتين؛ إذ دائماً ما يحاول إقناع والده بأن ذلك الزمان الذي كانت الزوجة تقبل فيه بزوجة أخرى تناصفها زوجها وبيتها قد ذهب دون عودة، وبالكاد يستطيع الرجل اليوم القيام بمتطلبات وحقوق زوجة واحدة، مشيراً إلى ضرورة أن يتأمل الزوج في مصلحة الأبناء في المقام الأول وأن يفكر في توفير حياة مستقرة لهم حتى يكبروا ناجحين ومستقرين، ويحققوا الكثير من التميز في حياتهم المستقبلية. "أضرب النسا بالنساء"! واعترفت "سهى جابر" أنها مازالت تدفع الثمن غالياً لتلك النصائح التي منحتها لقب مطلقة بعد أقل من شهر على زواجها؛ إذ اعترف لها طليقها بأنه نادم على الزواج منها، وأنها "غلطة حياته" حين تزوجها بناء على نصيحة وضغوط والدته وأصدقائه، حيث أقنعوه بأن الزوجة الثانية هي أفضل حل لتأديب زوجته، أو لحل مشاكلهما بهذه الطريقة فكما يقال "أضرب النسا بالنساء"!. وقالت هناك استفاهمات عديدة أثقلت وأشغلت تفكيري منذ بداية زواجي، مشيرة إلى أن لدى طليقها رغبة ملفته للنظر في إتمام الزواج سريعاً، إلاّ أنه لم يحاول الاقتراب منها أو ملاطفتها منذ زواجهما الأمر الذي أثار مخاوفها وبدد فرحتها بأول أيام زفافها، موضحة أن أيام شهر العسل لم ينالني منها سوى النكد والهجر؛ فزواجه لم يزيده إلاّ حنيناً وشوقاً لزوجته الأولى التي لم يتردد في تطليقي بناءً على رغبتها؛ ليعود لحياته معها، وكأنني بذلك لم أكن إلاّ مجرد عصا لتأديبها فقط.. مشيرة إلى أن البعض يستغل رخصة التعدد في التشفي والانتقام من الزوجة الأولى أيّا كان خطأها، وللأسف بأننا نجد الكثير ممن ينصحونه ويعينونه على ذلك، بل هم من يستعجلونه ويدعمونه في سبيل إتمام هذا الزواج سريعاً. اصنع سعادتك.. واقتنع! وأوضح "د.عطالله العبّار" -مستشار أسري- أن الله عز وجل أباح للرجل المسلم الزواج بأكثر من زوجة، وفي ذلك من الحكم الربانية ما هو واضح المنفعة للطرفين، وهناك منها ما هو خفي سيتجلى مع الزمن، مؤكداً على أن التعدد لا يمكن أن يكون مجرد مظهر اجتماعي وترف يتفاخر به المعدد. وقال: إن هذا الحق له قيود وشروط وضوابط لابد من الالتزام والوفاء بها، وأول شروط الزواج الاستطاعة سواء كانت الاستطاعة مادية؛ كاستطاعة المهر وتكاليف الزواج والنفقة والكسوة والسكن وحتى إحضار الخادمة، وكذلك من جوانب الاستطاعة القدرة البدنية والعاطفية، بالإضافة إلى التيقن من القدرات النفسية، وشرط العدل؛ فمن وجد في نفسه عدم القدرة على العدل فواحدة ولا يزيد. وأضاف أن التعدد أو الزواج بثانية قد يكون حلاً لمشكلة قائمة، فقد تكون الزوجة مريضة أو عقيم أو مشغولة عن الزوج؛ ففي هذه الحالة وبعد استنفاد وسائل العلاج والإصلاح المستطاعة ورضاء الزوجة المريضة وسماحة نفسها قد يتزوج الرجل، وعند تعذّر الاتفاق على حل مرضٍ للطرفين فلا حرج على الزوج من الارتباط بأخرى، مبيناً أن الزوج قد يقدم على الزواج الثاني حلاً لمشكلة امرأة قريبة له أو أم أيتام ذوي قربى أو احتساب للأجر؛ كالزواج من فتاة معوقة أو ذات ظرف خاص، محذراً أن يكون الزواج بثانية ناتجاً عن ردة فعل تجاه تصرف غير مقبول من الزوجة الأولى، أو غضب من موقف معين أو عجز عن مواجهة وحل مشاكل زوجية أو نتاج نصيحة من قريب أو زميل أو مكيدة ضد الزوجة الأولى. وأشار إلى أنه في حال كانت دوافع الزواج غير مشروعة وغير ناتجة عن حاجة ماسة لا سبيل لتلبيتها إلاّ بالزواج من ثانية؛ فإن هذا الزواج المتسرع أو المدفوع له الزوج من آخرين غالباً يكون مآله الفشل، وسيجلب على الأسرة والرجل بالذات المزيد من المشاكل والصعاب، موجها النصح لمن يفكر في الزواج بثانية أو أكثر أن يعتبر ذلك مشروعاً يحتاج دراسة جدوى ورصد لإيجابياته وسلبياته، وليكن رأي المختصين هو الأعلى في اتخاذ القرار، كما نأخذ رأي المهندس عندما ننوي إقامة مسكن أو عمارة فالزواج أولى بهذه الدراسة. وحذّر "د.العبّار" من جعل ذلك من أمور المزاح أو الجدال أو التحدي في المجالس؛ فهذا رباط مقدس أسمى وأجل من أن يكون فكاهة مجلس، هامساً في أذن كل من يشجع على الزواج من ثانية بطريقة عشوائية أو كيدية بأن يتقي الله، ولا يسعى في هدم الأسر القائمة، ولينجو هو بنفسه ولا يتحمل مسؤولية ذلك أمام الله والخلق. الزوجة الثانية قد تدفع الثمن من المشاكل مهما كانت الظروف لصالحها أرشيف «الرياض» قبل أن تقرر الزواج من ثانية تأكد أنك لم تظلم الأولى