عبدالله المفلح التقرير الكندية الجواب السهل والبسيط والمباشر هو: نعم، قناة العربية هي قناة سعودية، والدليل على ذلك أنَّ ملكيتها لسعوديين. دعوني قبل أن أكمل، أسألكم هذا السؤال: كم هي المرات التي تم فيها خداعنا وتدجيننا والتلاعب بعقولنا من خلال الإعلام، ثم اكتشفنا بعد فوات الأوان تلك الخدع والألاعيب؟ في الإعلام العربي لا أحد يقول الحقيقة. والحقيقة، تظل دائمًا مدفونة تحت ركام من الأكاذيب والخدع والألاعيب. من عساه يشك، لمجرد الشك، أن قنوات مثل بي بي سي عربية وسكاي نيوز عربية، وهما التابعتين لشبكتين عالميتين يتم تمويلهما من حكومة دولة خليجية؟ الجيد أنَّه بعد ضغوط كبيرة اضطرت سكاي نيوز العالمية أن ترغم سكاي نيوز العربية على أن تعلن في موقعها على شبكة الإنترنت عن طبيعة شراكتها مع تلك الحكومة الخليجية! والبي بي سي عربية لا تختلف عنها كثيرًا، وستجد نفسها مضطرة للإعلان عن شراكة قسمها العربي مع تلك الحكومة الخليجية قريبًا. رغم أن الأمر لا يحتاج لكثير ذكاء، يكفي أن تشاهد الإعلانات التجارية لتلك الحكومة الخليجية، لزوم التمويل "الشرعي"، وترى الفلول والسيساوية يملؤون أروقة القناتين، وتشاهد برامجهم المؤيدة والداعمة لنظام السيسي المكفول ماديًا بواسطة تلك الحكومة الخليجية، لتكتشف كل شيء، ولتدرك أن الإعلام العربي مأجور مأجور مأجور يا ولدي. إنَّ الممول الحقيقي للوسائل الإعلامية يحب أن يظل بعيدًا عن الأضواء، وبالتالي بعيدًا عن الشبهات. وإلا، لم تنجح خططه السرية. نظرية مؤامرة؟ نعم، ظنوها كما يروق لكم. فالحمقى والسذج هم الذين ينتظرون كي تقع مؤامرات الآخرين على رؤوسهم كي يؤمنوا بنظرية المؤامرة! المؤامرة حقيقة. وهي مرتبطة ارتباطًا وثيقًا بالمصلحة. فقولوا لي بالله عليكم من عساه لا يتآمر على خصومه كي يحافظ على مصالحه؟ السياسة مصالح. وبالتالي فالسياسة مؤامرات. ومن لا يؤمن بهذه الحقيقة البدهية يخرج من اللعبة سريعًا. نأتي الآن لنظريتي بخصوص قناة العربية: تم إنشاء قناة العربية قبل الغزو الأمريكي للعراق بقليل (لاحظ هذا) بتمويل سعوديين، وقامت القناة بالترويج لوجهة النظر الأمريكية (وليس السعودية، لاحظ هذا أيضًا) بخصوص الحرب على العراق وإشاعة الأكاذيب حول وجود أسلحة دمار شامل، ثم دعم وجهة النظر الأمريكية التي تقول بوجود علاقة بين نظام صدَّام حسين وتنظيم القاعدة.. إلخ من أكاذيب الولاياتالمتحدة التي ثبت بطلانها لاحقًا، لكن دون أن يثير ذلك أي ردة فعل لدى الجماهير العربية المخدرة التي كانت تتسمر أمام شاشة قناة العربية يوميًا، وتستقبل كل أكاذيبها برحابة صدر. بعد غزو أمريكا للعراق بفترة، حدثت ضجة كبيرة في أروقة قناة العربية، بعد أن استقال منها الإعلامي الأردني الشهير مهند الخطيب، وتسرب منه بريد إلكتروني مرسل إلى وزير الإعلام الأردني صالح القلاب يذكر فيه أسباب استقالته، ويذكر منها الدور المشبوه لمدير القناة وطاقمه، وحرصهم الشديد على نقل وجهة النظر الأمريكية وتجاوز ما سواها (لاحظ هذا أيضًا)، والبريد المسرب موجود على الإنترنت، لمن أراد الاطلاع عليه. بعد سقوط العراق بيد الأمريكان وأتباعها من الذين جاؤوا على ظهر الدبابة الأمريكية، بدأت قناة العربية، وقد كانت سبَّاقة في هذا على المستوى العربي، بدأت بنشر إعلانات تجارية تروَّج لأجهزة الأمن العراقية من داخلية وجيش بصفتهم أجهزة وطنية مخلصة، في حين كانت تروِّج وجهة النظر الأمريكية (لاحظ) حول قوى المقاومة الشعبية بزعم أنها قوى إرهابية تكفيرية قاعدية لمجرد أنها قاومت المحتل! ظهر بعد ذلك البرنامج الشهير "صناعة الموت"، الذي يركز فقط على القوى السنية المقاومة، ويخلط عمدًا بينها وبين القاعدة كما يفعل الأمريكان دائمًا. ولاحظ كيف أن القناة لم تتكلم لسنوات عن إجرام ميليشيات الشيعة كبدر وجيش المهدي التي قتلت مئات الألوف من السنَّة. لماذا لم تذكرهم القناة في برنامج "صناعة الموت" مثلًا، رغم أن العالم كله رأى أبشع أنواع الموت على أيديهم بالسكاكين والسواطير والدريلات؟ السبب بسيط: لأن هذه الميليشيات كانت في تحالف مع القوات الأمريكية التي لم ترد استفزازها ببرامج إعلامية من أي نوع. (ولاحظ هنا أن هذا يحدث على خلاف وجهة النظر السعودية التي اعتبرت أن أمريكا سلمت العراق لإيران، كما قال سعود الفيصل). ليس هذا فقط، لك أن تنظر في مواقف القناة من الحرب على غزة وعلى لبنان ودعاياتها ضد التيارات الإسلامية في الثورة السورية وفي العراق واليمن.. إلخ. باختصار شديد: قناة العربية هي قناة أمريكية. قد يسألني البعض، فيقول: هناك قناة أمريكية هي قناة الحرة، فما حاجة أمريكا لقناة مثل العربية في وجود الحرة؟ جوابي: هذا السؤال هو بالضبط ما يريده الأمريكان من وجود قناة الحرة، التغطية على أمريكية قناة العربية! للمعلومية فقط: قناة الحرة قناة فاشلة، وقد طالب الكثير من المسؤولين الأمريكيين بإغلاقها كونها غير مقبولة شعبيًا، فضلًا عن تكاليفها الباهظة، لكن الاستخبارات الأمريكية كانت دائمًا ما توصي الخارجية الأمريكية بالإبقاء عليها (لماذا يا ترى؟). قد يسأل آخر: لكن القناة تهتم بوجهة النظر السياسية السعودية؟ فأقول له: هذا صحيح، لكن وجهة النظر السعودية بالنسبة للقناة تأتي في المرتبة الثانية. والحلف السعودي الأمريكي وتطابق رؤاه في الكثير من القضايا يجعل تغطيات قناة العربية تبدو كما لو أنها تأخذ بوجهة النظر السعودية في حين أنها وجهة نظر أمريكية في الأصل! قد يسأل ثالث: لكن يوجد في القناة كادر سعودي، وإدارتها سعودية؟ وجوابي: الشعب السعودي ليس شعب الله المختار. ففيه العميل وفيه الخائن والانتهازي، كما فيه المتدين والوطني والمستقل. والإعلاميون السعوديون مثلهم مثل غيرهم، فيهم من لا تهمه سياسة القناة التي يعمل فيها، ولا يرى أن من حقه التدخل في سياستها، وفيهم من يرى أن سياسة القناة تتطابق مع سياسة بلاده، وفيهم من يرى أن القناة تقوم بدور تنويري (هكذا!)، وفيهم من يعرف جيدًا أن القناة ليست أكثر من ذراع أمريكية إعلامية لترويج وجهة النظر الأمريكية ضد الإسلام والإسلاميين، لكن ذلك لا يصنع فرقًا بالنسبة إليه، فالمهم هو أكل العيش. نحن العرب عاطفيون جدًا. لمجرد أن الإعلامي يلبس ثوبًا وغترة وعقالًا ويتكلم "العربية" قبلنا ما يقوله من أكاذيب وخدع وألاعيب متناسين قول النبي -صلى الله عليه وسلم- عن المنافقين: "يتزينون بزينا ويتكلمون بألسنتنا، دعاة على أبواب جهنَّم، من أجابهم إليها، قذفوه فيها". إن مقاومة أمريكا وإيران وإسرائيل تبدأ أولا من كشف أذرعتهم الإعلامية، وصنع تيار وعي مضاد لا تخدعه الأسماء والملابس واللغة، وينحاز إلى الحقيقة المجردة في دفاعه عن أمته الإسلامية والعربية ضد الدعايات المخادعة والمخاتلة والمنافقة والكافرة على حد سواء كائنًا من كان مصدرها.