الاقتصادية - السعودية سجل نزول النفط 40 في المائة من يونيو إلى أواسط ديسمبر ليخيف ويفرح كثيرا من ولاية نورث داكوتا، حيث إنتاج النفط الصخري إلى الصين مرورا بكل دولة مصدرة أو مستوردة للنفط. هذا النزول الحاد أرجع الكثير إلى الأدراج للتساؤل حول الأسباب وحسابات الميزانية المفترضة ومعارك الحصص السوقية، ومن يستطيع التعامل مع هذه التصفية السوقية. السعر يحمل كثيرا من المعلومات والرسائل عن التغيرات الهيكلية في صناعة الطاقة، ودور النفط في هذه المعادلة، وجزيئات مكونات معادلة العرض والطلب. قراءة كل هذه العوامل والمستقبليات في السعر تحمل التحركات السعرية معلومات ومتغيرات معقدة في الحجم والتوقيت والتأثير المختلف على كل دولة وكل قطاع اقتصادي، كما أن التأثير يختلف بحسب طبيعة التركيبة الاقتصادية في كل بلد. لا بد من القول: إن دورات التذبذب السعرية في السلع ومنها النفط ليست جديدة، ولعل البعض يذكر أن سعر النفط كسر حاجز ال 40 أثناء الأزمة المالية العالمية. نقطة بداية الوضع الجديد كانت في توقف نيجيريا (توقف أمريكا عن الاستيراد) عن تصدير النفط العالي الجودة إلى أمريكا، بعد أن كانت تصدر مليون برميل يوميا في 2010 إلى التوقف تماما في يوليو الماضي. اتجهت نيجيريا إلى أسواق آسيا الواعدة وأسواق أوروبا الراكدة، هذا التحرك أيقظ هاجس الحصة السوقية لدى المملكة وإيران والعراق وغيرهم من المصدرين، ما أثار موجة من التخفيضات المتواصلة. تبسيط المشكلة يبدأ بتأويلها على أنها لعبة سياسية، أو أنها محاولة المملكة الضغط على النفط الصخري. الموضوع أبسط وأعمق من ذلك بكثير، لعل اتفاق "أوبك" السريع يدل على الإجماع على البسيط وتأجيل المعقد. أبسط من حيث إن السعر عكس محصلة واقع وتوقعات المشاركين في السوق وأعمق من حيث تعقيدات مكونات العرض والطلب، فمثلا تغيرت الحالة الذهنية للمصدرين من متلقين للسعر إلى صورة سعرية مرتبطة بمطالبات الميزانية، ولكن الإنتاج "الجديد" أغلبه خارج "أوبك"، ما يوسع معركة الحصص السوقية، ويقلل دور "أوبك" المحدود أصلا في إدارة السوق. لا يقف التعقيد هنا، فمثلا قامت دول كثيرة بتقليص الدعم مثل الهند وإندونيسيا وتايلاند وماليزيا للحد من الاستهلاك، بينما بدا وكأن دول "أوبك" تتنافس على السعر المدعوم داخليا. مستوى النمو الاقتصادي والضرائب والدعم والتغيرات الهيكلية في صناعة الطاقة والسياسات البيئية (لاحظ الاتفاق الأخير عالميا) والتقنية تأثيرها مجتمعة أقوى من دور "أوبك". أحد معالم الفترة أنه كان هناك نقص غير اختياري من ليبيا وإيران، ما أخفى تنامي النفط الصخري إلى أن وصلنا إلى نقطة تعادل جديدة ما جعل النزول فجائيا. ما المحصلة للمملكة؟ يأخذ التأثير في الدول المصدرة عدة أشكال، فمثلا هناك دول مثل روسيا تسمح بتذبذب العملة ولذلك انعكس سريعا، حيث نزل الروبل نحو 35 في المائة، وارتفعت الفوائد إلى 17 في المائة، وهناك دول أخرى مثل المملكة مسيطرة على الأوضاع أكثر وتأخذ بسياسة تثبيت العملة والفائدة وتفاعل محسوب مع الميزانية. ولذلك تجد التأثير ينطوي على أسعار الأصول، حيث خسرت الأسهم نحو 300 مليار ريال في الأسبوع الماضي، وقد يحقق العقار خسائر أكبر إذا استمرت الأسعار، حيث إن العقار لا يسعر السيولة بكفاءة؛ نظرا لكبر حجم السوق وعدم تجانسه وغياب مؤشرات موثوقة. تعلمت المملكة الدرس بكفاءة حين رفضت سياسة المصدر المرجح بعد تجربة الثمانينيات، ولكن من ناحية اقتصادية – مالية تعلمت المملكة أقل من نصف الدرس. الرصيد المالي وغياب الدين وقرب الميزانية "الاعتيادية" من السعر – نعرف الاعتيادية بالمصروفات الثابتة ومستوى مقبول من الاستثمارات الضرورية تجعل المملكة في وضع مريح. تقليص الميزانية مؤشر جيد ولكنه لا يكفي. الأسعار المتوقعة التي ستستقر عليها السوق (السبعينيات في نظر البعض) كافية للتعامل مع هذه الاستحقاقات، ولكن هذه أقل من نصف الحل؛ لأنها تفترض أن اقتصاد المملكة سيستمر مالي النظرة وليس اقتصادي النظرة المستقبلية. الكأس نصف ملآنة إذا كانت النظرة المالية هي السائدة، والكأس نصف فارغة إذا كان لدينا طموح حقيقي وبعد نظر.