الرياض- السعودية انتهت يوم الاربعاء الماضي في فورتاليزا في البرازيل أعمال القمة السادسة لدول بريكس التي تضم البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب أفريقيا باتخاذ جملة من القرارات التي تستحق تسليط الضوء عليها. وعلى رأسها يأتي تأسسي المجموعة لمصرف انمائي برأسمال 100 مليار دولار وصندوق احتياط للطوارئ. وللأسف فإن وسائل الأعلام لم تعط قمة بريكس كل الأهمية التي تستحقها. فالقرارات الاقتصادية التي اتخذتها المجموعة قد أعادتنا إلى المداولات الساخنة التي كانت تجري في أروقة الأممالمتحدة قبل انتهاء الحرب الباردة. فالمطالب التي طرحتها البلدان النامية ودول عدم الانحياز في اجتماعات الجمعية العمومية خلال السبعينات وحتى منتصف الثمانينات، بخصوص اقامة نظام اقتصادي عالمي أكثر عدلاً، قد طواها النسيان لولا أن أعادت قمة فورتاليزا الحياة إليها من جديد. ويمكن للمهتمين الرجوع إلى قرار الدورة الاستثنائية السادسة للجمعية العمومية عام 1974 والتي أعلنت قيام نظام اقتصادي دولي جديد. فنحن نعرف أن صندوق النقد الدولي والبنك الدولي كانا من المؤسسات التي طالما اشتكت من جورهما البلدان النامية فيما مضى. وأعتقد أن إنشاء مجموعة بريكس لصندوقين مماثلين قد جاء ليبعث من العدم توصيات الجمعية العامة للأمم المتحدة التي عفا عليها الزمن. بالفعل فإن البلدان النامية قد أخذت على حين غرة. فمنذ جولة الاورغواي، التي وضعت الاساس لتحول الاتفاقية العامة للتعريفات والتجارة لجات (GAAT) إلى منظمة التجارة العالمية التي تم إنشاؤها عام 1995، والمبادرة في يد البلدان الصناعية التي فرضت شروطاً غير مسبوقة على البلدان النامية لفتح أسواقها. فسعي البلدان الصناعية لتكييف العالم وفقاً لمصالحها قد دفعها لعدم قبول أي عضو جديد في المنظمة قبل تجاوزه المفاوضات الثنائية مع البلدان التي سبقته إليها. ولهذا تدوم المفاوضات أعواماً إلى حين يخضع أو بالأصح يلبي العضو المرشح كل المتطلبات ويستوفي كافة الشروط. وعلى هذا الأساس دامت مفاوضاتنا معهم 12 عاماً قبل أن يفتحوا أبواب المنظمة لنا عام 2005. وهذا كان حال الصين قبلنا وروسيا بعدنا. وتكتسب قرارات قمة بريكس المتعلقة بالاستخدام التدريجي لعملاتها المحلية في التجارة البينية أهمية في ظل العقوبات التي فرضتها السلطات الأمريكية مؤخراً على بعض المصارف الأوروبية كالبنك الفرنسي بي ان بي باريبا الذي اضطر لدفع غرامات تصل إلى 9 مليارات دولار جراء انتهاكه الحظر المفروض على السوادان وإيران وكوبا. فالولايات المتحدة لا تستخدم فقط أجهزة التنصت لمراقبة العالم وإنما الدولار أيضاً. فلو أن البنك الفرنسي أجرى معاملاته التجارية باليورو لصعب رصد خروقاته للمقاطعة. ومجمل القول إن قرارات قمة البرازيل جاءت لتسوق لنظام عالمي قديم- جديد تم نسيان الحديث عنه. فالنظام الاقتصادي والمالي العالمي القائم حالياً والذي يستمد سلطته من الانتصار في الحرب العالمية الثانية والحرب الباردة قد تحول من ميسر إلى معسر. فالدولار الذي يستخدم في تمويل 87% من الصفقات التجارية العالمية قد أثقل كاهل النظام المالي والاقتصادي العالمي بعد سياسة التيسير الكمي وطباعته بالمليارات غير المغطية. فهذه الكتلة النقدية الضخمة التي صارت تحوم في أسواق العالم قد أصبحت مصدرا من مصادر التضخم وتراجع معدلات النمو في كافة انحاء العالم.