عين اليوم - السعودية الجوع حالة من الفراغ الغذائي، تستوجب الانطلاق إلى مناطق الوفرة الطعامية، ولعل المثل الأعجمي المشهور القائل: "أنا أعرف ما أقول عندما أطلب الخبز"، يُعبِّر عن حالة الجائع الذي يرى في منامه أنه يسير في سوق المخابز. إن الجوع كافر، لأنه يخرج المرء عن طوره، وقد قيل: "كاد الفقر أن يكون كفراً"، هكذا تقول أدبيات العرب، أما العجم فيقولون: (A hungry man is an angry man). وعلة نقص الغذاء، تُشعل البطون وتُعطِّل العقول، والطعام صديق يعرفه الناس، ومنهم ذلك الطفيلي الأعرابي؛ الذي دخل على مائدة أعراب مثله، فقالوا له: هل تعرف منّا أحداً؟ فأجابهم: أعرف هذا، وأشار إلى الطعام. والجائع متهافت بسبب جوعه، لا يفحص المرق، ولا يُدقِّق في مكوّناته، لأن المسافة بين اللقمة والفم، اختصرها الجوع إلى "مسافة السكة فيما بينهما"، والطعام سيّد، له الحكم وأحقية التوجيه، لذا قال شاعرهم إلياس قنصل: كُلُّ فَوْضَى تَحَمَّلَ النَّاسُ مِنْهَا بَاهِضَ الشَّرِّ أَصْلُهَا جَوْعَانُ! والطعام وجبة لذيذة، ومائدة شهية تُغري على الكذب والاحتيال، خذ مثلاً ذلك الأعرابي الصعلوك، الذي ساقوه إلى الخليفة، بعد أن سرق كيس دقيق، فما كان منه إلا أن استعد لأداء القسم بعدم السرقة، لأنه لا يخشى عواقب اليمين، وإذا ضربوه فإن الأمر يختلف، لذا قال: فَإِنْ يَضْرِبُونِي جِئْتُهُمْ بِدَقِيقِهِمْ وَإِنْ حَلَّفُونِي فَانْخَلِي يَا أُمَّ عَامِرِ! فالحلف سيعقبه أمر للزوجة "أم عامر" بإحضار المنخل لنخل الدقيق، والله يغفر الذنوب لمن يشاء، لذا قال بعضهم: "إن الخبز الكافي والثوب الوافي، والبيت الدافئ تُغني عن ألف يمين"، ولكن يقول شاعرهم إلياس قنصل أيضاً: وَمَا مَعْنَى الكَرَامَةِ وَالمَعَالِي إِذَا عِشْنَا عَبِيداً لِلرَّغِيفِ؟! ونقص الرغيف يؤدي إلى الجوع، والجوع يغري أسود الغاب بالجيف، كما يقول شاعرهم المتنبي، واستمرار الجوع يطرح الأسئلة، والأسئلة عند شاعرهم البردوني إذ يقول: لِمَاذَا لِيَ الجَوْعُ وَالقَمْحُ لَكْ يُنَاشِدُنِي الجَوْعُ أَنْ أَسْأَلَكْ فَفِي أَضْلُعِي فِي دَمِي غَضْبَةٌ إِذَا عَصَفْتْ أَطْفَأْتْ مِشْعَلَكْ غَداً سَوْفَ تَلْعَنُكَ الذِّكْرِيَاتُ وَيَلْعَنُ مَاضِيكَ مُسْتَقْبَلَكْ! اللهم أطعمنا من جوع، وآمنّا من خوف. تويتر: Arfaj1 [email protected]