مع القراءة المتأنية لكتاب «حروب الشبح» للصحفي الأمريكي ستيف كول مدير تحرير صحيفة «الواشنطن بوست» يبدو جلياً كيف أن أي قراءة لأصول تنظيم القاعدة لا يمكن أن تكون دقيقة بدون معرفة دور جهاز المخابرات الأمريكي في الملابسات التي أدت إلى تشكيل التنظيم بالشكل الذي وصل إليه في الوقت الراهن. وعلى الرغم من إشارة كول في أحد فصول الكتاب إلى أن كلاً من جهازي المخابرات الأمريكي والسوفييتي لم يقدرا حجم الحركة الإسلامية المتنامية في كل من أفغانستانوإيران في نهاية عام 1979، لكن الواضح أن جهاز المخابرات ألأمريكي قرر على الفور أن يستخدم الأمور لمصلحته، لمواجهة النفوذ الشيوعي الوليد في أفغانستان، الذي تديره المخابرات السوفييتية وذلك من خلال دعم القوي الإسلامية المناوئة له خاصة بين أعضاء اتحاد الطلبة وجماعات الجهاد. ولاحت أولى مظاهر المواجهات العنيفة بين الشيوعيين والإسلاميين في أفغانستان في ربيع عام 1979؛ حيث قامت مجموعة من النشطاء المتدينين الذين الهبت حماسهم عودة الخميني منتصراً إلى إيران، قاموا بالتوجه إلى الصحراء وهم يرفعون شعاراتهم الحماسية المناهضة للشيوعيين في منطقة على الحدود بين أفغانستانوإيران، وبالتحديد في قرية صغيرة تعرف باسم حرات، كانت منطقة صحراوية، تبدو لهجة أهلها أقرب للفارسية، ولم تكن تقاليدها الإسلامية، والتي تتضمن بعض الأصول الصوفية، تتعنت مع النساء كما هو الحال في باقي أرجاء أفغانستان. بل كانت مدينة متدينة، يدين أغلب أهلها بالمذهب الشيعي، ولكنهم، سواء كانوا من الشيعة أو غيرها من المذاهب الإسلامية، كانوا جميعاً متحمسين للخميني. وكان الشيوعيون في كابول ومستشاروهم قد فرضوا بعض الأسس المستلهمة من النظام العلماني. وبالإضافة للمعسكرات التي اقاموها لتعليم النساء، فرضوا سيطرتهم بواسطة الجنود على الكثير من المناطق التي كانت خاضعة لسيطرة رجال الدين في السابق. وكانوا قد أقروا بعض النظم الاجتماعية التي يفرضها الإسلام وبينها إلغاء المهر المدفوع للعروس عند الزواج، كما فرضوا تعليم أسس النظرية الماركسية وأفكارها. وقام شخص يتمتع بالتأثير أو «الكاريزما» ويدعى إسماعيل خان بالدعوة إلى الجهاد ضد الشيوعيين، وقاد بالفعل مجموعة من أنصاره في ثورة عنيفة حيث قام أتباعه بمهاجمة وقتل أكثر من 12 سوفيتياً من المستشارين وزوجاتهم وأطفالهم، ومثلوا بجثثهم في الشوارع. وأسرع خبراء الطيران السوفييت بسحب الطائرات الموجودة وخرجوا بها خارج أفغانستان كنوع من الرد، وقررت الحكومة الشيوعية الأفغانية مواجهة الأمر بعنف في ذكرى احتفالها بمرور عام على وجودها في الحكم فدخلت في مواجهة عنيفة مع خصومها أسفرت 20 ألف قتيل في حرات وحدها. وفر إسماعيل خان هارباً إلى منطقة الريف في الغرب لدعم بعض الحركات المتمردة الأخرى. واحتدم الجدل في KGB بين أعضاء جهاز المخابرات لتقييم الوضع، وكانوا يرون أن الشيوعيين يطبقون المبادئ الماركسية حرفياً، بالشكل الذي لا يتلاءم مع استعداد أهل أفغانستان لها، وكان واضحاً للجميع أن هناك الكثير من المشكلات الاجتماعية التي لا يمكن حلها في مجتمع مثل أفغانستان بالنظرية الماركسية. كما أنهم لم يكونوا يقدرون وضع الأصوليين الإسلاميين بشكل موضوعي. وقام «ألكسي كوسجين» بالاتصال بالقائد الأفغاني الشيوعي نور محمد تاراكي محاولاً إقناعه بعدم دفع الأمور بهذا الشكل السريع.. والتعامل مع مواطنيه باللين وبالتدريج. ويصف المؤلف تاراكي بأنه رجل عديم الخبرة، شهد الفترة الأولى للثورة الشيوعية ممارساً لعقيدته الخاصة، بينما نشر الكثير من الملصقات التي حملت صورته وتحتها كتبت كلمة «المعلم العظيم». وقام بتصفية كل خصومه ونفى بعضهم الآخر. وعرف في أروقة جهاز المخابرات السوفييتي بأنه يرغب في تطبيق مبادئ «لينين» بكل صرامة في كابول، مؤكداً في مناقشاته مع رجال «الكي جي بي»، أن «لينين» في مبادئه أكد على ضرورة استبعاد الرأفة مع خصوم الثورة للحفاظ على نجاحات ثورة أكتوبر في الاتحاد السوفييتي التي تعود لعام 1917. وفي ذلك الوقت، أي في بدايات شهر مارس من عام 1979، كان جهاز المخابرات الأمريكي قد أرسل اقتراحاً بالدعم السري للحركات المناهضة للشيوعيين الأفغان، إلى الرئيس الأمريكي «جيمي كارتر» تقريباً في وقت اشتعال أزمة «ثورة حرات». كانت المذكرة تستند على أن الإعلام الروسي كان يردد أخباراً تقول أن الولاياتالمتحدة ومصر وباكستان يقدمون دعماً للحركات المناهضة للشيوعيين، ولأن الولاياتالمتحدة لم تكن قد فعلت ذلك فإن الوقت بدا مناسباً لتبدأ ذلك فعلاً وفقاً لما جاء في مذكرة السي آي إيه. ويوضح ستيف كول أن جزءاً أساسياً من أسباب هذا التوجه الأمريكي كان يعود إلى التأثير السلبي لوصول الخميني إلى إيران على الولاياتالمتحدة في منطقة الشرق الأوسط كلها، وقد أرادت أمريكا أن تجذب انتباه المنطقة إلى طرف آخر مثل الاتحاد السوفييتي بدلاً من التركيز عليها بمفردها. لكن البيت الأبيض علق الاقتراح لفترة، لما فيه من مجازفة، ولأنه قد يدفع الاتحاد السوفييتي، كنوع من رد الفعل للسيطرة على بعض المناطق البترولية في الشرق الأوسط. لكن رئيس فريق المحللين لشؤون الاتحاد السوفييتي في المخابرات الأمريكية «أرنولد هوليك» رفع مذكرة إلى الأدميرال ستانسفيلو تيرنر مدير المخابرات الأمريكية أوضح فيها مخاوفه من احتمالات دفع الشيوعيين الأفغان إلى تشجيع الاتحاد السوفييتي على توسيع رقعة دعمهم في المنطقة لتصل إلى باكستانوإيران وربما الصين في مرحلة لاحقة، إذا نجحوا في القضاء على الثورة الإسلامية في أفغانستان. وأوضح هوليك في مذكرته أنه في حالة رفض ضياء الحق في باكستان التضامن مع الاتحاد السوفييتي وفي حالة قرار الأخير لغزو باكستان فقد يطلب ضياء الحق مساعدة أمريكا وهو ما قد يكون السيناريو الذي يشعل شرارة الحرب العالمية الثالثة في حالة كهذه. وهكذا بدأت المسألة تأخذ الشكل الذي سيقود للسؤال التالي - ما شكل الدعم الذي يمكن أن تقدمه الولاياتالمتحدة الى الثوار الإسلاميين ؟ في ذلك الوقت كانت اجتماعات المخابرات السوفيتية لدراسة المسألة الأفغانية وصلت الى أن أسباب الثورة الإسلامية في أغلبها ثورة على الأوضاع الاقتصادية والفقر، وبالتالي بدأت روسيا في تقديم نصائحها إلى الحكومة الأفغانية بتخفيف تشددها وإظهار تعاطفها مع تعاليم الإسلام. وبحلول يوليو من عام 1979 كان الرئيس الأمريكي قد أعطى الأمر بإنفاق 500 ألف دولار في الدعاية المناوئة للشيوعية في أفغانستان. وقبل أن تحاول روسيا فهم ما يحدث، ظهر متغير جديد، فقد بدأت الخلافات بين قادة الأفغان من الشيوعيين، فقد ظهر في الصورة حفيظ الله أمين وكان أحد الطلبة الذين فشلوا في إكمال دراستهم بجامعة نيويورك وقائدا من قادة الثورة الشيوعية في أفغانستان عام 1978، وانقلب على «المعلم العظيم» تاراكي وانتهى الأمر بمقتل الأخير. وبدأ الروس يشعرون بالمخاوف من كون حفيظ الله أمين هو مجرد عميل أمريكي تابع لجهاز المخابرات السي أي إيه. ووصلت اليهم عدة تقارير أكدت مخاوفهم، ومنها أنه التقى بمجموعة من الدبلوماسيين الأمريكيين في كابول، كما أنه طلب الحصول على سلطة تخول له عودة مبالغ من الدعم الروسي المودعة في حسابات أجنبية لصالح أفغانستان تبلغ 400 مليون دولار أمريكي. أما بالنسبة للأمريكيين فإن أمين بالنسبة لهم لم يكن أقل خطورة مما يتصوره السوفييت. فقد كان الأمريكيون يعتبرونه متحملاً لمسؤولية مقتل السفير الأمريكي الأسبق في أفغانستان أدولف دوبس، والذي وجد مقتولاً في غرفة أحد فنادق كابول مطلع عام 1979. وفي مواجهة لأي احتمالات غير متوقعة وللإجابة عن الأسئلة المطروحة بلا إجابات، بدأت قيادات المخابرات السوفييتية التفكير في أن الحل الوحيد هو اغتيال أمين وغزو أفغانستان ودفع المزيد من القوات الشيوعية والقادة الأكثر إخلاصاً للاتحاد السوفييتي، وهكذا اتخذ القرار في موسكو بأن يبدأ الغزو في 26 نوفمبر عام 1979، بعد أربعة أيام فقط من حادث مداهمة السفارة الأمريكية في إسلام أباد وثلاثة أسابيع من حادثة مشابهة في طهران. ومع بدء العمليات العسكرية السوفيتية ضد أفغانستان، كان على أمريكا أن تتعامل أيضاً بشكل مختلف. ولهذا، فبحلول شهر مايو من عام 1981 وصل «هوارد هارت» الى إسلام أباد خلفاً لرئيس المخابرات في إسلام أباد آنذاك، بوب لازارد - الذي انتحر لاحقاً - ولأن مبنى السفارة كان تحت إعادة البناء فقد انتقلت أعمال السفارة والمخابرات الأمريكية إلى المبنى القديم المختص بالمساعدات الأمريكية. قضى هارت سنوات حياته الأولى في معسكر اعتقال ياباني بالفلبين فقد كان والده قد توجه للعمل في أحد البنوك في مانيلا نهاية الثلاثينات، واعتقله اليابانيون بعد اندلاع الحرب العالمية الثانية، وقضت عائلة هارت قرابة العامين في المعسكرات اليابانية مع نحو 2000 شخص أخر من الأمريكيين والأوروبيين والاستراليين. وبعد انتهاء الحرب قرر السفر إلى كالكتا في الهند قبل أن يعود مرة أخرى الى الفلبين حيث قضى هارت صباه وشبابه، وهكذا نشأ بين الصبية الفليبينيين الذين كان آباؤهم قد حاربوا اليابانيين في الأدغال، وبالتالي كانت لعبة حروب العصابات بين المراهقين بديلاً للعبة البيسبول بين الشباب في أمريكا. وقد درس هارت السياسة متخصصاً في العلوم السياسية الآسيوية، وتعلم الهندى والأردو بالجامعات الأمريكية وأنهى دراسته مع اندلاع حرب فيتنام عام 1965، وكان يفكر في الالتحاق بقوات المارينز، لكنه قرر أن يلتحق بوكالة السي آي إيه في النهاية. وعمل ضابط مخابرات في عدة دول آسيوية مثل الهند وإيران. ورغم صغر سنه، إلا أن اختياره لإدارة فرع الوكالة بإسلام أباد كان اختياراً طبيعياً، ليس فقط لمعرفته بالمكان والثقافة، وإنما لكونه مولعاً بالأسلحة والتكتيكات التي تعتمد على استخدام السلاح. كان يجمع السكاكين والمسدسات والبنادق الآلية وأسلحة البازوك كهواية شخصية، وكان هذا يناسب دوره في إسلام أباد، فقد كان من مهامه توزيع الأسلحة على المجاهدين المتواجدين في المعسكرات الباكستانية. كانت الأوامر التي يتحرك بها مفتوحة، كانت الأموال وفق تصرفه، والمطلوب منه قتل السوفييت ومعاونة الباكستانيين بحيث يتاح له أن ينفذوا له كل ما يرغب في تحقيقه. وهكذا كان دور هارت أيضاً تجنيد عملاء للوكالة من الباكستانيين والهنود.. وإمداد المجاهدين بكل ما يلزمهم من سلاح.. ثم العودة ومراقبة الأمور من بعيد، ودون أن يتورط في وضع خطط عسكرية للمجاهدين من أي نوع. وبوصول الرئيس الأمريكي ريغان إلى حكم الولاياتالمتحدة، كان لابد من إعادة توقيع موافقته على العملية الدائرة في إسلام أباد والتي وقع عليها الرئيس الأسبق جيمي كارتر في عام ,1979. وكان الاسم الكودي لها «تحرش» للتدليل على الهدف النهائي الذي كان الأمريكيون يرغبون في تحقيقه على السوفييت. وبعد تمديد العملية بمعرفة ريغان، قرر هارت أن يزود من فعالية العملية بتطوير الأسلحة التي تقدمها الولاياتالمتحدة للمجاهدين الأفغان وإمدادهم بأنواع أحدث من الأسلحة لزيادة فعاليتهم في المعارك المسلحة. وكان ضياء الحق، أو «ظيا» كما يطلق عليه الأمريكيون، هو الذي يتولي حكم باكستان، وكان قائداً عسكرياً في البنجاب في الجيش البريطاني في الوقت الذي أرهقت فيه الحكومة البريطانية وقررت مغادرة الهند عام 1947. وكان قد ولد في الجزء الهندي في المنطقة الحدودية الجديدة التي عرفت باسم باكستان. ومثله مثل غيره من المسلمين البنجاب كانت ذاكرته تحتفظ بمشاهد العنف الديني الذي واكب نشأة باكستان، وكانت رحلته الأسبوعية من جنوب الهند إلى باكستان، في صباه محملة بمشاهد الجثث المتناثرة على طول الطريق.. لكن تلك الخبرات ساعدته في أن يكون أحد القادة الناجحين خلال الحروب الثلاثة التي خاضتها باكستان ضد الهند. وكان مؤمناً بالعقيدة الإسلامية وبكونها جزءاً أساسياً من هوية باكستان.. وأنها الأساس الذي تقوم عليه أركان البلاد وبدون الإسلام سوف تنهار باكستان. لكن وجود الولاياتالمتحدة في باكستان خلال فترة دعم المجاهدين كانت فرصته الذهبية، فعلى مدى السنوات الأربع الأولى من دعم أمريكا للمجاهدين كان التعامل بين الولاياتالمتحدةوأفغانستان يتم من خلال وسائط من باكستان يتولون الحصول على النقود أو الأسلحة وتسليمها للأفغان. وهكذا بدأت مطالبات «ظيا» للأمريكيين في دعمه لتطوير برنامجه النووي لردع الهند، وفي الحصول على دعم مالي بلغ 400 مليون دولار في عهد كارتر، لكن المفاوضات مع ريغان أسفرت عن نجاحات أكبر إذ حصل على دعم مالي مقداره 3,2 مليار دولار بالإضافة الى صفقة طائرات إف - 16 كان يرغب في الحصول عليها لأنها آنذاك لم تكن متوفرة إلا لليابان وقوات حلف الناتو. وبحلول عام 1983 كانت الولاياتالمتحدة تحاول دفع الأمور بشكل أكبر بعد ثبات قوة الأفغان في مقاومتهم للغزو السوفييتي.. وبدأت مفاوضات المخابرات الأمريكية في محاولة للاقتراب من الأفغان أكثر وأكثر، كما بدأت مفاوضات مع الصين لشراء أسلحة، وهي طراز من البنادق البولندية التي طورتها الصين، وقررت تسريبها إلى الأفغان عن طريق الأمريكيين حيث تمت مفاوضات بين وكالة المخابرات الأمريكية ونظيرتها الصينية استغلالاً للخلافات والتوترات التي شابت العلاقة بين الصين وروسيا منذ الستينات. فقد كانت الولاياتالمتحدة تحاول عقد صفقات سلاح من الدول القريبة، وأياً كان نوعها بدلاً من إمدادها بأسلحة أمريكية حديثة. لكن الميزانية التي كانت الولاياتالمتحدة تتكبدها سنوياً بموافقة الكونغرس الأمريكي لهذا الغرض كانت تكبد الاتحاد السوفييتي عشرة أضعافها وفقاً لما أكده هارت لاحقاً، بالإضافة إلى ما سببته من خسائر لسمعة الاتحاد السوفييتي كقوة عظمى تتكبد خسائر جسيمة في مواجهتها مع المجاهدين. هكذا كانت الأمور تسير، وكان جهاد المجاهدين يذكي حركات المد الإسلامي في العالم بشكل عام.. في الوقت الذي كانت الولاياتالمتحدة ترى فيها ما يمكن السيطرة عليه في النهاية.. أو دون تقدير لخطرها القادم. ويتتبع المؤلف ستيف كول أصول أسامة بن لادن وصولاً إلى عام 1931 حين هاجر محمد بن لادن من أحد وديان اليمن إلى السعودية. وكان ذلك بعد سنوات قليلة من تولي الملك عبدالعزيز أل سعود، وفي تلك المرحلة التي خاضت فيها المملكة خطة تنمية وتعمير كبيرة عمل محمد بن لادن في مجال المقاولات وأسهم في إنشاء العديد من المباني خلال الثلاثينات والأربعينات. وكان محمد بن لادن قد تزوج العديد من السيدات وأنجب نحو 50 طفلاً، وكان ابنه التاسع عشر في ترتيب أشقائه هو أسامة الذي ولد لأم سورية عام 1957. وقد توفي محمد بن لادن في حادث طائرة عام 1967. وحاول الملك فيصل الإبقاء على شركات بن لادن ودعمها لصالح أبنائه خاصة سالم بن لادن الشقيق الأكبر لأسامة بن لادن الذي تولى إدارة الشركة. لكن الأمور سارت في اتجاه آخر، إذ فضل أبناء بن لادن الدراسة في مدارس النخبة الإنجليزية والجامعات الأمريكية.. وهو ما أدى إلى تحركهم بين الولاياتالمتحدة وأوربا بشكل دائم. ولكن أسامة بن لادن تعرف على الفكر الإخواني وأفكار الجهاد عبر تلمذته على عبدالله عزام ومحمد قطب، شقيق سيد قطب.. وعلى الرغم من أن التاريخ الذي وصل فيه بن لادن الى باكستان لأول مرة غير معروف بدقة، لكن المؤلف يؤكد أنه لابد أن يعقب تاريخ حصوله على شهادته الجامعية في الاقتصاد والإدارة من جامعة الملك عبدالعزيز في عام 1981. وكان بن لادن قد التقى ببعض الباكستانيين في مكة أثناء مواسم الحج قبل ذلك. ويشير المؤلف الى أن السعودية، مثلها مثل دول عربية أخرى، كان من الطبيعي أن تقدم المساعدات للمجاهدين إما بشكل مباشر، أو بتقديمها الى الأمريكيين وبالتعاون مع المخابرات السعودية. ويؤكد ستيف كول أن سجلات المخابرات الأمريكية تنفي وجود أي علاقة مباشرة بين لادن والوكالة خلال الثمانينات كما تم إثباته خلال التحقيقات الموسعة التي أجريت عام 2002، لكن المؤكد أن الوكالة الأمريكية كانت تعلم بوجود أسامة بن لادن وتحركاته في أفغانستان خلال الثمانينات. كما أن بعض الأقاويل حول تعامل بن لادن مع المخابرات السعودية أيضاً لا تؤيدها الأسانيد.. أولاً لأنه كان شديد الثراء لا يحتاج للمال، وربما أنه تعامل مع المخابرات السعودية في إطار تنفيذ بعض مشروعات شركة بن لادن في إنشاء الطرق خلال فترة معينة كانت العائلة مهتمة بأرباح الشركة. وهكذا تبدو الأمور.. ولكن كيف سارت لاحقاً أو تشابكت وتعقدت.. وما حقيقة علاقة بن لادن بالسي آي إيه آنذاك. هذا ما نتابعه في الحلقة المقبلة.