د. نعمت أبو الصوف الاقتصادية - السعودية استمرار ارتفاع إمدادات النفط العالمية يثير الشكوك حول إمكانية إعادة التوازن لأسواق النفط في النصف الثاني من عام 2015. لا تزال إيران تشكل عدم يقين إضافي للأسواق، حيث من المتوقع أن يرتفع إنتاجها قبل نهاية العام في حال التوصل إلى اتفاق نهائي بخصوص برنامجها النووي. هذا من شأنه تعقيد المشهد أكثر. إذا ما أضافت إيران المزيد من النفط إلى الأسواق، فإن إعادة التوازن سوف تتأخر إلى عام 2016، أو ربما بعد ذلك. على الرغم من الفجوة الواسعة بين العرض والطلب، إلا أن أسعار النفط قد تعززت بالفعل في الآونة الأخيرة مدعومة برهانات المضاربين على ارتفاع الأسعار، ما دفع أسعار خام برنت إلى تسجيل رقم قياسي. حيث يتم تداول العقود الآجلة لخام برنت، ساعة كتابة هذا المقال، قرب 66 دولارا للبرميل مرتفعا من مستوى 55 دولارا للبرميل التي سجلها قبل أكثر من شهر. تنبع النظرة المتفائلة للمضاربين من الاضطرابات الجيوسياسية في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، العلامات المبكرة لتباطؤنمو الإنتاج من الدول خارج منظمة أوبك، والاعتقاد بأن تقرر «أوبك» خفض إنتاجها في اجتماعها المقبل في شهر حزيران (يونيو) – على الرغم من أن هذا التوقع هو مجرد تخمين في أحسن الأحوال. ويشير المتفائلون أيضا إلى حصول قفزة في الطلب العالمي على النفط في الربع الأول من العام بقيادة الولاياتالمتحدةوالهند مدعومة من الصين والشرق الأوسط. لكن ارتفاع الطلب لا يزال متخلفا عن نمو العرض، كما أن النمو في الدول غير الأعضاء في منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية في خطر من التباطؤ في دول الاتحاد السوفياتي السابق والبرازيل. على الرغم من قوة الأسعار إلا أن مخزونات النفط العالمية لا تزال في صعود في ظل استمرار زيادة المعروض في الأسواق، حيث استمر النفط في التدفق إلى المخزون التجاري، الذي ارتفع بنحو مليون برميل في اليوم، كما تحولت مخزونات المنتجات من السحب في شهر شباط (فبراير) إلى ارتفاع أكثر من مليون برميل في اليوم في شهر آذار (مارس). أبقى تحسن الطلب على المنتجات هوامش التكرير قوية ودفع المصافي إلى معالجة المزيد من النفط الخام. على الرغم من ارتفاع مخزون النفط العالمي إلى مستويات قياسية، إلا أن المخاوف من تجاوز حدود طاقات الخزن وتعثر شحنات النفط تراجعت جزئيا نتيجة معدلات التشغيل العالية للمصافي. إضافة إلى ذلك، أدى تضييق الفجوة بين أسعار العقود المستقبلية (الآجلة) والأسعار الفورية إلى خفض الحوافز المالية لتخزين النفط. في الولاياتالمتحدة، التي تعد أكبر مساهم في بناء مخزون دول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، استمرار قوة الإمدادات أبقى على تدفق النفط إلى الخزانات. بالفعل أسهمت الولاياتالمتحدة في شهر آذار (مارس) بأكثر من 90 في المائة من نمو مخزون دول المنظمة البالغ 14.5 مليون برميل، حيث وصل مستوى مخزون النفط الخام في منطقة كوشينغ، بولاية أوكلاهوما للمرة الأولى إلى 60 مليون برميل، واستمر في الصعود. من ناحية العرض، ارتفعت الإمدادات العالمية في شهر آذار (مارس) بنحو 1.5 مليون برميل في اليوم مقارنة بشباط (فبراير)، مدعومة بشكل خاص بارتفاع إنتاج دول منظمة أوبك بأكثر من 1.2 مليون برميل في اليوم. أسهمت المملكة العربية السعودية بأكثر من نصف هذه الزيادة، حيث وصل إنتاجها إلى مستوى قياسي بلغ 10.3 مليون برميل في اليوم، من المتوقع أن يبقى إنتاج المملكة عند مستوى 10 ملايين برميل في اليوم في شهر نيسان (أبريل) الماضي. وبلغ إجمالي إنتاج دول المنظمة 31.5 مليون برميل في اليوم حسب الأرقام الرسمية للدول الأعضاء. على المدى القصير، من المتوقع أيضا أن يرتفع إنتاج العراق وليبيا. في حين أن نمو الإنتاج من خارج المنظمة بدأ بالتعثر، لكن أثبت حتى الآن مرونة لانخفاض الأسعار. على سبيل المثال، أظهرت البيانات الأمريكية الرسمية عددا قليلا من التباطؤات في معدلات الإنتاج الأسبوعية، على الرغم من تداول خام غرب تكساس الوسيط في نطاق 50 إلى 55 دولارا للبرميل. من ناحية الطلب، السؤال الرئيس هو ما إذا كان الطلب سوف يستجيب لانخفاض الأسعار للمساعدة في تحقيق توازن أسرع للأسواق أم لا؟ حتى الآن معظم الطلب على المنتجات مرتبط بالنشاط الاقتصادي، كما هو الحال في الولاياتالمتحدةوالهند. الطفرة الجديدة في استهلاك النفط في الهند تضعها على الطريق الصحيح لتجاوز اليابان قريبا باعتبارها ثاني أكبر مستهلك في آسيا، وفي الوقت نفسه تدفعها بعد الصين لتصبح أسرع الدول غير الأعضاء في منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية في منطقة آسيا نموا في استهلاك النفط. في الوقت الحاضر، من المتوقع أن ينمو الطلب العالمي على النفط في المتوسط بحدود مليون برميل في اليوم في عام 2015، لكن بيئة الأسعار الجديدة، المتزامنة مع تزايد الضغوط العالمية للحد من استهلاك الوقود الأحفوري، يجعل صورة الطلب على النفط غير مؤكدة وأكثر تعقيدا. في الولاياتالمتحدة، من المتوقع أن يكبح جماح الطلب على النفط نتيجة السياسات الداعية إلى استخدام بدائل النفط وتحسين الكفاءة. في حين أن في الدول غير الأعضاء في منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، التباطؤ في بيئة الأعمال يهدد بتقويض نمو الطلب. على سبيل المثال، دول الاتحاد السوفياتي السابق والبرازيل، الذين يعتبرون من المساهمين الكبار في نمو الطلب في الدول غير الأعضاء في المنظمة شهدوا أخيرا تراجعا في الطلب في الربع الأول من العام. بالفعل، لمس عديد من المحللين حالة عدم اليقين هذه في الطلب على النفط، ما دعاهم إلى التشكيك في مرونة الطلب لأسعار النفط السائدة اليوم في الأسواق وبالتالي بقرب إعادة التوازن.