الاقتصادية - السعودية كل عام وأنتم بخير، وأسال الله لكم صياماً مقبولاً وذنباً مغفوراً وصدقة مباركة، فقد قال الله تعالى: "خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها وصل عليهم إن صلاتك سكن لهم والله سميع عليم"، وهناك الكثير مما يمكن القول عن الزكاة، فهي جزء مخصوص في مال مخصوص في وقت مخصوص تدفع لفئة مخصوصة، فليس كل مال تجب فيه الزكاة، وليست في كل وقت، ولها مصارف محددة لا تخرج عنها، وكل هذا حدده الله في كتابة وسنة نبيه الكريم – صلى الله عليه وسلم، فهي في جوهرها عبادة على المسلم وليست غرامة، بحيث لا يستطيع استخراج سجلات إلا بدفعها، ويجب أن تقف مصلحة الزكاة عن ربطها بتجديد السجل التجاري والدخول في المناقصات وبطاقة الأحوال. لهذا فإنه يجب إعادة النظر كثيراً والتأني في قرارات مثل فرض زكاة على الأراضي البيضاء، ذلك أن الله هو الذي يحدد الأموال التي تجب فيها الزكاة وليس البشر، فهي – كما قلت – عبادة وليست غرامة، فمصدر تشريعها هو الله وليس الإنسان، ولا يجوز لنا اليوم القول بزكاة الأراضي لوجود مشكلة اقتصادية، ثم نقول بتعطيلها غداً إذا انتهت. لست ظاهرياً هنا، وقد اختلف العلماء في الأصناف التي تجب فيها الزكاة وخاصة بين الظاهرية والمذاهب الأخرى، فالظاهرية يرون بعدم جواز أخذ الزكاة إلا من الأموال التي حددتها السنة النبوية، حتى إنهم أخرجوا عروض التجارة منها لهذا السبب، ودار نقاش فقهي استمر لقرون حتى القريب، فالمسألة تدور حول عبادة وفريضة وليس لحل مشكلة اقتصادية مؤقتة، وفي اعتقادي أنه لا يجوز تعبيد الناس لله إلا بما شرعه الله عليهم، لا يجوز أن نفرض عليهم أموراً لمشكلات واجهتنا ثم نقول: هذا من عند الله. افرضوا الضرائب، أو الرسوم، أو ما شئتم لكن لا تسموها الزكاة. نعم تواجهنا مشكلة ارتفاع أسعار العقارات، وهنا كأراضٍ بيضاء لا يريد أصحابها تطويرها كما تقوم فئة محدودة من أصحاب الثروات بتداول العقارات البيضاء والمضاربة عليها فيما بينهم دون تطويرها وبيعها، بل لعل البعض منهم قد يتهرب من الزكاة في المال من خلال شراء هذه العقارات قبل أن يتم الحول ثم يتم يبيعها مرة أخرى، لكن كل هذا لا يؤيد القول بزكاة الأراضي لعدة أسباب: أولاً: أن الزكاة شريعة تعبدية دائمة على المسلمين وليست لحل مشكلات اقتصادية آنية، فلا يجوز القول بتخصيص زكاة في الأراضي البيضاء لوجود مشكلة عقارات، ثم نعود فنقول بعدم وجوبها بعد انتهاء هذه المشكلة أو عدم الحاجة للنقاش حولها، ولأنه سيجعل كل من معه أرضاً بيضاء في أي زمان ومكان – وهو لا يريد بيعها ولا يريد تطويرها أو التصرف فيها – خاضعاً للزكاة. ثانياً: لو قلنا بزكاة الأراضي البيضاء فلن نستطيع تخصيص نصابها لعدم وجود نص واضح فيها، ولن يتوفر ذلك إلا من خلال تقويمها بالمال واعتبار نصابها كنصاب الذهب والفضة وهذا قياس فاسد للفارق بينهما ولأن سيجعل كل أرض بيضاء صغيرها وكبيرها خاضعة للزكاة بناء على نصاب الذهب والفضة، فإن قيل: إنها تجب فقط على من جعل الأراضي البيضاء كعروض التجارة فتعامل مثل عروض التجارة، فهذا فيه أقوال واضحة للعلماء وتفصيل واسع في زكاة العقارات، فهم لم يحددوا الأراضي البيضاء فقط، بل جميع العقارات سواء المستغلات كالمؤجرة أو التي تعامل كعروض التجارة، وهناك شركات متخصصة وتدفع الزكاة بناء على رأسمالها العامل، فلسنا بحاجة إذاً أن نناقش قضية زكاة الأراضي البيضاء بشكل مستقل. فالتجار الذين يعملون في تجارة العقارات لهم سجلات تجارية واضحة وهم يدفعون الزكاة لمصلحة الزكاة والدخل سنوياً وبشكل نظامي. فإن قيل: إن المقصود هنا من استخدمها لعروض التجارة وهو ليس تاجراً متخصصاً أو صاحب مؤسسة تدفع الزكاة، أقول: إذا لم يكن صاحب مؤسسة وصاحب محال تجارية متخصصة، فإن نصوص العلماء في زكاة العقارات المخصصة للتجارة واضحة وكل مسلم مسؤول عن نفسه أمام الله فلن تزر وازرة وزر أخرى، ولا يجوز لنا فرض الزكاة بشكل نظامي لمجرد كون الأرض بيضاء ونقول: إنها عروض تجارة ابتداءً، فإذا لم تكن مؤسسة وكياناً اقتصادياً واضحاً فلا يجوز لنا الدخول في النية والمقاصد ونشق عن قلوب الناس وإلا تحولت الزكاة من فرض وركن في الإسلام إلى غرامة فقط. ولهذا أقول: إن كان لزاماً فرض رسوم للضغط على أصحاب هذه العقارات البيضاء فسموها ما شئتم ولكن ليست الزكاة. ثالثاً: من المعلوم أن الزكاة تدفع من عين المال ابتداءً وهناك خلاف فقهي، هل يجوز إخراج زكاة الفطر نقداً بدلاً من الحبوب المنصوصة؟ وهل يجوز إخراج زكاة الأنعام نقداً؟ وهل يجوز إخراج زكاة الزروع والثمار نقداً؟ وهذا خلاف واسع ليس هذا محل عرضه، فإن قيل بزكاة الأراضي البيضاء فكيف تخرج من عينها؟ ذلك أن نصاب الأراضي البيضاء سيقاس على نصاب الذهب والفضة (85 جراماً من الذهب و595 جراماً من الفضة)، وبناءً عليه فكل أرض بيضاء سيدفع عنها زكاة مهما كان صغر مساحتها ومكانها، فكيف سيتم دفعها؟ ثم إن قيل: يقوّمها ويدفع مقابلها نقداً، فإن لم يكن معه نقد كافٍ لذلك؟ فبعض الناس كما قلنا لديه أراضٍ بيضاء وليس تاجراً، ولا صاحب ثروات والأرض صغيرة وبعضها تكون لورثة متشاركين، وبعضها لأيتام، فالقول بزكاة الأراضي البيضاء سيشمل كل هؤلاء بلا استثناء، ذلك أن الأصل في الزكاة هو المال، فالمال إذا بلغ نصاباً وجبت فيه الزكاة بغض النظر عن حال المسلم المكلف كأن يكون طفلاً أو يتيماً أو مجنوناً، بل حتى ميتاً في قول جمهور العلماء. فالقول بدفعها نقداً قد يضع الناس في حرج كبير ويضطرون لبيع ممتلكاتهم لمجرد أنها أراضٍ بيضاء، وهذا فيه نظر لمفاسده الكبيرة التي ستحدث على الناس، وأموالهم. قد يقال: إن الدولة سوف تتعامل في هذا الموضوع مع الأراضي البيضاء الكبيرة فقط، نقول: إن هذا سيكون بشكله الرسمي، ولكن القول بوجوب الزكاة في الأراضي البيضاء سوف يتسبب للناس البسطاء في مشكلات وحيرة، فهل سنقول بجوازها على بعض الناس وعدم جوازها على غيرهم، فما هو مرجعنا؟ هل هو النصاب؟ ولهذا قلت: كيف سيتم تحديده؟ أعود فأقول: الزكاة عبادة وليست مغرماً، افرضوا الرسوم على العقارات كما تشاؤون لكن ليست زكاة.