عبدالله العودة التقرير الكندية كان المهرّج (لوي سي كي/Louis C.K) يُضحك الجمهور على مسرح كبير في بورتلاند حينما قذف بنكتة سياسية من الطراز الذكي حينما قال بأنه لايكفّ عن التعجب من مجموعة كبيرة من المتدينين مسيحيًا الذين يؤمنون بأن الله خالق هذا الكون ومصرّفه الذي أمرنا بعمارته ورعايته، يعارضون كل سياسات الحفاظ على البيئة داخل أمريكا، وهو يشير إلى الاتجاه المحافظ المنتشر بين الجمهوريين الذين يعارضون كل أشكال السياسات المحافظة على البيئة؛ لأنها حسب اعتباراتهم الرأسمالية تقلل من فرص الاستفادة من البيئة واستثمارها. المحافظون دينيًا في أمريكا يعارضون سياسات الحفاظ على البيئة وعلى المناطق الخضراء ولا يجدون في كل ذلك أي غضاضة ولاتناقضًا نفسيًا وروحيًا مع القيم الدينية التي يحملونها في تقدير هذا الكون والحفاظ عليه ورعايته وحمايته؛ لأن منطقة هذه القرارات التي يتبنون سياسية بينما تلك القيم ذات طبيعة دينية! وشيء أكثر غرابةً وفجاجةً أن المحافظين سياسيًا هم أكثر الناس تساهلًا مع أكثر الأشياء بشاعة في العالم، ألا وهي الحروب التي لاتبقي ولاتذر، هؤلاء المحافظون سياسيًا هم أكثر الناس تساهلًا تجاه استهداف المدنيين بشكل نفعي صرف واعتبار قصف المدن واستهداف الأطفال والنساء مجرد "أخطاء حروب عادلة". رغم كل الأدبيات المسيحية التقليدية التي تتحدث عن الفقراء والفقر والطبقات المحرومة والمهمشة؛ إلا أن المحافظين دينيًا يجنحون تجاه النفعية السياسية التي تتبنى التطبيق الرأسمالي بكل صلافة وحزم من غير اعتبار للفقراء والمحرومين، بل إن المحافظين دينيًا في أمريكا يرون في الضمان الاجتماعي والطبي وأمثالهما خيانة اجتماعية ووتنكبًا عن الطريق الوطني الأمريكي الذي رسّخه الآباء المؤسسون. هذه النفعية السياسية الصلفة يتبناها محافظون دينيًا، لايشعرون بالتناقض وعدم الانسجام بين كل ذلك وبين مبادئهم الدينية والأخلاقية. شيء يثير الانتباه أن نشهد في عالمنا السياسي والمجال العام شرائح تتبنى سياسيًا وعمليًا قيمًا تتناقض مع مبادئها الدينية والثقافية، وهذا الكلام ينطبق على الغرب كما ينطبق على العرب. في العالم العربي قد تشهد أن أكثر الناس تشددًا دينيًا هم الذين يستخدمون أقصى حالات النفعية السياسية "البراغماتية" والتساهل في استهداف المدنيين والقتل لمجرد الشبهة والتهمة، وتبنّي موضوع "التترّس" في كل المسائل الحربية وتجنيد الأطفال، فكيف ينسجم كل هذا التأويل والتساهل في التاويل النفعي مع كل ذلك التشدد الديني الصلف؟! في العالم العربي أيضًا، قد تجد محافظين دينيًا يتورّعون عن دقائق الأمور ثم يبررون حالات سرقة وفساد ضخمة على مستوى البلد تضرّ العباد والبلاد بتاويل وترجيحات. في العالم الذي يتبنى المحافظة دينيًا والنفعية سياسيًا، قد يبرر الفساد والظلم والاستبداد وانتهاك الحقوق والحريات، ولكنه يتورّع عن فتوى "الكاشيرة". عن ابن أبي نعيم قال: سمعت عبد الله بن عمر، وسأله رجل من أهل العراق عن المحرم يقتل الذباب. فقال: أهل العراق يسألون عن قتل الذباب وقد قتلوا ابن بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم. ولذلك، قيل في مثل هذه السياسات ذلك المثل المعروف المأحوذ من هذه القصة: "يقتلون الحسين ويسألون عن دم البعوض".