د. فهد بن عبد الله الحويماني الاقتصادية - السعودية نعم هذا ما توصلت إليه وأنا أستعرض نتائج أداء صناديق الاستثمار في الأسهم المحلية في المملكة. فبينما حقق مؤشر الأسهم السعودية نمواً بمقدار سالب 2.4 في المائة لعام 2014، نجد أن صناديق الاستثمار المحلية حققت 15.75 في المائة للصناديق التقليدية، و11.00 في المائة للصناديق الشرعية. ماذا حل بمفهوم كفاءة السوق - أو جودة السوق - الذي يقول إن أسعار الأسهم في أي وقت من الأوقات مسعرة بأفضل الأسعار الممكنة، وأن لا مجال هناك لتحقيق عائد أعلى من عائد السوق ككل؟ مثل هذا النجاح الباهر لصناديق الاستثمار السعودية يستوجب منا عدة وقفات. ثم ماذا عن الأفراد؟ هل كان أداؤهم باهراً مثل صناديق الاستثمار؟ يوجد لدينا 72 صندوقا استثماريا في الأسهم المحلية، 22 صندوقاً منها تقليدية و50 صندوقاً متوافقة مع الشريعة، بعضها صناديق تدار من قبل المصارف السعودية وبعضها تدار من قبل مؤسسات مرخصة. يختلف مقدار الأصول المدارة في هذه الصناديق ما بين مليون ريال في بعض منها إلى ثلاثة مليارات ريال في صناديق أخرى. تجدر الإشارة إلى أنه قد انخفض عدد المستثمرين في هذه الصناديق من نحو 570 ألف شخص عام 2005 إلى نحو 250 ألف شخص في منتصف عام 2014، نتيجة عزوف الناس عن الأسهم بشكل عام. غير أن الأموال الموجهة لصناديق الاستثمار لا تزال مرتفعة، حيث نجدها في حدود 116 مليار ريال الآن، منخفضة عن مستوى 137 مليار ريال أثناء فورة الأسهم عام 2005، أي تقريباً زادت الأموال المستثمرة للفرد من 240 ألف ريال عام 2005 إلى 464 ألف ريال الآن. لقد استطاع 64 صندوقاً من إجمالي 72 صندوقا محليا التغلب على مؤشر الأسهم السعودية، بتحد صارخ لمفهوم كفاءة الأسواق المالية، لدرجة أن 20 من هذه الصناديق حققت عوائد تتجاوز 20 في المائة عام 2014، بفارق شاسع عن عائد المؤشر العام للأسهم (سالب 2.4 في المائة)، وبفارق كبير عن مؤشر البتروكيماويات الذي ودّع عام 2014 بانخفاض سلبي بلغ 22 في المائة. ما الذي يا ترى جعل مديري صناديق الاستثمار السعودية يحققون هذا النجاح الباهر؟ معروف أن متوسط عوائد صناديق الاستثمار في الدول المتقدمة يأتي قريبا من عوائد المؤشرات الرئيسية، وبأي حال من الأحوال لا يمكن أن تجد 89 في المائة من الصناديق تتفوق على المؤشرات الرئيسية، كما هو حال صناديق الاستثمار السعودية! هل من الممكن أن تكون بيانات الصناديق مزيفة؟ لا أعتقد ذلك لعدة أسباب أهمها أن العائد في نهاية الأمر هو من نصيب المشتركين في الصندوق، الذين سيطالبون بتسلم العائد المعلن، وبذلك لا يمكن أن تدّعي الصناديق عوائد لم تحققها فعلياً. إذاً ربما أن ذلك يعني أن مديري الصناديق خبراء مميزون يمتلكون مهارات غير عادية تمكنهم من تحقيق عوائد استثنائية! ربما ذلك ولكن غريب أن تجد هذه المهارات الاستثنائية في 90 في المائة من المديرين! إذاً علينا البحث عن سبب آخر، فلننظر كيف كانت عوائد هؤلاء الخبراء في الصناديق الأخرى التي يديرونها، مثل صناديق الاستثمار الأمريكية والآسيوية والأوروبية، كون من المفترض أن تظهر مهاراتهم كذلك في تلك الصناديق. هنا نجد أن عائد الصناديق السعودية التي تستثمر في الأسواق العالمية في عام 2014 وصل إلى 2,75 في المائة. وبالنظر إلى أبرز مؤشر للأسهم العالمية (مؤشر مورجان ستانلي للأسهم الدولية) نجد أن أداءه عام 2014 كان 5.50 في المائة. يا للحسرة لم يتمكن خبراؤنا من التغلب على مؤشر الأسواق العالمية، بل حققوا فقط نصفه! ماذا عن أدائهم مقابل الأسهم الآسيوية؟ حقق خبراؤنا عائداً بلغ سالب 0.28 في المائة، مقابل عائد لمؤشر الأسواق الآسيوية (مؤشر مورجان ستانلي للأسهم الآسيوية) بلغ 4.80 في المائة! إلا أن حظ خبرائنا مع الأسهم الأمريكية كان أفضل قليلاً، وربما يعود السبب لكون صناديقهم تستثمر بشكل غير نشط في مؤشر إس آند بي 500، حيث كان عائد صناديق الأسهم الأمريكية لخبرائنا مطابقا لعائد مؤشر إس آند بي 500: 11.59 في المائة لهم مقابل 11.39 في المائة. بالطبع هناك احتمال أن يكون من يدير صناديق الاستثمار المحلية يتمتع بمهارات عالية أفضل من بقية المشاركين في السوق، خصوصاً الأفراد منهم، وبذلك فمن الممكن لفئة معينة أن تتغلب على فئات أخرى نتيجة مهاراتها في اقتناص الفرص والمضاربة الاحترافية. ولكن بكل الأحوال لا يسعنا هنا إلا الخروج بنتيجة واحدة متوقعة وهي أن سوق الأسهم السعودية تتمتع بكفاءة متدنية، بشكل يجعل من الممكن تحقيق عائد في السوق السعودية أعلى من أداء المؤشر، وبالفعل فقد تكرر ذلك عدة مرات في السنوات السابقة، ما يؤكد عدم كفاءة السوق. ولكن ما هي بالضبط جوانب القصور في سوق الأسهم السعودية التي تجعل من الممكن تحقيق عوائد عالية من خلالها؟ هناك عدد من الشروط لإيجاد سوق مالية عالية الكفاءة ( يمكن للقارئ المهتم الاطلاع على عدد من المقالات حول ذلك في هذه الصحيفة)، ولكن ربما أهمها ضرورة أن تنتقل المعلومة الصحيحة لجميع المشاركين في السوق في وقت واحد، وإن لم يحدث ذلك فإن الفئات المطلعة ستستفيد مما يصل إليها من معلومات على حساب بقية المتعاملين. كما أن تقليص تكلفة التداول على جميع المشاركين في السوق، الأمر الذي يسهم في رفع كفاءة السوق، من شأنه أن يوحد قوانين اللعبة، فيمنع مقدرة البعض على التداول بحرية دون غيرهم. هنا يمكن الإشارة إلى اختلاف تكلفة العمولة بين المشاركين واتساع الفارق بين أسعار العرض والطلب، ووجود وحدات تغير للسعر مبنية على مفاهيم خاطئة (وهي فئات 5 و10 و25 هللة). لذا ففي اعتقادي أن المستثمر الأجنبي المنتظر السماح له الدخول في سوق الأسهم السعودية سيجد أرضاً خصبة لتحقيق أرباح عالية، هو يعرف تماماً أنه لن يجدها في أي سوق أخرى.