د. رشود الخريف الاقتصادية - السعودية في اليوم العالمي للقراءة الذي يصادف 23 نيسان (أبريل) من هذا العام، ترتفع وتيرة النقاش والجدل حول مستوى القراءة لدى العرب عموما والسعوديين خصوصا. وعلى الرغم من عدم وجود بيانات دقيقة، فلا أحد يشك في أن الوقت المخصص للقراءة في اليوم أو الأسبوع أو حتى الشهر لا يتجاوز دقائق محدودة، وذلك لانشغال معظم الناس بالتقنيات الحديثة، إلى جانب أن القراءة ليست ثقافة مغروسة في نفوس الناس، إلا من رحم ربي. وأعتقد أن السبب هو فشل وزارة التعليم ومؤسسة الأسرة في ترغيب التلاميذ في القراءة. في الآونة الأخيرة بدأت أرى عددا متزايدا من المصلين في يوم الجمعة يستخدمون هواتفهم الذكية لقراءة القرآن، وذلك لتحسن إمكانات هذه الهواتف وإمكانية تكبير النصوص ووضوحها بدرجة أفضل من الكتب والمصاحف الورقية، بل أسهل في القراءة لبعض الناس. وفي هذا السياق، أوقف كثير من الصحف والمجلات الأجنبية العريقة صدورها الورقي، من أجل تخفيض تكاليف النشر والتوزيع، كما اتجه كثير من دور النشر إلى الاقتصار على النشر الإلكتروني للدوريات العلمية والكتب، مع توفير أجهزة كفية للقراءة تباع بأسعار رخيصة. فعلى سبيل المثال، أوقفت دائرة المعارف البريطانية إصدار نسختها الورقية بعد 244 عاما من الإصدارات الورقية. وأعتقد أن الجيل الجديد بدأ يتقبل هذا التغير ويتعامل معه كجزء من الحياة بخلاف الجيل الذي تعود على تلمس الورق والتعليق على الهوامش أو وضع الخطوط الملونة تحت العبارات التي يراها مهمة أو مثيرة! في ضوء هذا التطور المذهل في تقنيات النشر، هل ستختفي الكتب الورقية؟ وهل سنرى في المساجد أجهزة كفية يوفرها المحسنون، لتمكين المصلين من اختيار حجم «البنط» المناسب لأبصارهم؟ ومثلما دخلت تقنيات مكبرات الصوت في المساجد، هل سنرى تقنيات قراءة القرآن الكريم بالصوت والصورة متاحة في أرجائها؟ كثير من الناس يرفضون الكتب الإلكترونية ويجدون لذة القراءة ومتعتها في ملامسة الورق واحتضان الكتاب، لدرجة أن هذه الكتب والمصاحف الورقية تحظى بقدسية خاصة، وهذا ليس مستغربا، خاصة لمن تجاوز الثلاثين من العمر واعتاد على الكتب الورقية معظم سني حياته، ولكن من المؤكد أن هذا الخيار التقليدي لن يكون متاحا لسنوات طويلة وبالوفرة الحالية، بل سيجد "عاشقو الورق" أنفسهم في يوم من الأيام أمام كتب تُنشر وتوزع إلكترونيا فقط، ما سيضطرهم إلى الإذعان ومسايرة التغيرات التقنية التي فرضت نفسها على التعاملات الاقتصادية وأنماط الحياة الاجتماعية المعاصرة. أقول ذلك لأني أقرأ وأسمع عن أعداد متزايدة من الجامعات والمدارس التي تحولت مناهجها وأسلوب تدريسها وتعاملاتها مع الطلاب إلكترونيا بالكامل، دون أي ورق paperless. وهذا يجلب فوائد كبيرة وكثيرة، لعل من أهمها سهولة نقل الكتب وحفظها والتعامل معها، وتوفير تكاليف النشر والتوزيع، ولا يقل عن ذلك أهمية الحد من استخدام الورق الذي يُسهم بفاعلية في الحفاظ على الغابات، ويحد من قطع الأشجار الذي يؤثر في سلامة البيئة ويؤدي إلى التغير المناخي على مستوى العالم. وما دام التوجه العالمي (حتميا) نحو النشر الإلكتروني، فإنني أدعو إلى إطلاق "استراتيجية وطنية" للتخلص من الورق بالكامل في الأجهزة الحكومية والمدارس والجامعات، تتكون من مراحل إنجاز محددة ومؤشرات أداء واضحة، لكي نواكب التطور التقني في العالم، وتشترك في إعدادها "الحكومة الإلكترونية" والجهات ذات العلاقة. كما أدعو بقوة إلى دعم مشاريع النشر "المسموع" لكبار السن وذوي الإعاقات البصرية، ليس فقط في مجال الكتب الدينية "وهي مهمة بالطبع"، ولكن في مجالات الأدب والقصة والسياسة والتقنية وبناء الذات. فمن المحزن أن أتذكر أنني استفدت كثيرا من الكتب المسموعة أثناء فترة دراستي في الولاياتالمتحدة، بسماعها أثناء قيادة السيارة من المنزل إلى الجامعة، ولكني لا أجد (اليوم) ما يشفي الغليل من الكتب العربية، وذلك بعد ثلاثة عقود أو أكثر من عودتي من البعثة!