استندت الكتابات الإسلامية المعاصرة على جملة من المقولات الكبرى التي يمكن وصفها بالمقولات المؤسسة لفكرة حقوق الإنسان في المجال الإسلامي، وهي المقولات التي رجع إليها، وارتكز عليها معظم أو جميع الذين حاولوا الكشف والتعرف على فكرة حقوق الإنسان في الإسلام، ولا يكاد يوجد بحث أو كتاب تحدث أو تطرق إلى هذه الفكرة إلا واستند أو ارتكز على هذه المقولات كلها أو بعضها. والبحث عن المقولات المؤسسة لفكرة حقوق الإنسان في التصور الإسلامي، يعد مبحثا جديدا وحديثا في المجال الإسلامي المتعلق بهذا الشأن، ولم أجد مثل هذا المبحث في الدراسات والكتابات التي رجعت إليها، أو التي تعرفت عليها. ولا شك في أهمية وقيمة هذا البحث الذي يمثل مدخلا وإطارا معرفيا ومنهجيا لتكوين المعرفة بفكرة حقوق الإنسان في الإسلام، وهو أفضل مدخل وأضبط إطار لمثل هذه المعرفة، ولتحديد مدى تمايز وتقارب واختلاف هذه الفكرة عن غيرها من الأفكار الأخرى في المذاهب الفكرية والاجتماعية المغايرة. والحديث عن فكرة حقوق الإنسان والتعرف عليها في المجال الإسلامي لا يكتمل إلا بالعودة إلى هذه المقولات المؤسسة، ومحاولة فحصها وضبطها، وتعميق المعرفة بها، والكشف عن علائقها وروابطها وتراتبها، وبقدر تعمق المعرفة بهذه المقولات الكبرى بقدر ما تتحدد وضعية هذه الفكرة، وبقدر ما تتكشف أيضا. وبعد نظر وفحص وجدت أن هذه المقولات المؤسسة تتحدد في أربع مقولات أساسية وهي: مقولة استخلاف الإنسان في الأرض، ومقولة الكرامة الإنسانية، ومقولة الحق والحقوق، ومقولة المقاصد. وفي هذه المقالة سوف نشير إلى المقولة الأولى وهي مقولة الاستخلاف في الأرض، وهذه المقولة كما هو واضح مستنبطة من القرآن الكريم في قوله تعالى «وإذ قال ربك للملائكة إني جاعل في الأرض خليفة»، وقوله تعالى «هو الذي جعلكم خلائف في الأرض». وما كان بالإمكان الحديث عن هذه المقولة بهذه الصورة البيانية واللسانية لولا ورودها بهذا النص في القرآن الكريم. ومن هذا النص القرآني تحددت رؤية الإسلام الكلية للإنسان ذاتا ووجودا ووظيفة، الرؤية التي رفعت الإنسان إلى أعلى منزلة في هذا الكون، وليس هناك ما هو أعلى وأشرف من هذه المكانة التي يكون الإنسان فيها خليفة في الأرض. وفي إطار هذه الرؤية، وتحقيقا لغاياتها ومقاصدها جاءت وتقررت فكرة حقوق الإنسان في الإسلام، الحقوق التي تضمن وتصون شرف الإنسان وكرامته، وبما يليق وخلافته في الأرض. وتجلت هذه المقولة في مفتتح ديباجة وثيقة حقوق الإنسان في الإسلام التي أشرفت عليها منظمة المؤتمر الإسلامي، وجاء فيها أن (الدول الأعضاء في منظمة المؤتمر الإسلامي إيمانا منها بالله رب العالمين، الذي خلق الإنسان في أحسن تقويم، وكرمه فجعله في الأرض خليفة ووكل إليه عمارتها وإصلاحها). والحكمة من هذه المقولة تتحدد في أمرين متلازمين هما: الأمر الأول: إن الله سبحانه هو الذي شرف الإنسان بهذه المنزلة وجعله خليفة في الأرض، وهذا يعني ضرورة المحافظة على هذه المنزلة، ومن أظهر تجلياتها أن يحصل الإنسان على كامل حقوقه، ولا يجوز انتهاك هذه الحقوق أو الانتقاص منها. الأمر الثاني: تقتضي هذه المنزلة أن يدافع الإنسان عن حقوقه، ولا يتخلى عنها أو عن قدر منها، لأن الله سبحانه أعطى الإنسان هذه المنزلة السامية وعليه أن يدافع عنها، ويسعى إليها دوما، وفي مقدمتها الحصول على حقوقه كاملة من دون انتقاص. [email protected] للتواصل أرسل رسالة نصية sms إلى 88548 الاتصالات أو 636250 موبايلي أو 737701 زين تبدأ بالرمز 115 مسافة ثم الرسالة