الهلال يطوي صفحة الدوري مؤقتاً ويفتح ملف «نخبة آسيا»    اليونيفيل : لم نسهّل أي عملية اختطاف أو أي انتهاك للسيادة اللبنانية    جامعة الإمام عبدالرحمن بن فيصل تعقد المؤتمر العالمي لطب الأعصاب    اكتشاف قرية أثرية من العصر البرونزي في واحة خيبر    الأردن: لن نسمح بمرور الصواريخ أو المسيرات عبر أجوائنا    إطلاق مهرجان هيئة تطوير محمية الملك سلمان بن عبد العزيز الملكية    رونالدو يعلق على تعادل النصر في ديربي الرياض    وسم تختتم مشاركتها في أبحاث وعلاج التصلب المتعدد MENACTRIMS بجدة    حقيقة انتقال نيمار إلى إنتر ميامي    «الداخلية»: ضبط 21370 مخالفًا لأنظمة الإقامة والعمل وأمن الحدود.    بلدية محافظة البكيرية تنفذ فرضية ارتفاع منسوب المياه وتجمعات سطحية    السعودية تعرب عن قلقها إزاء استمرار القتال في السودان الشقيق وتصاعد أعمال العنف التي طالت المدنيين من نساء وأطفال    مرثية مشاري بن سعود بن ناصر بن فرحان آل سعود    المملكة "برؤية طموحة".. جعلتها وجهة سياحية عالمية    الفرصة لاتزال مهيأة لهطول الأمطار على معظم مناطق المملكة    الشيف الباكستانية نشوى.. حكاية نكهات تتلاقى من كراتشي إلى الرياض    في الجوف: صالون أدب يعزف على زخات المطر    مثقفون يناقشون "علمانيون وإسلاميون: جدالات في الثقافة العربية"    معدل وفيات العاملين في السعودية.. ضمن الأدنى عالمياً    آلية جديدة لمراجعة أجور خدمات الأجرة عبر التطبيقات    مؤشرات الأسهم الأمريكية تغلق على ارتفاع    "الأرصاد": أمطار على منطقة المدينة المنورة    هيئة الهلال الاحمر بالقصيم ترفع جاهزيتها استعداداً للحالة المطرية    جمعية البر بالجنينة في زيارة ل "بر أبها"    أمانة القصيم تقيم المعرض التوعوي بالأمن السيبراني لمنسوبيها    الكلية التقنية مع جامعة نجران تنظم ورشة عمل بعنوان "بوصلة البحث العلمي"    انطلاق فعاليات "موسم التشجير السنوي 2024" ، تحت شعار "نزرعها لمستقبلنا"    ضمك يتعادل إيجابياً مع الرياض في دوري روشن للمحترفين    وقاء جازان ينفذ ورشة عمل عن تجربة المحاكاة في تفشي مرض حمى الوادي المتصدع    ارتفاع حصيلة ضحايا انهيار سقف محطة قطار في صربيا إلى 14 قتيلاً    الشؤون الإسلامية في جازان تطلق مبادرة كسوة الشتاء    أروماتك تحتفل بزواج نجم الهلال "نيفيز" بالزي السعودي    تن هاج يشكر جماهير مانشستر يونايتد بعد إقالته    ماسك يتنبأ بفوز ترمب.. والاستطلاعات ترجح هاريس    الحمد ل«عكاظ»: مدران وديمبلي مفتاحا فوز الاتفاق    المذنب «A3» يودِّع سماء الحدود الشمالية في آخر ظهور له اليوم    الرياض تشهد انطلاق نهائيات رابطة محترفات التنس لأول مرةٍ في المملكة    تصعيد لفظي بين هاريس وترامب في الشوط الأخير من السباق للبيت الابيض    حائل: إطلاق مهرجان هيئة تطوير محمية الملك سلمان بوادي السلف    البدء في تنفيذ جسر «مرحباً ألف» بأبها    مبدعون «في مهب رياح التواصل»    أمير المدينة يرعى حفل تكريم الفائزين بجوائز التميز السنوية بجامعة الأمير مقرن بن عبدالعزيز    الطائرة الإغاثية السعودية السابعة عشرة تصل إلى لبنان    ما الأفضل للتحكم بالسكري    صيغة تواصل    هاتف ذكي يتوهج في الظلام    الدبلة وخاتم بروميثيوس    أماكن خالدة.. المختبر الإقليمي بالرياض    السل أكبر الأمراض القاتلة    الأنساق التاريخية والثقافية    هوس التربية المثالية يقود الآباء للاحتراق النفسي    «الرؤية السعودية» تسبق رؤية الأمم المتحدة بمستقبل المدن الحضرية    عمليات التجميل: دعوة للتأني والوعي    المرأة السعودية.. تشارك العالم قصة نجاحها    خادم الحرمين وولي العهد يعزيان ملك إسبانيا إثر الفيضانات التي اجتاحت جنوب شرق بلاده    مدير هيئة الأمر بالمعروف في منطقة نجران يزور مدير الشرطة    أمير منطقة تبوك ونائبه يزوران الشيخ أحمد الخريصي    لا تكذب ولا تتجمّل!    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الغزو السوفياتي لافغانستان انهى 40 عاماً من الحرب الباردة!
(حروب الشبح) 4 - 5
نشر في الرياض يوم 30 - 06 - 2005

على مدى الحلقات الثلاث الماضية استعرضنا من خلال كتاب «حروب الشبح» للصحفي الأمريكي ستيف كول الدور الذي لعبته وكالة المخابرات المركزية الأمريكية في دعم المجاهدين الأفغان في حربهم ضد الاتحاد السوفييتي والذي بدأ منذ عام 1979 واستمر لمدة عشرة أعوام تقريباً انتهت بقرار الاتحاد السوفييتي الانسحاب، والتخلي عن حليفهم في أفغانستان نجيب الله الذين خيروه بين الحضور الى روسيا أو أي مكان آخر يوفرون له فيه الحماية أو البقاء في أفغانستان وهو الخيار الذي أيدته زوجة نجيب الله التي قالت انها تفضل الموت في بلدها عن النفي إلى أي مكان آخر.
لكن الملاحظة الأساسية التي يمكن استخلاصها من الفصول السابقة تتعلق بأداء جهاز المخابرات الأمريكية والذي يبدو مماثلاً لأداء الكثير من الإدارات الأمريكية الأخرى، اذ يعتمد بشكل أساسي على الديناميكية والحركة؛ بمعنى أن هناك هدف استراتيجيا واحدا توضع عدة سياسات لتحقيقه، مهما تعاقب الأشخاص على إدارة جهاز المخابرات نفسه في واشنطن أو تعاقب رؤساء الفروع والوحدات المختصة. بحيث يعطي كل شخص أفضل ما لديه ثم ينصرف تاركاً المجال لغيره.
ولعل هذا ما نفتقده نحن في منطقتنا العربية وهو ما يؤدي إلى نوع من بطء الحركة والجمود بشكل عام.
ومع ذلك فقد واجهت وكالة المخابرات المركزية الأمريكية أزمة حادة بعد 11 سبتمبر؛ على الرغم من كل نجاحاتها وما حققته في تاريخها، وبينها دورها في الحرب الأفغانية الروسية التي كانت إحدى العوامل الأساسية في إنهاء الحرب الباردة التي استمرت على مدى أربعين عاماً كاملة.. حيث بدأت تداعيات انهيار الاتحاد السوفييتي، أو العد التنازلي لهذا الانهيار منذ انسحابها من أفغانستان.
ذلك أن أحداث سبتمبر كانت على النقيض تماماً، إذ كانت سبباً في إعادة النظر بجهاز المخابرات كله في إطار السؤال الذي طرحه الرأي العام الأمريكي آنذاك حول جدوى وجود جهاز السي آي إيه من الأساس.
وقد بدأت المخابرات الأمريكية في ملاحظة تضاعف قوة التيار الإسلامي الممثل من العرب الذين حضروا إلى أفغانستان للجهاد منذ صيف عام 1989 كما يوضح كول في الكتاب.. ووصفها أحد التقارير المرفوعة إلى قيادة الوكالة في واشنطن من عملاء الوكالة في أفغانستان بأنها شبكة واسعة تمثل قوة تتنامى بشكل ملحوظ ويمكن اعتبارها مشكلة في طريقها للتصاعد.
وظهرت مشكلات عديدة منها قيام الجزائريين الإسلاميين في أفغانستان في قطع الطريق على المواكب المرافقة للمعونات قبل وصولها إلى هدفها وسلبها. كما تعرض المسيحيون التابعون لمؤسسات المساعدات الدولية لتهديدات وتحرشات من قبل العرب والأفغان الموالين لحكمتيار وسياف.
كما حدثت عدة مناوشات بين الصحفيين الأجانب الذين كانوا يقومون بتغطية الأحداث وبين أفراد من المنضمين إلى المجاهدين في أفغانستان.
وقدر عدد العرب الذين تطوعوا للجهاد حتى عام 1989 بنحو أربعة آلاف مقاتل أغلبهم خضعوا لقيادة سياف وفي إسلام أباد، وبعد انسحاب الاتحاد السوفييتي أصبح للوكالة الأمريكية للمخابرات مقران، وفي كلا المقرين أبدى كل من بردين وعضو آخر من جهاز المخابرات يدعى أندرسون، عدم ارتياحهما لتنامي وجود ونفوذ العرب في أفغانستان. لكن ذلك لم يؤثر على سياسة الولايات المتحدة المقررة بشأن أفغانستان والمنطقة.
ثم ظهر متغير جديد.. فبعد خروج الاتحاد السوفييتي كان السؤال ما هو الذي سيوحد الأفغان والمجاهدين الآن؟ وطرح السؤال لم يكن من فراغ فقد كانت هناك شواهد عديدة على تشرذم الأفغان.. فقد اختلف حكمتيار ومسعود لتبدا بينهما مواجهة بلغت حد الحرب الأهلية.
كما توترت الأجواء بين أسامة بن لادن وعبدالله عزام.. الذي حاول التزام الحياد بين طرفي الصراع فقرر تكوين فريق من المجاهدين العرب قوامه 200 شخص ليتجولوا في ربوع أفغانستان في محاولة لحقن الدماء وإيقاف الحرب التي اندلعت شرارتها بين أتباع مسعود وأنصار حكمتيار.. لكن أحداً لم يكن في مزاج يناسب الدخول في مفاوضات من أي نوع آنذاك.
ومن جهته أعلن أسامة بن لادن انحيازه إلى صفوف حكمتيار.
وقد كان هذا الانحياز نتيجة ما أشاعه أتباع حكمتيار من أن مسعود يتلقى معونات من المخابرات الفرنسية وأنه شوهد وهو يسبح مع ممرضات فرنسيات عاريات في حمام سباحة بأحد المنتجعات في «بانشير».
ويوضح كول أن ما أشاعه حكمتيار حول مساعدات المخابرات الفرنسية كان صحيحاً أما الإشاعة الثانية فلم يكن لها أي أساس، لكنها أدت إلى انحياز ابن لادن إلى فريق حكمتيار على أي حال.
وفي تلك الأثناء بدأ أنصار حكمتيار وأتباعهم من المجاهدين العرب في طرح فكرة التكفير على نطاق واسع وتسميتة الكثير من المسئولين وتكفيرهم ثم بدأت الفكرة تتوسع إلى خارج نطاق أفغانستان، ووصف بعض رؤساء دول المنطقة بأنهم كفار.
وعلى الرغم من التوترات بين عزام وابن لادن، فقد كان عزام معجباً بابن لادن، ولكنه كان يرى أن وجوده في أفغانستان يحد من قدراته ويجعله يدور في أفق أفكار ضيقة. وكان قلقاً على مستقبله.
لكن المستقبل كان في صف ابن لادن على ما يبدو، فقد تعرض عزام للاغتيال بعد إنهاء خطبة الجمعة في أحد مساجد بيشاور في 24 نوفمبر عام 1989 من خلال عربة مفخخة فقتل هو واثنان من أبنائه.
أما ابن لادن فقد بدأ يتحرك، وهو يفكر في خصوم آخرين خارج حدود أفغانستان.. فقد قرر آنذاك أن الجهاد يحتاج إلى أن يبدأ في مناطق أخرى في العالم. وكان ذلك طوال عام 1990 وحتى 1991 عندما قرر العودة إلى أفغانستان لبحث مشكلة الصراع الذي بدأ يتصاعد بقوة بين كل من أحمد مسعود شاه من جهة وحكمتيار وأنصاره من جهة أخرى.
بينما بدأت المنافسة بين كل من جهاز المخابرات الأمريكية من جهة وجهاز الأمن القومي في التعامل مع الملف الأفغاني منذ مطلع عام 1991.
إلا أن فرعا آخر من فروع وكالة المخابرات الأمريكية بدأ يهتم بقضية الأفغان العرب وهو فرع السودان، فقد تم نقل كوفر بلاك من لندن إلى الخرطوم ليدير عمليات السي آي إيه هناك خلال عام 1993.
ولم تكن حكومة الخرطوم آنذاك من الحكومات التي تتعامل معها أجهزة المخابرات الأمريكية على أرضية من الثقة. ولم يكن مقر الوكالة نفسه من المقار التي تعرف بالرفاهية، بل إن ظروف العمل هناك بشكل عام كانت تتسم بالقسوة، لكن مثل هذه الظروف هي الظروف التي يفضلها شباب العاملين بالمخابرات الأمريكية لإثبات ذواتهم.. فهناك الكثير من العمل، خاصة وأن الشوارع والطرقات تعج بأعمال العنف والمشكلات. على عكس الأمر في أوربا حيث يقضي رجال المخابرات الأمريكية أغلب وقتهم هناك في المقاهي والحانات مع موظفين يحاولون الحصول منهم على أية معلومات.
وفي الخرطوم بدأت تقارير المخابرات ترصد تحركات ابن لادن، ودعمه لوصول مجموعة من العرب المجاهدين.
ولكنه لم يتعامل أو يبدو مثل قائد عمليات عسكرية سرية، وإنما كان يتعامل بشكل طبيعي ويظهر في الأماكن التي يتحرك فيها خاصة وأن جزءاً من نشاطه بدا كنشاط استثماري.. حيث اشترى مزرعة في شمال الخرطوم بمبلغ 250 ألف دولار، ثم مزرعة ملح أخرى بمبلغ 180 ألف دولار وأسس امبراطورية اقتصادية قوامها الأساسي مجال المقاولات في مجمع ضخم وموظفين وسكرتارية، وكان متوسط الرواتب التي يدفعها لمساعديه تتراوح بين 300 دولار شهرياً لأعوانه من السودانيين وتصل إلى 1500 دولار للمصريين والعراقيين.
كما عقد عدة صفقات ضخمة في الاستيراد والتصدير احتكر فيها صادرات السودان من القمح والذرة والصمغ وبعض المنتجات الزراعية الأخرى. وتوسع في زراعة مئات الفدادين من الأراضي الزراعية. وكان دائم الحركة واللقاءات مع رجال الحكومة السودانية، كما أنه كان يمارس الفروسية بصحبة أبناء الترابي.
لكن فرع وكالة المخابرات الأمريكية في الخرطوم رصدت الطائرات التي كان يستخدمها لنقل المواد الزراعية التي كانت بمثابة تمويه لنقل أسلحة بين السودان وباكستان. كما أنه اشترى مجموعة من الجمال التي كانت تقوم بنقل المسدسات بين السودان وصحراء مصر عبر الحدود.
ومع ذلك، فقد كان وضعه مازال ملتبساً، فقد تعرض لعملية اغتيال في السودان من قبل بعض المتشددين الذين رأوا أن ما يفعله في السودان لا يتناسب مع ما يجب أن يقوم به كإسلامي راديكالي.
لكن الأمور أخذت منحى آخر بعد عام 1994 مع تصاعد أعمال أعمال العنف في المغرب ومصر والسودان وباكستان، وكانت نتائج التحقيقات تشير في أغلبها إلى التأثر بالجماعات الأصولية في مصر وأسامة بن لادن، أو إلى الخبرات التي حصل عليها منفذو هذه العمليات في معسكرات التدريب بأفغانستان.
في عام 1995 تولي إدارة السي آي إيه جون دوتش الذي كان يعمل نائباً لوزير الدفاع باقتراح من الرئيس الأمريكي آنذاك، بل كلينتون الذي أقال جيمس وولسي بعد فضيحة تخابر لحساب روسيا لم تتمكن أمريكا من اكتشافها.
ورغم أن دوتش لم يبد اهتماماً بالعمل في المخابرات، ولكنه قبل المنصب إزاء إصرار كلينتون، وعندما بدأ العمل كان يصف نفسه باعتباره رجل التقنيات والستالايات والإشارات.
وكان يعتقد أن تاريخ المخابرات صنعته وسائل المراقبة والتجسس والأقمار الصناعية. ولم يبد اهتماماً كبيراً بالعملاء الذين يتم زرعهم كعملاء تخابر، فقد كان يرى أنهم فقدوا الكثير من المواصفات الاحترافية المطلوبة أو نسوها.
وكانت ميزانية الوكالة في تقلص مستمر، وفي منتصف عام 1995 لم يزد عدد المتدربين الجدد على العمليات على 12 شخصاً، ولم يتجاوز عدد رجال المخابرات المنفذين لعمليات الوكالة في أرجاء العالم 800 فرد، وهو ما يعادل 25 بالمئة من عددهم خلال سنوات الحرب الأفغانية.
وبسبب تورط أحد عملائهم في قضية التخابر المزدوج، فقد رفعت معدلات الاحتياط وأصبح كل شخص يعمل في السي آي إيه هو محل اختبار وشك.
لكن الاهتمام انصب على مركز مكافحة الإرهاب، خاصة بعد أعمال التفجير في أوكلاهوما. وهو ما دعا الرئيس بل كلينتون إلى إضافة بعض البنود الخاصة باستراتيجية مركز مكافحة الإرهاب والتي بدأت عملها في عهد ريجان.. وكان من بين ما أضافه كلينتون فقرة تقول بضرورة مواجهة أي هدف بالعنف والتعامل معه دون الرجوع للدولة المضيفة بحيث يخضع للمحاكمة وفقاً للقوانين الأمريكية. كما دعت إلى قيام السي آي إيه ببرنامج عنيف في مجالات جمع المعلومات وتحليلها والسيطرة على التخابر المضاد.
وفي عام 1996 قام مركز مكافحة الإرهاب بافتتاح مكتب مختص بتعقب أسامة بن لادن.. وهي المرة الأولى التي يقوم بها الجهاز بفتح مكتب مختص بشخص بمفرده.
ورغم أن السي آي إيه كانت، حتى ذلك الوقت، تعتبر ابن لادن.. رجل أموال يقوم بدعم الحركات الإسلامية مادياً، لكن متابعته بشكل دقيق حولت هذه الصورة ليصبح الممول الأهم للحركات الإسلامية المتطرفة في العالم.
ويوضح ستيف كول أن ريتشارد كلارك أكد لاحقاً أنه طالب ببدء تعقب تنظيم القاعدة في السودان آنذاك، لكن لم يؤخذ طلبه بجدية، وكانت الفكرة التي يطمح رجال المخابرات الأمريكية هي في مراقبة ابن لادن بمفرده، ولكن قبل أن يحكموا أمرهم كان ابن لادن قد غادر السودان متوجهاً إلى أفغانستان.
وعندما وصل ابن لادن إلى أفغانستان كانت جلال آباد تحت سيطرة - إن لم تكن تحت حكم - مجموعة من رجال الشورى كما أطلقوا على أنفسهم ينتمون إلى جماعة البشتون الذين كانوا من جماعات المجاهدين ضد السوفييت وأنصارهم في أفغانستان. وكانوا يقاومون الدعوات التي اقترحت عليهم الانضمام إلى طالبان، كما أنهم حافظوا على مسافة بينهم وبين كل من مسعود وحكمتيار.. وكان زعيمهم حاجي قادر أحياناً يوصف بأنه عمدة جلال آباد.
وبلا شك - كما يقول كول - إن ابن لادن كان يعرف بعض أفراد جماعة جلال أباد خلال الثمانينات والتسعينات وأنه كان على اتصال بهم خلال سنوات وجوده في السودان، ومن الملاحظ أن ابن لادن لم يذهب الى المناطق التي كانت تحت سيطرة طالبان.
وكان بعض المراقبين والمحللين الأمريكيين قد أكدوا أن ابن لادن في ذلك الوقت قدم بعض المعونات المادية لطالبان خلال فترة وجوده في السودان، لكن مستوى علاقاته بهم لم تصل الى الاتصال المباشر.
وكانت حركة طالبان قد بدأت الدخول في مرحلة جديدة من القوة والطموح في السلطة في التوقيت الذي وصل فيه بن لادن إلى أفغانستان، ولم يعد دورهم مجرد ذلك الدور الاستشاري الذي لعبوه في عامي 1994 و 1995 وإنما تطور إلى حركة سياسية عسكرية لها أهداف وطنية.
وأعلنوا على لسان الملا رباني عن أهدافهم لتطهير البلاد من مجرمي الحرب واعتبروا أن مسعود هو سبب كل الشرور في أفغانستان.
وفي ربيع عام 1996 اصطحب الملا عمر نحو 1000 من رجال الدين والأتباع من البشتون إلى قندهار واختار المسجد القريب من ضريح الملك أحمد شاه دوراني ليلقي خطبة بينما بدأ أتباعه بمناداته بلقب أمير المؤمنين وأعلنوا اسم الدولة الجديد باعتباره الإمارات الإسلامية الأفغانية ونادوا بالجهاد ضد مسعود.
لكن الولايات المتحدة لم تكن تبالي كثيراً بسياسات الأفغان في ذلك الوقت، وما تم من جهد للمباحثات من قبل روبين رالف كان بدعم من رجال الكونغرس وليس البيت الأبيض. وكانت روبين رالف هي مديرة مكتب جنوب آسيا التابع للأمن القومي الأمريكي.
وفي شهر أغسطس من عام 1996 هاجمت قوات طالبان جلال أباد، وانتهت المواجهة بهرب رجال الشورى بما فيهم حاجي قادر وتركوا ابن لادن بمفرده. واحكمت طالبان سيطرتها على المنطقة.
وكانت هذه هي الظروف التي وحدت أخيراً بين كل من مسعود وحكمتيار الذي طالب مسعود عدة مرات بأن يحضر قواته ويواجه طالبان معه.
وانطلقت قوات طالبان في اليوم التالي الى كابول وقد تعمموا بعمامات سوداء وكحلوا عيونهم بالكحل، وفي خلال ذلك اليوم كان كل مبنى أو قصر أو قاعدة عسكرية تابعة للحكومة قد أصبحت تحت سيطرتهم. وحتى نجيب الله الذي كان يعيش تحت الإقامة الجبرية في أحد المباني التابعة للأمم المتحدة منذ عام ,1992. وكان يعيش أيامه يشاهد التليفزيون ويعكف على ترجمة كتاب عن الوجود البريطاني في أفغانستان. وفي يوم 27 سبتمبر هاجموا بيته ورجموه بالحجارة حتى توفي هو وشقيقه.
وبدأت قيادات طالبان، وعلى رأسهم الملا عمر، في إصدار القرارات التي بدأت بفرض عودة السيدات العاملات إلى بيوتهن وعدم الخروج حتى للدراسة والالتزام بالزي الشرعي، وخرجت قرارات تحرم على أي سائق تاكسي التوقف لأي سيدة لا ترتدي البرقع.. وغيرها من الأحكام المتشددة.
وبدأ ابن لادن تحركاته في نوفمبر من عام 1996 وكانت إحدى الصحف العربية قد أجرت معه حواراً صحفياً في أحد الكهوف بقندهار آنذاك، وصفت الكهف بأنه مجهز بأجهزة الكمبيوتر - وقال ابن لادن في ذلك الحوار أن العدو الأساسي الذي تواجهه الجماعات الإسلامية وتنظيم القاعدة بشكل خاص هو الولايات المتحدة الأمريكية.
وأوضح للصحيفة أن الرعايا الأمريكيين في المنطقة العربية مستهدفون، وأكد أن الخبرة التي اكتسبها هو ورجاله خلال عشر سنوات من الحرب ضد السوفييت ستجعل المهمة في مواجهة الأمريكيين أسهل كثيراً.
ورغم كل ذلك، وما تلاه من وقائع امتدت خلال عام 1997، استمرت التحركات الأمريكية في حجمها الطبيعي فيما يتعلق بالمسألة الأفغانية أو ابن لادن.
كما أن وكالة الاستخبارات الأمريكية كانت قد بلغت مرحلة من أسوأ مراحلها، وكذلك الأمر في إدارة عملياتها - كما يقول ستيف كول - وهي المرحلة التي تسلم فيها جون تينيت إدارتها في يوليو من عام 1997 . وكانت هناك حالة عامة من الارتباك، وربما نوع من عدم تقدير إدارة كلينتون لجهاز المخابرات.
وفي ذلك الوقت بدأت الحركات النسوية الأمريكية في شن حملة على الأوضاع في أفغانستان وخاصة أوضاع المرأة الأفغانية وهو ما أثار اهتمام اثنتين من السيدات اللائي يتمتعن بالقوة في أمريكا وهما مادلين أولبرايت وهيلاري كلينتون.
وهو ما دعا اولبرايت لزيارة بيشاور ذلك العام وعادت منها بتقرير شديد القوة في انتقاد طالبان. وبعدها بأسابيع قامت هيلاري كلينتون بإلقاء خطبة تناولت فيها الأوضاع السيئة للمرأة الأفغانية وأعقبتها بمجموعة من الانتقادات اللاذعة للحكومة الأفغانية وكانت هذه هي المرة الأولى التي يوجه فيها أي طرف قريب من دوائر البيت الأبيض نقداً لاذعاً على هذا المستوى الجماهيري.
وعلى صعيد آخر، وحتى نهاية هذا العام، كانت المخابرات الأمريكية بقيادة جون تينيت تعرف جيداً ما يفعله ابن لادن في تلك الأثناء، وهو ما دعاه لدعم الوحدة الخاصة به التابعة لمركز مكافحة الإرهاب.. لكن الصورة التي كانت وكالة المخابرات مازالت تحتفظ بها لابن لادن هي صورة الشخص المولع بالظهور، الثري، الخطير والممول لأعمال العنف.. لكنه في النهاية معزول في أفغانستان.
وكان تينيت يؤمن بأن المخاطر النووية التي تواجهها الولايات المتحدة من خلال الأسلحة الموجهة للمدن الأمريكية أو التي كانت تواجهها خلال الحرب الباردة.. لا يمكن مقارنتها في النهاية بأية أخطار محتملة من جهة ابن لادن.
وبالتالي فإن أياً من قيادات وكالة المخابرات أو البيت الأبيض لم يخطر على بال أحد منهم إعداد خطة لاعتقاله أو قتله. فلم يكن له مثل درجة الخطر التي تفرض هذا الأمر.. لكن مثل هذه الخطة كانت على وشك أن تبدأ.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.