رالي جميل 2025 ينطلق رسمياً من الأردن    1024 فعالية في مهرجان الشارقة القرائي    ختام مسابقة القرآن الوزارية بالمسجد الحرام    الجدعان مؤكداً خلال "الطاولة المستديرة" بواشنطن: المملكة بيئة محفزة للمستثمرين وشراكة القطاع الخاص    10 شهداء حرقًا ووفاة 40 % من مرضى الكلى.. والأونروا تحذّر.. الاحتلال يتوسع في جرائم إبادة غزة بالنار والمرض والجوع    أكدا على أهمية العمل البرلماني المشترك .. رئيس «الشورى»ونائبه يبحثان تعزيز العلاقات مع قطر وألمانيا    لبنان.. الانتخابات البلدية في الجنوب والنبطية 24 مايو    ملك الأردن يصل جدة    أعادت الإثارة إلى منافسات الجولف العالمي: أرامكو.. شراكة إستراتيجية مع فريق آستون مارتن للسباقات    ولي العهد وملك الأردن يناقشان مستجدات أوضاع المنطقة    في ختام الجولة 29 من دوري روشن.. القادسية يرفض الخسارة.. والأخدود يتقدم    الرجيب يحتفل بزواج «إبراهيم وعبدالعزيز»    المالكي يحصد الماجستير    تكريم متقاعدي المختبر في جدة    خارطة طموحة للاستدامة.."أرامكو": صفقات محلية وعالمية في صناعة وتسويق الطاقة    جامعة الفيصل تحتفي بتخريج طلاب "الدراسات العليا"    ناقش مع الدوسري تعزيز الخطاب الإعلامي المسؤول .. أمير المدينة: مهتمون بتبني مشاريع إعلامية تنموية تبرز تطور المنطقة    فصول مبكرة من الثقافة والترفيه.. قصة راديو وتلفزيون أرامكو    مؤشرات وأسواق    منصة توفّر خدمات الإبلاغ عن الأوقاف المجهولة والنظار المخالفين    من يلو إلى روشن.. نيوم يكتب التاريخ    انطلاق بطولة المربع الذهبي لكرة السلة    الدمام تستضيف تصفيات غرب آسيا لكرة الطاولة    كأس الاتحاد للكرة الطائرة.. النصر يواجه الاتحاد .. والهلال يقابل الفائز من الابتسام والصفا    وادي حنيفة.. تنمية مستدامة    إطلاق 33 كائنًا فطريًا في محمية الملك خالد    إيران تندد بالعقوبات الأميركية قبيل جولة المحادثات الثالثة    جائزة محمد بن صالح بن سلطان تنظم ملتقى خدمات ذوي الإعاقة    غرامة (50,000) ريال والسجن للمتأخرين عن الإبلاغ عمن انتهت تأشيرتهم    كشمير: هجوم مسلح على سياح يردي 26 قتيلاً    كييف مستعدة لمحادثات مباشرة مع موسكو    في ذكرى العام التاسع للرؤية    واردات البولي إيثيلين السعودية تحافظ على قوتها في أسواق آسيا    «الأدب» تدشن جناح الرياض بمعرض بوينس آيرس الدولي للكتاب    الجائزة تحمل رسالة عظيمة    حماية العلامات التجارية في السعودية    الرياض تستضيف أعمال مسارات خفض الانبعاثات الكربونية في الصناعات البترولية    منجزاتنا ضد النسيان    تَذكُّرُ النِّعم    لا مواقع لأئمة الحرمين والخطباء في التواصل الاجتماعي    التصلب الحدبي.. فهم واحتواء    2.02 تريليون ريال قيمة صفقات التركزات الاقتصادية    4 ملايين ريال لتمويل 82 علامة سعودية    نحو فتاة واعية بدينها، معتزة بوطنها: لقاء تربوي وطني لفرع الإفتاء بجازان في مؤسسة رعاية الفتيات    الامير جلوي بن عبدالعزيز" يرعى حفل تخريج 3747 طالبًا وطالبة        "واعي جازان" يحتفي بروّاد العطاء ويُكرّم شركاء النجاح    كشمير: تعزيزات أمنية واسعة ومطاردة منفذي هجوم بيساران    أمير المنطقة الشرقية يرعى حفل تخريج الدفعة ال55 من طلاب وطالبات جامعة الملك فهد للبترول والمعادن    بعد أن يرحل الحريد.. ماذا تبقى من المهرجان؟ وماذا ينتظر فرسان؟    أمير الرياض يدشّن مشروعات تنموية في الخرج بتكلفة 47 مليون ريال    أمير تبوك يستقبل الفائزين في معرض جنيف الدولي للاختراعات    بخبرة وكفاءة.. أطباء دله نمار ينقذون حياة سيدة خمسينية بعد توقف مفاجئ للقلب    الأمير محمد بن ناصر يرعى انطلاق ملتقى "المواطَنة الواعية" بتعليم جازان    أمير الحدود الشمالية‬⁩ يدشّن مشروعات صحية بأكثر من 322 مليون ريال    مجلس الوزراء يؤكد الحرص على معالجة ارتفاع أسعار الأراضي    مؤتمر القصيم لطب الطوارئ يختتم أعماله    موجبات الولادة القيصرية وعلاقتها بالحكم الروماني    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الاستخلاف.. أمانة الحياة
نشر في أنباؤكم يوم 23 - 08 - 2014


الوطن - السعودية
"الخلافة ليست منصباً سياسياً أو لقب حاكم، وإنما هي حالة توافق العمل مع الدور الذي أوجبه الله على الإنسان وائتمنه لينهض به خليفة له سبحانه في الأرض"
هناك بدأت قصة الخليقة عندما أعلم الربُّ الملائكة أنه جاعل في الأرض خليفة، هناك علّم الله آدم الأسماء كلها، وأمر الملائكة بالسجود لآدم إلا إبليس أبى فأُخرج من الجنة مطروداً وتوعد آدم وبنيه ليغوينهم أجمعين إلا عباد الله المخلصين، وهبط آدم إلى الأرض التي قال الله إنه جاعل فيها خليفة، حيث الاختبار.. ومن ثم إلى جنة أو إلى نار.
فما هو معنى الاستخلاف؟ وما هي الدنيا بالنسبة لآدم وبنيه خلفاء الأرض؟ وما دورهم فيها؟ وهل هناك سؤال أهم من هذا نسأله لأنفسنا في كل يوم من أيام حياتنا؟
الاستخلاف هو المفهوم الذي قُزِّم وحُجِّر ليكون مقصوراً على منصب الخليفة أو الحاكم، فصار الحديث عنه مقترناً بالحكم والدولة، ولكن الاستخلاف قرآنياً أكبر بكثير من المفهوم الضيق الذي حُصر في السياسة.
الاستخلاف قرآنياً كما وصفه د. أحمد خيري العمري في كتابه "سيرة خليفة قادم" يسهم في وضع قواعد القيم المؤسسة للحضارة الإسلامية.. هو مفهوم عام تتكون فيه شخصياتنا وتصبغ به كل حياتنا بكل مفرداتها وتفاصيلها من ألفها إلى يائها.
إنه نمط تفكير ونظام تشغيل يجعلنا نرى كل ما حولنا بطريقة مختلفة من أبسط الأشياء، كعلاقتنا بالشارع العام وإلقاء ورقة مهملة فيه، إلى أعقد الأمور، كدورنا كأمة في إيجاد حلول لأصعب تحديات يواجهها الإنسان اليوم، وما بين هذا وذاك من تفاصيل الحياة.. الوظيفة والعمل وتربية الأبناء، وسائر حياتنا وعلاقاتنا وتفاعلنا مع كل الأشياء.
إنه نظام تشغيل يجعلنا نرى الأشياء على حقيقتها التي خلقها الله عليها، لندرك بهذه النظرة الصحيحة الفطرية الربانية دورنا تجاه كل ما حولنا، إنها تحيي فينا مفهوم الأمانة التي عرضت على السماوات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها وحملها الإنسان.
وبإحياء مفهوم الأمانة فينا سنتعامل مع كل شيء من منطلق هذه الأمانة، وسنسعى لأن نحسن استخلافنا في هذه الأمانة، عندها سنتعامل مع الجسد كأمانة فنحسن رعايته ونحميه من كل ما يضره أو يؤذيه، عندها يصبح الحديث عن الأخذ بأسباب صحة الجسد من غذاء وشراب ورياضة جزءاً من هذا الاستخلاف وصورة من صور العبادة، وعندها سيصبح التدخين والمسكرات والمنبهات والمخدرات جريمة في حق هذا الجسد وخيانة للأمانة.
عندها يستشعر المؤمن أمانة الجوارح ووجوب أن يحسن الاستخلاف في كل جارحة:
هل أحسنت الاستخلاف في عيني التي أبصر بها؟ هل استعملتها واستخدمتها في الحلال أم في الحرام؟ وهل غضضت البصر عن الحرام أم أطلقت له العنان؟ وهل فعلتها خير تفعيل؟ هل سخرتها في البحث والمطالعة والقراءة والتفكير وما فيه عمارة عقلي وروحي أم أرهقتها في المتعة والتسلية وفيما لا ينفع أو يفيد؟
هل أحسنت الاستخلاف في لساني وروضته على كل قول سديد.. أم أطلقته في الكذب والغيبة والنميمة والسباب واللعان أو لغو الحديث؟
وكذلك الحال في سمعي.. هل حميته أم جعلته عرضة لصخب القول أو اللحن في مجالس السوء أو الكلام البذيء؟
وكذلك الحال في أطرافي هل أحسنت الاستخلاف فيها؟ هل مشيت على قدمي إلى معصية أو إلى باطل؟ أو لوثت يدي في حرام أو كتبت بها كلمة عوناً لظالم؟
وبإحياء مفهوم الاستخلاف سنتعامل مع الوقت كأمانة فنحسن رعايتنا له وتتضاعف قيمة إحساسنا بالزمن أضعافاً مضاعفة على قدر استشعارنا أو إدراكنا لمفهوم الاستخلاف فيه.. عندها لن يتسلل الوقت من أيدينا في سفاسف الأمور وفي القيل والقال، وسيصبح لقتل الوقت معنى القتل للإنسان. وهل الإنسان إلا دقائق وثوان كحبات رمل في ساعة الرمل، ما سقط منها لا يعود به الزمان؟
وسيصبح المال بمفهوم الاستخلاف مال الله ونحن مستخلفون فيه لا أكثر، فلا أحد يملك مالاً وإنما كل مال بين أيدينا وديعة لا تدوم وستعود يوماً للحي القيوم الباقي على الدوام، حقاً لو أنها دامت لغيرنا ما وصلت إلينا، واختبارنا وامتحاننا ومهمتنا هي أن نعطي كل ذي حق حقه منها.. بل عندما يعتقد الإنسان أنه المالك الحقيقي لهذا المال، يصبح المال سيده ويصبح هو الخادم لهذا المال. وبمفهوم الاستخلاف سيصبح للمال العام نظرة أخرى، فالأمانة هنا مضاعفة، ولذلك غلظ الشرع في عقوبة كل من فرط فيها.. عندها ستتغير النظرة للمرافق العامة وسيصبح إلقاء ورقة في الشارع العام خيانة للأمانة وجريمة في حق المجتمع، وسندرك حينئذ كيف جعل الإسلام إماطة الأذى عن الطريق شعبة من شعب الإيمان وحفظاً للأمانة وحسن استخلاف في ملك الله.
بمفهوم الاستخلاف سنتعامل مع كل من حولنا وما حولنا من منطلق هذه الأمانة.. أبنائنا.. آبائنا أصدقائنا.. وظائفنا.. بيوتنا.. أعمالنا.. حياتنا كلها.
الفتاة التي سمعها عمر – رضي الله عنه - وهو يتفقد الرعية ليلاً ترفض أن تمزج اللبن بالماء كانت في تلك اللحظة تطبق وتمارس دور خليفة الله في الأرض وأحسنت الاستخلاف، فالخلافة ليست منصباً سياسياً أو لقب حاكم، وإنما هي حالة توافق العمل مع الدور الذي أوجبه الله على الإنسان وائتمنه ليقوم به كخليفة له سبحانه في الأرض.
إن العمارة الحقيقية هي عمارة الإنسان، لذا قال تعالى "هُوَ أَنشَأَكُم مِّنَ الأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا"، ولم يقل "استعمرها بكم"، لذلك فكل عمارة في الأرض أو الحجر أو المال لا تكون من أجل عمارة للإنسان ذاته، فهو سوء استخلاف بل دمار للإنسان، فعمارة الإنسان هي الباقية التي تنتقل معه للعالم الآخر، وأما أي عمارة للأرض وحدها منفصلة عن عمارة الإنسان فنهايتها كما قال سبحانه "وَإِنَّا لَجَاعِلُونَ مَا عَلَيْهَا صَعِيدًا جُرُزًا".
الاستخلاف برنامج كامل.. منظومة متكاملة عندما نفهمها حق فهمها ونؤمن بها إيماناً عميقاً فنصبغ بها لتصبح لنا نمط حياة، فإنها ستغيرنا وستعيد تنصيبنا كخلفاء لله في الأرض ببرنامج وضعه الرحمن الخالق الخبير العليم فلا تصادم فيه مع شيء من الكون.
إنك إن أحسنت حمل أمانة كل ما جعله الله بين يديك من صحة ومال وعلم وعمر، فقد أحسنت الاستخلاف فيها فكنت خير خليفة لله في الأرض.
بعد الأخذ بالأسباب وبذل الجهد والرضا بقدر الله، لن يكون مهماً ما الذي تملكه من الصحة والمال والعلم والوقت، وإنما المهم هو هل أحسنت الاستخلاف فيما آتاك؟ فلرب غني أحسن الاستخلاف في مال الله الذي بين يديه فأنفقه في خير ما يُنفق المال وأعطى كل ذي حق حقه خيرٌ من فقير تمنى المال أن يأتيه ليسعد به وحده في صورة من صور الأنانية والأثرة، وهو أبعد ما يكون عن معاني الاستخلاف.
ولرب صحيح أحسن الاستخلاف في صحته عملاً وجداً وكفاحاً في أوجه الخير خيرٌ من مريض لم يزده مرض الجسد إلا سخطاً ومرضاً في النفس. لقد خلقك الله لتكون خليفته في الأرض وهذه غاية خلقك، وجعل عبادتك له متمثلة في حسن استخلافك في كل ما أعطاك "وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لا تَعْلَمُونَ".
أن نكون خلفاء الله في الأرض أو لا نكون هو خيارنا، فهل هناك سؤال أهم نسأله أنفسنا كل يوم من حياتنا أن نكون أو لا نكون.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.