لم أكن مستغربًا من الأستاذ ساري الزهراني وهو يستنطق الكاتب الأستاذ محمد علي المحمود، على مدى ثلاثة أعداد من ملحق الرسالة. ما كنتُ أرغب أن ينتهي الحوار لتنوّع الطرح في الأسئلة، وتناسق الإجابة، وهذا يبعدني عن أن أكون في توافق مع المحمود فيما نطق به.. وإذا ما كان لي من مداخلة لن تتجاوز عن مادار من حديث حول الليبرالية والليبراليين السعوديين..فإذا أخذنا بما قال المفكر الإسلامي جمال السلطان عن الليبراليين السعوديين،عندما حل ضيفا على ملحق الرسالة في حوار سابق نشر في (يوم 7 من شهر شعبان 1429ه) مع ذات المحاور ،حول رؤيته عن بعض المثقفين السعوديين الذين يمارسون الليبرالية،فكان من وضوحه ان قالاتابع بعض الأنشطة والأفكار والكتابات تتبنى رؤية ليبرارية.هي رؤية عصبية وتنفي الأخر تماما وليست قادرة على التعايش والحوار). مع انني احترم فكر السطان 'إلا انه من وجهت نظري الشخصية ابتعد عندما شخص تبني رؤية كتابات الليبراليين بالعصبية،إذا أن مايطرح ليس فيه مايمكن ان يكون كذلك،على الرغم من وجود مناكفة مابين ما يمكن ان يوصموا بالليبرالية ،وبين التقليديين كما يصفهم المحمود. وفي المقابل نجد البليهي ابراهيم- المحسوب على من يصفهم المحمود بالتقليديين، وان كان يصيح بأعلى صوته–منذ فترة ليست بالقصيرة-انه ليبرالي،يقول لصحيفة عكاظالليبرالية هي المناخ الأنسب الذي يتيح للإسلام أن يجسد مبادئه العظيمة في العدل والمساواة وحفظ الكرامة الإنسانية وإسعاد البشر). وهذا يأخذنا الى ان نتعرف على ماذا تعني الليبرالية ،من خلال \"موسوعة السياسة ل عبد الو هاب الكيالي\" فيما قال : (الليبرالية مذهب رأسمالي ينادي بالحرية المطلقة في الميدانين الاقتصادي والسياسي.ففي الميدان السياسي وعلى النطاق الفردي يؤكد هذا المذهب على القبول بأفكار الغير وأفعاله حتى ولو كانت متعارضة مع أفكار المذهب وأفعاله شرط المعاملة بالمثل.وعلى النطاق الجماعي فان الليبرالية هي النظام السياسي المبني على التعددية الأيدلوجية والتنظيمية الحزبية والنقابية التي لايضمنها،حسب ذلك المذهب سوى النظام البرلماني الديمقراطي الذي يفصل فعليا بين السلطات الثلاث: التشريعية والتنفيذية والقضائية،ويؤمن الحريات الشخصية والعامة بما في ذلك حرية المعتقد الديني). فإذا أخذنا بالمفهوم كموصل إلى الفكر الغربي الذي أطره كعمل وتعامل بين الناس،بغض النظر عن التقيد به كمنهج حياة، أي منظم للعمل الإجرائي في شؤون الحياة السياسية والاقتصادية والتشريعية، فإننا لم نجد بعد دولة من الدول الغربية اتصفت في دستورها بالحرية والمساواة والديمقراطية كنظام حكم..،فقد نجد الحرية هناك في جانب من جوانب الحياة ولكننا لن نجدها في الكل..قد نجد الديمقراطية في بعض البعض من تنظيم حياة المجتمع لكننا لن جدها في جميع أمور الحياة. إذا أخذنا بحرية الإنسان من أتباع الديانة المسيحية واليهودية في تساوي مع حرية المسلم، فان ذلك لا يتفق مع معتقداتنا كمسلمين،لان الإسلام سبق هؤلاء المفكرون بمئات السنين..إذ ليس لنا بحرية مصورة في اعتقاد غير جازم ،ترتدي اسم فصل ليكون لها به تعرف – الليبرالية – خاصة إذا ما بحثنا عن الحرية التي يتشدق بها الغرب،ومنها حرية العبادة..كشعار فقط،وهذا مايؤكده محمد أركون بقوله: (على الرغم من أني أحد الباحثين المسلمين المعتنقين للمنهج العلمي والنقد الراديكالي للظاهرة الدينية، إلا أنهم-أي الفرنسيين- يستمرون في النظر إليّ وكأني مسلم تقليدي! فالمسلم في نظرهم – أي مسلم- شخص مرفوض ومرمي في دائرة عقائده الغريبة ودينه الخالص وجهاده المقدس وقمعه للمرأة وجهله بحقوق الإنسان وقيم الديمقراطية ومعارضته الأزلية والجوهرية للعلمنة، هذا هو المسلم ولا يمكنه أن يكون إلا هكذا! والمثقف الموصوف بالمسلم يشار إليه دائماً بضمير الغائب: فهو الأجنبي المزعج الذي لا يمكن تمثله أو هضمه في المجتمعات الأوروبية لأنه يستعصي على كل تحديث أو حداثة !) وإذا ما صدقنا نحن المسلمين بان الليبرالية مذهب أوفكر غربي ينادي بالحرية الكاملة من غير تقييد، في كافة جوانب الحياة، بما في ذلك الحرية الدينية.. فلماذا نجد التضييق على المسلمين في أقليتهم؟ ولماذا نجد الحرب على الإسلام حتى وصل إلى سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم؟ ليس من تفسير لذلك حتى عند معتقدي فكرها، ومنظمي تصديرها ،بأنها أي الليبرالية الخلاص لكل المشاكل العقائدية بين الأديان..صحيح أنها أعطت لليهود محاكم خاصة بهم في بريطاني،– حرية الليبرالية-في الوقت الذي لايوجد مايشير إلى الدين الإسلام في نظام الأحوال الشخصية والإجراءات القانونية لا كثر من مليوني مسلم بريطاني..وقس على ذلك في البلاد الغربية الأخرى. وإذا ماعدنا الى العناوين الرئيسية والفرعية لاستنطاق المحمود نجد مما قال (.. أن الليبراليين يمارسون دورهم على مستوى كبير من الحذر الشديد والمراوغة والالتفاف..)..وليسمح لي لماذا هذا الالتفاف على فكر مشاع تم تحويره في محيط الولادة للتمرد على سلطة الكنيسة،حتى وصل الأمر إلى ان يتحول الفكر الى مدارس تصدر..ومنها أفكار المدرسة النفعية المستخلصة من أفكار(جيرمي بنتام 1748-1832م) في مؤلفه(نبذة عن الحكم 1776م) لإرساء قواعد القانون والدولة والحرية على أساس نفعي ؛ فالحياة في تصوره يسودها \"سيدان\" هما الألم واللذة؛ فهما وحدهما اللذان يحددان ما يتعين فعله أو عدم فعله، فليترك الفرد حراً في تقرير مصلحته بداع من أنانيته، وسعياً وراء اللذة، واجتناباً للألم..( بسام بطوش) .وأنا لا أتصور ان المحمود وفقه الله أغراه مايكون مناسب هناك ،وغير متوافق مع معتقداتنا، وعاداتنا الإسلامية، ولا أتصور انه تلبس فكر المدرسة النفعية كشخص ليبرالي..ولن أتوقع ان من يشاركه الفكر يؤمن بالمدرسة النفعية ،حتى نجد منه هذه الصراحة التي جعلت منه يكرر مفردة (ليبرالية) (على وجهين الأول انه أي المحمود كرر كلمة اليبرالية (59) مرة ،وكررها ( 6) مرات بصيغة ليبرالي ،بمجموع تكراري بلغ 65 مرة. وقال المحمود في حديثه لملحق الرسالة(..من الطبيعي أن يعارض التقليدي الليبرالية لأنها تحرمه من سذاجة الأتباع وانقيادهم له دون تساؤل أو اعتراض..).وإذا مابحثنا عن تكرار كلمة (التقليدي) نجد ان-المحمود-كررها (56)، في حين ان كلمة التقليديين تكررت (17) مرة، والتيار التقليدي وردت في حديث المحمود (7) مرات أي بما مجموعه ( 80 ) مرة،وهذا مايشير إلى قناعته بفكر الليبرالية،وفي ذات الوقت شعوره بقوة معارضة الليبرالية كمذهب يروج له بطريقة الخطاء،وخاصة عندما يتم إيراد كلمة (مذهب ليبرالي)،لأننا نجد في ماقال المحمود (يجب أن نأخذ في اعتبارنا أن الليبرالية ليست مذهبا مغلقا، وإنما هي عالم مفتوح متنوع)،وفي هذا تأكيد على الخلط عند النقل، ان لم يكن تحوير إلى مذهب مع الإصرار بأنه منفتح..في حين ان الليبرالية فكر عند المنظرين والمصدرين لها، ويجب ان يدرك كل من يحمل هذا الفكر أنهم لن يصلوا إلى ترسيخه طالما كانت طروحاتهم تدور داخل إطار المذهب ،إذا ليس من مذهب خامس عند المسلمين،وان كان البعض من المذاهب الإسلامية يحاول ان يصل إلى المذهب (المالكي) في نقد الشخص..ولعلنا تابعنا بعض المناكفات بين السيد علوي مالكي-رحمنا الله وإياه والمسلمين-وبعض المذاهب الأخرى.وأنا هنا استغرب من شخص المحمود في هروبه خلف عبارة التقليديين من غير تقديمها كنص له مفهوم ،على الرغم من ان(مؤسسة \"راند\" البحثية ) وهي مؤسسة أمريكية لها دور في صنع القرار الأمريكي ،كانت الأوضح من أخونا المحمود عندما قدمت لصانع القرار الأمريكي من اسماهم بالتقليديين بما نصه (التقليديون الذين يسعون إلى خلق مجتمع محافظ، مع الابتعاد بقدر الإمكان عن كل ما يمت بالتغيير والتجديد والحداثة. وهم يتبنون -بشكل عام- رؤى أكثر اعتدالا ووسطية، إلا أنهم لا يمثلون شريحة واحدة، بل شرائح متعددة ومختلفة؛ فمنهم -مثلا- من يقترب فكريا مع الأصوليين.. وفي النهاية لا يمكننا اعتبار أي أحد منهم - من التقليديين- ذا قناعة كاملة بالديمقراطية الحديثة، أو بثقافة الحداثة، وحتى إذا كانت لديه قناعة فهي تكون بالكاد). إذا تجوزنا هذا الجانب عن التقليديين فلن نغفل استغراب الأستاذ محمد المحمود في قوله (..معظم التقليديين- في أحسن أحوالهم- مجرد حفاظ للمعلومة المجردة ولا علاقة لهم بالممارسة العلمية..).، وانا هنا لا اخلو من خبث عند إعادة عرض النص في إعلان انه أي المحمود لم يصل إلى تلوين العبارات بما يجملها إلا بملكة الحفظ التي وهبت له من الباري، كما كانت لغيره ممن يوصمهم بالتقليديين .فهل يجيز لمن يتابع طروحاته أن يصفه بما وصف به غيره ..خاصة عندما نأخذ من فكر الليبرالية الحرية ،ولتكن حرية التعبير، وهو مايعني بقبول الأخر وان تعارض مع مانريد. وللحديث صلة