بدايةً؛ على فلول الإخوان في كل مكان خاصة في بعض دول الخليج أن يعوا الدرس جيدا؛ فمصيبة الإخوان في مصر رد على استخدامهم للدين لتحقيق مصالح سياسية حزبية توسعية، وتعميق للفكر الاستبدادي، وجزاؤهم ثورة شعبية عارمة أجبرتهم على الابتعاد عن مسرح السياسة ومصالح وأمن البلاد والعباد.. شعار «الإسلام هو الحل» لم يعالج تراجع مستويات المعيشة ولم يصحح وجهة الاقتصاد، بل سبب تراجع السياحة والاستثمار، كما تقلص الدخل القومي والفردي وتضاعفت الديون بسبب سوء الإدارة ،إضافة إلى تراجع العملة «الجنيه المصري» الذي فقد 20% من قيمته أمام الدولار تجربة الإخوان إثبات واقعي بأن مجال السياسة لايصلح خلطه بالدين، لا تسييس للدين كما لا تديين للسياسة، فالسياسة فن الممكن والتنازل، والدين شأن عقدي وإيمان قلبي لا يقبل التنازل ولا يتداول في سوق الإمكان والمتاح. يمتاز - إن كان ثمة ميزة- تنظيم الإخوان المسلمبن الدولي ببراجماتية نفعية مستبدة غاية في التمادي الدموي العنيف، يشهد بذلك تاريخها المشهود بالاغتيالات والتصفيات الجسدية الأكثر وحشية ودناءة، كاغتيال القاضي الخازندار وأحمد ماهر والنقراشي باشا، والرئيس السادات وغيرهم كثير، بل إنهم لا يتوانون عن تصفية من يعترض على ظلمهم وعنفهم من حزبهم كما فعلوا مع سيد فايز عندما عبر عن غضبه على التنظيم الخاص السري لقتلهم القاضي الخازندار، وبطريقة بشعة وخدعة دنيئة بإرسال طرد انفجر في وجهه عندما فتحه، ويتوالى العنف والقتل في ثورة مصر الثانية فمن منا لم يتقزز وهو يرى أحد بلطجية الإخوان ينفذ أجندات العنف والقتل التي حرض عليها قيادات الحزب في الاعتصامات الأخيرة كالبلتاجي وصفوت حجازي والمرشد وغيره، وهو يلقي بأطفال من سطح عمارة بدون أن يكترث أو يتردد أو يرف له جفن.. فأي إسلام أم أي ضمير تحمله جماعات التوحش الديني الكاذبة؟ ثورة مصر الثانية تكرر وصفها ب "انقلاب عسكري" وعبارة انقلاب عسكري قرئت بمتطلبات وعي مختلف وباتجاهين رئيسين: اتجاه داخلي يتناول الوعي المأزوم بالإسلام السياسي الحركي ذي النفعية البراجماتية ليستنهض الهمم بالرد على التهديد للوجود الديني الحزبي الأحادي النظرة الذي لا يرى ولا يسمع إلا نفسه، فحزبه ممثل الحق المبين، ومعارضه هو العدو المبين. بالتالي فما قام به الفريق أول عبدالفتاح السيسي يعتبر انقلاباً عسكرياً لأنه يصادم حزبية الإخوان ويصادر حلمهم التوسعي الاستبدادي لامتلاك العالم، وكما الفاشية العثمانية في حروبها واستبدادها باسم الدين، ومن ثم في سقوطها وانقراضها، كذلك مآل فاشية التسلط الإخواني وإن جاءت أطماعها على مستوى الوهم لا الحقيقة، والتمنيات لا الوقائع ولله الحمد. وتوجه خارجي؛ يحمل أهدافاً وأطماعاً تنشد النجاة في مربط الهلاك، فمن المعلومات أن صفقات واتفاقات عقدت مع حكومة مرسي بما يحقق مصلحة أمريكا وأمن إسرائيل، والتي هرول إليها مرسي بتهور واضح ينم عن فقده لأبسط مقومات إدارة الدولة، وفقه حزم سياسي لاتدركه جماعات الإسلام السياسي في لهثها وراء الرغبة في التوسع والاستحواذ وإن على حساب المصلحة الوطنية العليا.. عفواً فقد خيب آمالكم الفريق السيسي أيضاً فقضى على مشروع الشرق الأوسط الكبير الذي كانت تحلم به أمريكا بوطنية فاقت توقعاتكم ليحقق استجابة شجاعة شهمة لبى فيها إرادة الشعب بكل ثقة وولاء وانتماء لمصر ليسلم الأمر بعدها لرئيس المحكمة الدستورية العليا المستشار عدلي منصور ليتولى الرئاسة مؤقتاً. وما هي إلا إرادة الشعوب قضت بأن تغير أمريكا موقفها من الثورة ضد الرئيس المعزول مرسي وتحترم الإرادة الشعبية، وهو ما لوحظ في تغير الموقف الأمريكي واللجوء إلى لغة أكثر وعياً بتقدير رغبة الشعب، التي عليها أن تدرك ضرورة اعتبارها وهي ترسم مصالحها في المنطقة. الانقلاب العسكري في حقيقته عندما ينقلب الجيش على إرادة الشعب وليس عندما يستجيب لإرادة الشعب، لقد استجاب السيسي فحمى الثورة وعبر بها إلى شط الأمان بخبرة إدارية وعسكرية تحسب لأمور الأمن والمصلحة الوطنية.. وإن كان الانقلاب ثورة شعبية كاملة على التسلط والاستحواذ، فبورك به من انقلاب. ولئن فاق مستوى الفاشية الدينية للإخوان بقسوة وعنجهية ماعداها فمستوى الوعظ لقياداتها في التجييش ضد إرادة الشعب لصالح الحزب أتى هابطا فكراً وأسلوباً، وبمستوىً ضعيف تافه لأقصى حدود البلاهة وفاقعاً في جاهليته حد الضحك على شرور البلايا، فوعاظ قادة التجييش الإخواني في الاعتصامات يلجأون للأحلام كمنفذ للتأثير على المغيبين في الصحوة، فمن حلم يقدم فيه الرسول عليه الصلاة والسلام مرسي ليؤمه في الصلاة إلى آخر لا يقل حمقاً فسره الواعظ الإخواني بأنه بشرى باستكمال مرسي دورته الانتخابية، بل دورتين.. ولقد أوسع الإعلامي الكبير باسم يوسف هذا الخبل الغيبي التغييبي بما يليق به نقدا وأشبعه تهكما وسخرية.. تسخر من السخرية بالعقول وأهلها. نهايات مغلقة على تخلفها اليقيني الساذج تقفز على الأحلام والمنامات لتجعلها المجال الاستشرافي المستقبلي للدولة، فأي حمق أم أي غباء، وأي تهور أم أي تدهور ؟!! في ذهنية جماعة الإخوان؛ عوضاً عن فكر المشاركة والتوافق في إدارة البلاد يحضر حكم المغالبة والاستئثار، وبذلك رفض الرئيس المعزول مبدأ حكومة توافق وطني، فهمش الفئات المجتمعية الأخرى للقوى المدنية والليبرالية ولجأ لأخونة مؤسسات ومفاصل الدولة، وكان تمرير الدستور الجديد رغم رفض المسيحيين والقوى المدنية والسياسية له، وجاء تراجع معدلات العمل والاستثمار وتردي الأوضاع الاقتصادية ليسهم في انضمام فئات جديدة إلى حركة تمرد، ليرتفع معها سقف التوقيعات المليونية في ثورة 30 يونيو التي أغرقت حكم مرسي وجماعته لتتضاعف أعداد من سحبوا الثقة من الإخوان على من انتخبهم إلى الضعف في الوثيقة التي وقع عليها 22 مليون مصري، واتفقوا على ضرورة نزع قبضة المرشد عن المصريين.. الديمقراطية لا تعني للإخوان إلا الوقوف متسولين على أبوابها كي يصلوا لمرادهم المتخيل، وبعد أن استفادوا منها نسفوا متطلباتها ولوازمها، فمرسي والشاطر والكتاتني وبديع والبلتاجي وحجازي ملأوا الميادين ليحرضوا المعتصمين على العنف والقتل بينما الديمقراطية الحقيقية تتطلب إشراك جميع الأطراف في العملية السياسية والوصول إلى التوافق مع الخصوم واحترام حقوق الإنسان وحقوق الأقليات والالتزام بسيادة القانون. مرسي وبطانته لم تتبن أياً من هذه المبادئ واختارت بدلاً عنها توطيد السلطة والحكم السلطوي والاستبدادي، فقد أقدم الرئيس المعزول على تحدي الجيش بعد قليل من توليه منصبه فأحال فجأة إلى التقاعد المشير حسين طنطاوي، القائد العسكري المخضرم والفريق سامي عنان رئيس الأركان، ثم فرض دستورا ذا صبغة إسلامية، الإعلان الدستوري الذي منحه صلاحيات مطلقة تقريبا وحصن الإعلان الدستوري الذي أصدرته الجمعية التأسيسية لوضع الدستور التي هيمن عليها الإسلاميون من أي طعن قضائي. ثم استخدم هذه الصلاحيات جميعها بموجب هذا الإعلان الدكتاتوري لإقالة النائب العام ليواصل الصراع مع القضاء الذي اعتبرته جماعة الإخوان معادياً، لقد خلق عداوات حقيقية في كل القطاعات: القضاء والجيش والشرطة والإعلام. إن شعار "الإسلام هو الحل" لم يعالج تراجع مستويات المعيشة ولم يصحح وجهة الاقتصاد، بل سبب تراجع السياحة والاستثمار، كما تقلص الدخل القومي والفردي وتضاعفت الديون بسبب سوء الإدارة ،إضافة إلى تراجع العملة "الجنيه المصري" الذي فقد 20% من قيمته أمام الدولار. يقول روبرت سبرنجبورج الأستاذ بالكلية البحرية للدراسات العليا في مونتري بولاية كاليفورنيا: "خلال عام تراجعت قاعدة التأييد الشعبي الواسعة لمرسي بين معظم الفصائل السياسية المصرية لتقتصر على الإخوان المسلمين بل ربما تآكلت داخل الجماعة" ويضيف "الخطأ الرئيسي الذي أدى إلى هذه النهاية الكارثية اعتقاده أن بمقدوره هو والإخوان إدارة البلاد كما لو كانت ضيعة خاصة بهم، وتعيين أتباعهم في جميع مؤسسات الدولة والسعي إلى السيطرة على الأصول الاقتصادية" وعلى ذمة وشهد شاهد من أهلها عبر د. عبدالرحمن ابن الشيخ يوسف القرضاوي في مقال وجهه لوالده بعد فتوى الأخير بضرورة تأييد الرئيس المعزول، يكشف عورات الإخوان وواقعهم القميء في إدارة البلاد وغشهم ونزعاتهم الاستئثارية المجاهرة، جاء فيه: "للأسف - لم نر رجال دولة على قدر المسؤولية، بل رأينا مجموعة من الطامعين في الاستحواذ مهما كان الثمن" كما فند الجرح العطيب ووصف الدواء بقوله "لقد آن لهذه الأمة أن تخوض الصعب، وأن ترسم الحدود بين ما هو ديني، وما هو سياسي، لكي نعرف متى يتحدث الفقهاء، ومتى يتحدث السياسيون !" وهي دعوة شبابية ملزمة للجميع، لأنها دعوة لبناء دولة حديثة لا دولة تمتاح من الماضي بإحياء الخلافة الإسلامية وتشدد على حلم "أستاذية العالم" كما صرح محمد بديع مرشد الإخوان بذلك وبأنه الهدف الأعظم للجماعة. الجميع يثق بالجيش الوطني المصري وبالفريق السيسي والحكومة المؤقتة ورئيسها الببلاوي رجل الاقتصاد البارز، واختياراتها الكفاءات التكنوقراطية لتتولى المؤسسات، وينتظر التوجه التام والجاد لتكوين الدولة الحديثة دولة المؤسسات والقانون. دولة الأمل لكل العرب، والوعد المنتظر لكل المحبين لمصر هو؛ دستور فاستفتاء فبرلمان فرئاسة. ثورة مجيدة وشهر كريم بحدث جليل يليق بمستقبل مشرق لمصر المحروسة وشعبها العظيم..