الحياة دولي مررت في الأسبوع الماضي بتجربة فريدة جراء قيامي ب (انتحال شخصية)، بالتراضي أو بالأصح بالتواطؤ بين المنتحِل والمنتحَل! قررت الجمعية السعودية للمحافظة على التراث أن تمنح حسابها على «تويتر» (# نحن_تراثنا) لشخصية محددة كل أسبوع، من دون أن تعلن لمتابعي الحساب الاجتماعي عن اسم الشخصية التي تغرّد باسمها حتى نهاية الأسبوع المعار. شكراً للزملاء في الجمعية الذين أنعموا عليّ بهذه الفرصة التأمليّة. ستلاحظون أن فرادة التجربة ليست في مداولة الموقع بين المهتمين، إذ سبق أن قامت بعض المطبوعات والوسائل الإعلامية بإجراء مماثل في مداولة البرامج أو الصفحات أو الزوايا بين أشخاص متعددين متنوعين. لكن جِدّة تجربة الجمعية السعودية للمحافظة على التراث هي في إخفاء هوية «منتحل» الحساب حتى تنتهي مدة الاستضافة المخفيّة. ظننت في البداية أن فرادة التجربة هي في فرادة الفكرة فقط، لكني وجدتُ بعد الانغماس فيها، وبدرجة أكبر بعد الانقضاء منها والتأمل في أجوائها، أن هناك أبعاداً أخرى أخاذة للتجربة تنبثق من سيكولوجية التعاطي مع هذا المنتحل من خلال البعدين الثقافي والاجتماعي. إذ لمست أني أكتب أشياء في هذا الحساب المستعار قد أتردد في كتابتها تحت حسابي المسجل باسمي الشخصي. ليس هذا من منطلق اللامسؤولية واللامبالاة كما ظننتُ في البدء، بل هو تفسيرٌ لوجود أكثر من شخصية في دواخلنا، أو لقدرتنا أن نكون أكثر من هويّة في جسد واحد! هذه القدرة على التقلب في الفعل من لدن أحدنا تقابلها قدرة على التقلب في رد الفعل من لدن الناس تجاه أفكارنا. فبعض التغريدات التي كتبتها في حساب الجمعية علّق عليها متابعون أعرفهم ويعرفونني، لكنهم لا يعرفون أني المغرّد هنا، علقوا بمزاج ونبرة غير تلك التي يفعلونها مع تغريداتي التي باسمي، حتى رغم تشابه موضوع التغريدة ولغتها! أعرف أن الحياد العلمي في منهجية استنباطات هذه التجربة ضعيف وغير متسق، لكني لا أتحدث هنا عن تجربة علمية مكتملة الضوابط بل عن مؤشرات مبدئية لحالة ازدواج المواقف والمشاعر لدينا، مع حرصي البالغ على تحييد العوامل الفارقة في التغريدات كالمضمون والصياغة. عند انتهاء المحاولة «الانتحالية»، بدأت أتأمل وأتساءل: هل نحن في حواراتنا نناقش الأفكار أم الأشخاص؟! ولو أننا أعملنا هذه التجربة الانتحالية بين حسابات مشاهير في «تويتر» لمدة أسبوع، فجعلنا جمال خاشقجي يغرد مكان خالد الدخيّل، وخالد الدخيّل مكان سلمان العودة، وسلمان العودة مكان توفيق السيف، وبدرية البشر مكان نورة السعد، ونورة السعد مكان ثريا العريّض، شريطة أن تبتعد تغريداتهم عن المناطق الشائكة وأن تنحصر فقط في الشؤون العامة للإنسان والتنمية والحرية والعدل، هل كان القارئ سيكتشف الفخ؟! وهل سيقول الرأي نفسه الذي سيقوله لو عرف من هو المغرد الحقيقي؟! وهل سيدرك تأثير الصور النمطية والأحكام المسبقة على مواقفه من آراء الآخرين؟ المطالبة بالفصل التام بين الفكرة وقائلها هو مطلب مثالي / طوباوي لا شك، لكن ما ننشده هو البعد ما أمكن عن الحكم المطلق الناجز على الفكرة من خلال الحكم على قائلها. إذا كنا نؤمن بأن القائل هو كيان شبه مستقل، فيجب أن نؤمن بأن المقولة هي كيان آخر أيضاً شبه مستقل. * كاتب سعودي Twitter@ziadaldrees